خبر من طابا الى اولمرت: أسطورة السلام « الذي ضُيع » -اسرائيل اليوم

الساعة 12:40 م|11 مايو 2012

ترجمة خاصة

من طابا الى اولمرت: أسطورة السلام "الذي ضُيع" -اسرائيل اليوم

بقلم: دوري غولد

(المضمون: يتحدث رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اهود اولمرت للعالم كله عن مبلغ قرب الاسرائيليين والفلسطينيين من اتفاق سلام دائم حينما كان رئيسا، لكن الحقائق من ذلك التفاوض الذي يفخر به تثبت عكس ذلك - المصدر).

أُجري لقاء صحفي مع رئيس الوزراء السابق اهود اولمرت في يوم الجمعة الماضي أجرته معه كريستينا امنفور من شبكة "سي.ان.ان" وحاول ان يُظهر انه كان قريبا جدا من اتفاق سلام تاريخي مع أبو مازن في 2008، وان الفرصة أُضيعت فقط بسبب تدخل جهات من الولايات المتحدة جاءت بمال كثير لابعاده عن الحكم.

ان اولمرت، دونما صلة ببواعثه السياسية، غذى آلة الاساطير الدولية التي تقول ان الاسرائيليين والفلسطينيين كانوا قريبين من تسوية ما كانت تحتاج إلا الى دبلوماسية امريكية حازمة كي تزيل الفروق الضئيلة التي بقيت بين الموقفين. لكن الحقيقة كانت مختلفة جدا في واقع الامر.

ينبغي ان نرى محادثات اولمرت السرية مع أبو مازن برهانا آخر على الفرق الكبير بين أقصى تنازل تم من قبل رئيس حكومة اسرائيلي، وأدنى مطالب الفلسطينيين. وليست هذه أول مرة يُتحدث فيها في اعلام الاسطورة الذي لم يتحقق قط عن شق طريق قريب نحو اتفاق دائم بين اسرائيل والفلسطينيين، فبعد انقضاء المحادثات في طابا في 27 كانون الثاني 2001 نشر مفاوضون اسرائيليون وفلسطينيون اعلانا مشتركا ورد فيه: "يصرح الطرفان أنهما لم يكونا قط أقرب مما هما الآن من التوصل الى اتفاق".

مع ذلك كان رد محمد دحلان على وزير الخارجية الاسرائيلي آنذاك شلومو بن عامي والذي كرره ايضا على مسامع مراسل "صوت اسرائيل" هو: "كلام فارغ". وكتب مندوب الاتحاد الاوروبي ميغال مورتينوس في تقرير داخلي عن طابا "بقيت فروق جدية" بين الطرفين.

تشير نظرة الى الـ 15 سنة الاخيرة الى ميل قوي الى المبالغة في انجازات التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني. فقد كتب دافيد ماكوفسكي الذي كان مراسلا سياسيا لصحيفة "هآرتس" في تسعينيات القرن الماضي، كتب في 2003 عن مقابلة صحفية أجراها مع اللواء (احتياط) شلومو يناي كشف فيها عن ان اللجنة العسكرية في طابا لم تكد تجتمع وأنه علاوة على ان الطرفين لم يتقدما في التباحث في الشأن الامني، كان هناك تراجع ايضا. وباختصار لم يكن الطرفان "أقرب مما كانا قط". وبرغم ذلك استمرت الاسطورة.

ما الذي نعلمه عن محادثات اولمرت مع أبو مازن في 2008. نعلم أولا أنه لم يُحرز اتفاق حقيقي. ففي تلك السنة اقترح اولمرت على أبو مازن اقتراحا رفض الكشف عن مضمونه الكامل. وجاء عن ديوان اولمرت لصحيفة "هآرتس" في كانون الاول 2009: "لن نستطيع لاعتبارات مسؤولية وطنية ان نتناول مضمون تلك الخريطة وتفصيلات الاقتراح".

وظهرت صيغة اقتراح اولمرت الأكثر تفصيلا في الصفحة الافتتاحية من صحيفة "نيويورك تايمز مغازين"، في تقرير لبرنارد افيشاي. وقال اولمرت لـ افيشاي باسلوب ذكّر بنغمة نهاية محادثات طابا: "كنا قريبين جدا أكثر من كل مرة سبقت، من التوصل الى اتفاق على أساس مباديء كان يمكن ان تفضي الى انهاء الصراع بيننا وبين الفلسطينيين".

لكن هل كان وصف اولمرت دقيقا؟ كتب افيشاي ان اولمرت استعمل "غموضا بناءا" لمواجهة الموضوعات الأشد تعقيدا مثل قضية اللاجئين الفلسطينيين. وقال أبو مازن لصحيفة "واشنطن بوست" في 2009 انه فهم ان اولمرت قبل مبدأ "حق العودة". ومع ذلك قال اولمرت بعد ذلك بسنتين لـ افيشاي ان عدد اللاجئين الدقيق ممن سيُسمح لهم بالعودة بقي خاضعا للتفاوض. فهل يُسمى هذا "اتفاقا"؟. بل ان اقتراحات اولمرت في المجال الامني كانت أكثر اقلاقا. قال أبو مازن لـ أفيشاي ان "موضوع الامن محسوم"، لكنه أضاف: "لا نزعم ان الحديث عن اتفاق هنا، لكن الشأن الامني صيغ نهائيا". فكيف يمكن "الاتفاق" على موضوع مهم مثل الامن بغير اتفاق بين الطرفين؟ أوضح أبو مازن انه وُجد حل لقلق اسرائيل الامني مع الجنرال جيمس جونز، المستشار الامني لكونداليزا رايس، وتبين ان أبو مازن تحدث الى جونز، لكن لم يكن أي اتفاق مع اسرائيل.

بينت رايس في مذكراتها أنها فكرت في ان تستبدل بالجيش الاسرائيلي في اماكن مثل غور الاردن، قوات دولية بل قوات من حلف شمال الاطلسي. وهكذا ضعضعت مبادرة اولمرت تماما التصور الذي يقول انه يجب على اسرائيل ان تدافع عن نفسها بقواها الذاتية. وتوجد روايات مختلفة عما كان رأي اولمرت في القدس بعضها أكثر اشكالية من بعض.

قال لـ أفيشاي برنارد انه وافق على التخلي عن سيادة اسرائيلية فيما سماه "الحوض المقدس" – وهو منطقة تشمل المدينة القديمة وفيها جبل الهيكل وحائط المبكى وجبل الزيتون ومنطقة مدينة داود. فهل قرّبت هذه التنازلات اولمرت من احراز اتفاق دائم كما يدع مستمعيه يفهمون؟ كتبت رايس في مذكراتها ان أبو مازن "رفض" اقتراح اولمرت حتى بعد ان توجه الرئيس بوش اليه طالبا ان يزن موقفه من جديد. وفي 2009 أجرى جاكسون ديهل من "واشنطن بوست" لقاءا صحفيا مع أبو مازن تبين لماذا لم يكن يستطيع الموافقة على الاقتراح بقوله: "كانت الفروق كبيرة جدا".

كيف تكون مسألة اقتراح اولمرت هذا ذات صلة بأيامنا الآن؟ لا يهم من سيفوز في المعركة الانتخابية القريبة في الولايات المتحدة لأن الادارة القادمة ستحاول ان تصوغ مبادرة سلام اسرائيلية فلسطينية وتضغط على الطرفين لقبولها. فبعد فشل كامب ديفيد وطابا جمدت سياسة الولايات المتحدة الخارجية على محاولة اعادة هذه الاقتراحات برغم أنها فشلت في الماضي ولم توزن قط بدائل عنها.

في 2010 كتب بيل كلينتون في صحيفة "نيويورك تايمز" انه بسبب التاريخ الدبلوماسي ومبادرة اولمرت "يعرف الجميع كيف سيبدو الاتفاق الدائم". برغم سمعة اولمرت الاشكالية يعزز ظهوره الاخير الانطباع المخطيء الذي يقول ان الاتفاق على التسوية الدائمة الشاملة تم في الماضي ويجب الآن فقط احياؤه وذلك بدل البحث عن بديل أكثر أمنا لاحراز سلام في الشرق الاوسط.