مسيرة يوم النكبة السلمية بعيون المصري

خبر منيب المصري الحفيد.. مقعدي المتحرك زاد حبي لفلسطين

الساعة 10:27 ص|14 مايو 2012

لبنان

كان المشهد جميلا وكانت فلسطين تلوح لنا من بعيد، شابات وشباب حملوا أعلامهم واحلامهم متجهين نحو حدود فلسطين ليملؤا صدورهم بنسماتها، ورائحة بحرها وبرتقالها وزعترها، تلك الأرض تخيلها كل منا بشكل مختلف، وما يجمع هذا الاختلاف هو أنها هي أرضنا ولنا فيها البحر والبر والهواء.

هذا ما قاله منيب ربيح المصري عندما سألناه عن مسيرة يوم النكبة السلمية التي انطلقت من مارون الراس نحو الحدود اللبنانية - الفلسطينية في العام الماضي.

قال "كان الجميع يحمل العلم الفلسطيني، سقط من سقط، وأصيب من أصيب، ووصلت الرسالة بنص واضح يقول الرصاص لن يقتل الإرادة، والسجن لن يحبس الحرية، وأسلاكهم الشائكة وحقول الغامهم لن ترهبنا، فقد كانت "مارون الراس"، ساحة لمسيرة سلمية حولها الاحتلال بحقده إلى مجزرة زادت في رصيده الأرهابي المخزي، وعززت من قناعاتنا بأن احفاد شتيرن والارغون لا يزالوا يتصرفون بنفس عقلية اجدادهم.

ويضيف منيب لو قدر لي أن أضع عنوانا صحفيا لما حصل في مارون الرأس ومجدل شمس يوم ذكرى النكبة لكتبت العنوان التالي: "إسرائيل تقاتل طواحين الهواء" فالنضال الفلسطيني وإن كان يمر الآن بحالة تراجع بسبب الإنقسام، ولكنة في الأصل حالة فكرية نابعة من قناعة راسخة بأن الاحتلال إلى زوال، والأجيال لن تنسى فلسطين.

منيب المصري هو شاب فلسطيني يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهو ابن ربيح المصري، وحفيد منيب رشيد المصري، بمعنى آخر أنه نشأ في عائلة ميسورة ماديا، ويدرس في جامعة عريقة ومرموقة، وكان يمكن له أن يرى فلسطين ليس عبر مارون الراس، بل يدخل إليها عبر معبر الكرامة. وفي هذا السياق يقول منيب الحفيد: أن تكون من عائلة ميسورة ماديا لا يعني اطلاقا أنك لست وطنيا، ومن يفكر بهذه الطريقة لم يقرأ التاريخ الفلسطيني، فعبر المراحل المختلفة في هذا التاريخ كانت الهوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين طبقات المجتمع الفلسطيني تندثر عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن المشروع الوطني الفلسطيني.

وإذا ما اخذنا الأمور بشكل شخصي فأنا أعتبر نفسي تربيت في عائلة حملت الهم الوطني وشاركت في النضال الفلسطيني: فقد كنت أسمع جدي يقول "ياريت بقينا فقراء، وضلينا في فلسطين، على أن نصبح أغنياء بعد ما هُجٌرنا منها وضاعت البلاد"، وكان أبي دائما يتحدث عن المقاومة الفلسطينية، وبخاصة اجتياح بيروت في عام 1982. وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية ترك جدي الدنيا وذهب إلى فلسطين ليشارك في بناء الدولة الفلسطينية العتيدة.

ويؤكد بشكل لا يقبل الشك حين يقول ما حصل معي لن يمنعني من مواصلة ما بدأته، فأنا لست وحدي وهناك الألوف من أبناء الشعب الفلسطيني استشهدوا، واعتقلوا، وشردوا، وأصيبوا في مراحل النضال المختلفة وما زالوا يعانون من الاحتلال وبطشه.

مقعدي المتحرك لم ينل من إرادتي في أن اعمل لأجل فلسطين حرة، ديمقراطية. ولن ننسى ما يصنعه الآن أسرانا الأبطال داخل سجون الاحتلال في مواجهة السجان بسلاح الإرادة، فهم صناع مجد وبطولات.

ذهبت للمشاركة في مسيرة العودة في مارون الرأس وأنا أعلم تمام العلم بأن هناك أثمان تدفع لاسترجاع الأرض والكرامة، ولم يكن في بالي أو في بال أحد من المشاركات أو المشاركين بأن ما نفعله هو عبارة عن نزهة، فأمامنا عدو عنصري بشع جاهز لكي يصب رصاص حقده على كل ما هو فلسطيني.

إسرائيل كانت مدركة تماما ما تعنيه مسيرة العودة لذلك عملت على صدها بأبشع الطرق، كان الجنود يتصرفون كمن فقد عقله يطلقون الرصاص الحي في كل اتجاه، وبشكل مباشر على المتظاهرين السلميين، وهذا ما يفسر سقوط ستة شهداء، وإصابة أكثر من 120 زميلا لي اصابات بليغة في هذا اليوم، الذي لن أنساه ما حييت ليس لأني اصبت اصابة بليغة؛ فقدت كليتي وطحالي وكسر في العمود الفقري أقعدتني عن الحركة، ولكن بسبب ما شاهدته في هذا اليوم من تصميم لدى أبناء الشعب الفلسطيني بكل مكوناته على استرجاع حقهم المسلوب، وتوقهم للعيش بكرامة في وطن اسمه فلسطين.

فلسطين ليست ذاكرة، وليست قصة يرويها لنا أجدادنا، هذا ما علمني إياه جدي وجدتي وامي الذين ينحدرون من عائلة الأعرج في بيت جالا، بل هي حقيقة تهجير وانتزاع شعب من أرضة، وله حق في العودة اليها، ما حصل في مارون الراس هو لتذكير إسرائيل بأن هناك شعب لن ينسى بأن لديه أرض وشجر وذكريات على بعد أمتار من مارون الراس.

ويقول منيب المصري رغم كل الآلام التي يعانيها الشعب الفلسطيني فأنا أوافق جدي صاحب التجربة الطويلة التي امتدت أكثر من أربعين عاما وهو يعمل على إنهاء الصراع بالطرق السلمية، والذي عاصر النكبة منذ أيامها الأولى ولغاية الآن حين يقول: "بأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يجب أن ينتهي، وأن تعاد الحقوق إلى أصحابها، فكل ما يطلبه الشعب الفلسطيني هو دولة مستقلة كاملة السيادة ومتواصلة جغرافيا على حدود الرابع من حزيران عام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين. وعلى الرغم من أن هذا الحل يعطي إسرائيل ثلاثة أرباع فلسطين التاريخية إلا أنه يجسد حل الدولتين للشعبين، وهذا ما ادعو إليه، واقول لكل العقلاء في إسرائيل لا تضيعوا هذه الفرصة، فلن تجدوا فلسطيني يقبل بأقل ما قبل به القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات".