خبر الوطنيون الصخابون هم أكبر الجُبناء -يديعوت

الساعة 10:43 ص|14 مايو 2012

بقلم: يارون لندن

قال الحاخام اسحق بيرتس، حاخام رعنانا الذي كان أول الوزراء من قبل شاس، ذات مرة انه يجب علينا ان نتمسك بايماننا كما يتمسك رجال حزب الله بايمانهم. وعبر عن حسد للمحاربين الشيعة المتأكدين تماما من عدالة نضالهم.

مرت سنين كثيرة، لكن يطفو كلام الحاخام في ذاكرتي بين الفينة والاخرى. وهو يطاردني لأن الشجار بين التطرف والشك هو جذر الاختلاف الناشب بيننا. فاليمين الصهيوني لا يدع أية شكوك تتغلغل الى تفكيره، وأما اليسار الصهيوني فيشعر بأن لأعدائنا ايضا قصة تستحق الاستماع اليها.

في ظاهر الامر، وفي ظاهر الامر فقط، التطرف يقوي والشك يضعف. ومن السهل على الانسان ان يثبت على رأيه اذا لم يُثقل على رأيه ظل شك. ويسهل عليه ان يُبيد عدوه ويصادر ملكه مثل واحد من مقاتلي يوشع، اذا كان على يقين من ان حربه هي حرب أبناء النور لأبناء الظلام.

وأصعب من ذلك ان تعترف بأن عدلك مختل. فالميزان تُرجحه دعاواك، لكن الكفة لا تسقط بمرة واحدة بل تنخفض ببطء. وهناك حاجة الى قدر كبير من الثقة بالنفس كي تؤيد هذا التصور المركب.

تسود العداوة بين المتطرفين والشكاكين. فالأولون يثورون بالآخِرين لأنهم يوقظون عصفور الشك النقار. واعتقاد المتطرف عنصر مهم في هويته، والهوية الذاتية هي جوهر الانسان.

ان المتطرف يكره الشكاك لأن الشكاك ينقر قلبه. وبهذا فقط يمكن ان نفسر التحريمات التي يستعملها ساسة من اليمين على من يحاول الحفاظ على ذكرى الكارثة (النكبة) التي جلبها الفلسطينيون في 1948 على أنفسهم. وقولنا "جلبها على أنفسهم" صيغة الرأي المقبولة بين اليهود وأنا متمسك بهذا الرأي لكن يتبين لي ان اليهود انتهزوا الفرصة التي عرضت لهم كي يُجلوا جموع الفلسطينيين ويصادروا اراضي عشرات الآلاف من "الغائبين – الحاضرين".

ان الوطنيين المتطرفين ينكرون فصولا غير لذيذة في تاريخنا، لكنهم يذكرون في نفس الوقت الشعوب المنتصرة التي أحدثت جرائم كبيرة ولم تعبر عن ندم ومحت جرائمها من التاريخ الذي كتبته.

 والحقيقة ان لا نظام من النظم الديمقراطية يسلك هذا السلوك. فالفرنسيون يندمون ندما قويا بسبب الحرب في الجزائر، وكتب التاريخ الامريكية تتوسع في بسط علاقة المهاجرين الاوروبيين بأبناء البلاد وبالعبيد السود.

لو كان ممكنا ان نمحو من ذاكرتنا فصولا مضايقة وان نضطر الآخر الى نسيان سبب حزنه لكنت مستعدا لأن أزن الفائدة الكامنة في اعمال مضطهدي الذاكرة، لكن الذاكرة متملصة كالماء. وهي تقطر الى الأعماق وتُجمع في حوض ما. أما نقرات الشك فلا يمكن إسكاتها وتنجم احيانا اسئلة مُشككة في رأس يهودي شاب ساذج.

فهو قد يسأل مثلا ما هو النفاذ الاخلاقي لـ "اعلان بلفور" الذي نقيم عليه دعوى اعتراف العالم بحقنا التاريخي في البلاد. وقد يتساءل ألا يوجد شيء من الصدق في الدعوى الفلسطينية ان قصاصة الورق التي أرسلها اللورد بلفور الى اللورد روتشيلد لا تشمل كلام الله الحي بل كلمات معوجة كان هدفها ان تخدم الاستعمار البريطاني على حساب سكان البلاد العرب.

وقد يشك حتى في منعة الاعتماد على التصويت في التاسع والعشرين من تشرين الثاني. فقد صوتت 33 دولة من بين اعضاء الامم المتحدة الـ 44 مؤيدة، لكن الأكثرية الغالبة من الجنس البشري لم تكن ممثلة في المنظمة آنذاك. فهل حيل الاستعماريين وعقيدة البروتستانت ومشاعر الذنب عند اوروبا المعادية للسامية يفترض ان تقنع فلسطينيا بالتسليم لاحتلال بلاده؟.

للرواية الصهيونية قوة كبيرة، لكنها تضعف كلما راكمنا فوقها أكاذيب وكلما أسكتنا روايات معادية. ولن يتردد الصهاينة المتأكدين من عدلهم المبدئي في إبعاد الضائقة عن قلوبهم. والذي هو غير مستعد لاظهار شكوكه يدل على أنه غير متأكد من أسس تصوره العام. ان الوطنيين الصخابين هم أكبر الجُبناء.