خبر مقدسيون يروون حكايات الألم من ذكرى النكبة

الساعة 08:35 ص|16 مايو 2012

القدس

رحلت ديانا صافية البالغة من العمر اليوم 72 عاماً من بيتها في حي الطالبية الراقي في الشطر الغربي من القدس عندما كان عمرها ثماني سنوات مع أهلها إلى البلدة القديمة خشية على حياتهم من إرهاب العصابات الصهيونية.

كان ذلك قبل يومين من اعلان إنشاء الكيان في 15 مايو/أيار ،1948 يوم النكبة . تقول ديانا “لا أزال أذكر سيارات المنظمات اليهودية تجوب شوارعنا في إبريل/نيسان ،1948 وتعلن عبر مكبرات الصوت ان منظمة “الأرغون” (الإرهابية الصهيونية) قادمة . حرصاً على أرواح أبنائكم وبناتكم ونسائكم اتركوا منازلكم بسلام” .

وتضيف هذه السيدة الأنيقة التي تتقن الفرنسية والإنجليزية “كانوا يرهبوننا بتذكيرنا بمذبحة دير ياسين التي ارتكبت في التاسع من ذلك الشهر، وقتل فيها نساء وعجائز . . أكثر من مائتي فلسطيني من القرية” .

وتذكر ديانا العمليات الإرهابية للمنظمات اليهودية التي سبقت رحيلهم، بقولها “ليس بعيداً عنا، كان أحد الفلسطينيين يملك فندق سميراميس . اعتقد ان فندقه آمن فأحضر عائلته لتسكن فيه، لكنهم فجروا الفندق بمن فيه” . وتضيف “نقلنا عمي بسيارته في 13 مايو/أيار تحت جنح الليل أنا ووالدي وشقيقي حنا إلى القدس القديمة . تركنا كل شيء خلفنا، بيتنا وسيارتنا ووثائقنا وكل شيء معتقدين أنها بضعة أيام وسنعود” .

وتضيف “منذ أن احتلت “إسرائيل” القدس، لم نتمكن سوى مرة واحدة من رؤية بيتنا عندما اصطحبني أبي مع أخوتي . كان ذلك في 1967 . وقفنا نتفرج على البيت ثم خرج يهودي من أصل تونسي يتكلم الفرنسية، كان ما زال متمسكاً ببعض العادات العربية، ودعانا للدخول” . وتتذكر “كانت حديقة البيت مهملة . فصلوا غرفتي عن البيت وحولوها إلى بقالة لبيع السكاكر والشوكلاتة . لم يعد أبي بعد ذلك اليوم إلى الطالبية مرة أخرى” .

وتقول ديانا “أنا آخر فرد من عائلتي بقيت في مدينة القدس . لقد فككوا المجتمع الفلسطيني . شتتونا وبتنا غرباء في قدسنا . جزء من عائلتي في لبنان وجزء آخر في سوريا” . وكان شقيق ديانا عفيف صافية ممثل فلسطين في بريطانيا وموسكو وواشنطن وعاد لأول مرة عام 1993 إلى القدس بجواز سفر بريطاني . أما أخوها حنا فدخلها كسائح بجواز سفر برازيلي . وتقول ديانا “أنا لاجئة من دون بطاقة لاجئين” .

وتقول جميلة فريج خوري (81 عاماً) بمرارة وغضب “كانت عائلتي تسكن في حي القطمون، وبدأت المنظمات اليهودية تهاجم العرب بضراوة عام 1947 . عندما تزوجت وسكنت في القطمون العليا قصفونا بوحشية . هربت وأنا حامل عند أهلي، لكن الوضع عندهم كان أسوأ . كانوا ينسفون بيوت العرب . نسفوا بيت عمي ومات من فيه” . وتضيف “كانت معارك القطمون في الاول والثاني والثالث من مايو/أيار الأشرس وكان قائد المعركة إبراهيم ابو دية . سقط الكثير من الشهداء، وجرح أبو دية وسقطت القطمون بيد اليهود” .

وتتابع جميلة “معظم القادة اليهود مجرمو حرب مثل مناحيم بيغن وأرييل شارون واسحق شامير وغيرهم . كان يجب على العالم تقديمهم لمحاكمات دولية . لقد هجروا شعبنا وشردونا وتسببوا لنا بالآلام والأذى . إنهم مسؤولون عن كل شيء ويجب تقديمهم للمحاكمة، وبدلاً من ذلك أعطوهم دولة على أرضنا واعترفوا بهم” .

وكان الفلسطينيون الميسورون من أهالي الشطر الغربي لمدينة القدس، من مسيحيين ومسلمين، يتنافسون قبل 1948 على بناء البيوت الحجرية المزينة والمزخرفة بالسيراميك الملون والنقوش الحجرية . وتتميز هذه المنازل بالأقواس التي تزين مداخلها . ولا تزال الأشجار القديمة الضخمة باسقة بجوارها وفي حدائقها . وفي الشطر الغربي للمدينة وعند دوار سلامة في حي الطالبية الذي غيرت “اسرائيل” اسمه إلى دوار “اورد وينغت”.

يقول د . عدنان عبد الرازق “كانت مساحة القدس بشقيها الغربي والشرقي 20 ألف دونم . وبعد عام 1948 حصلت “إسرائيل” على 16261 دونماً من أراضي القدس، وحولت 850 دونماً إلى منطقة حرام تحت إشراف الأمم المتحدة، و2200 دونم مع القدس الشرقية” .

وكان يتبع مدينة القدس 66 قرية بما فيها المالحة، ودير ياسين وعين كارم . ويقول عبد الرازق إن “الأملاك العربية في فلسطين كانت تشكل ما نسبته 93%” . ويتابع “هناك بيوت عربية في الطالبية سكنها مسؤولون يهود مثل بيت حنا وواصف بشارات الذي نقش عليه عند بنائه “هذا قصر هارون الرشيد” . لكن “الإسرائيليين” دمروا النقش العربي لأنهم لا يريدون شاهداً يقول إنه ليس لهم . سكنت هذا البيت رئيسة الوزراء السابقة غولدا مئير، وأربعة وزراء “إسرائيليين”” .

وتعيش عائلة بشارات في الأردن وتحولت ملكية بيتها بحكم القانون “الاسرائيلي” إلى أملاك غائبين ومن ثم إلى ملكية “اسرائيلية” . أما الدبلوماسي الفلسطيني عبد الله عبد الله الذي كان يسكن حي القطمون في القدس الغربية عام 1948 فيذكر أنه عندما غادر القطمون كان له صديق يهودي اسمه عمنوئيل وكانت صداقتهما حميمة . وعندما غادر مع عائلته بكى الاثنان . ويقول “كان يريد أن يذهب معي وأنا كنت أريد أن أبقى معه” . ويتابع عبد الله عبد الله “ضمت والدتانا إحداهما الأخرى، وقالت أم عمنوئيل (ستعودون قريبا) وهي تحضن والدتي وتبكي” . ويضيف “لم نعد أبداً، ولم أر صديقي مرة أخرى” .