خبر الإرهاب وأوجاع الناس.. علي عقلة عرسان

الساعة 11:53 ص|11 مايو 2012

عندما تتوقف عند عتبة الدم البشري البريء الذي يراق بوحشية من دون ذنب أو سبب معقول مقبول، يتوقف فيك شيء عن الفهم والإدراك والحكم، وربما عن الحياة، وتصبح أمام الإرهاب الأعمى والجريمة المنظمة والتطرف الذي يشل المنطقي من التصرف والأخلاقي من الأفعال.. وتحار هل أنت أمام فعل صادر عن سويٍّ ذي عقل وضمير من نوع ما أم أمام مجنون مختل من نوع ما أيضاً.؟ لكن في الحالات التي يكون فيها الفعل الإرهابي صادراً عن تخطيط وتنفيذ تشارك فيهما مؤسسات ودول ومجموعات وأشخاص لتحقيق أغرض حضيضية، فإنك لا تقف عند حدود الجريمة المنظمة فقط بل أمام فعل يفوق ذلك في الخروج على القوانين والقيم وتعاليم الأديان وما تآلفت عليه المجتمعات وارتقت إليه الثقافات.

الجريمة الأخيرة التي وقعت في دمشق حوالي الساعة الثامنة من صباح الخميس 10 نيسان 2012 عند مفرق القزاز، وراح ضحيتها ستون شهيداً حتى الآن وثلاثمئة وثلاثة وسبعون جريحاً، وخمسة عشر شلواً من أشلاء جثث غير محددة أو مكتملة، هذا عدا عن الدمار والخسائر المادية وما لحق بالأنفس والأرواح من معاناة سيبقى لها أثر الصدمة والمرض إلى وقت غير معروف.. تلك الجريمة التي سبقتها جرائم من نوعها ليست في حجمها وستعقبها جرائم ربما فاقتها حجماً ونوعاً تطرح هي وما خلفته الأزمة السورية حتى الآن من ضحايا وخسائر وما أسست له من صراعات وحفائر في النفوس، تطرح أسئلة الإنساني والعقلاني والوطني والأخلاقي من جهة، وأسئلة الأزمة من وجوهها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، وتضع أمام الإنسان.. أياً كان وفي أي مكان من عالمنا أفعالاً وأقوالاً وممارسات ومخططات وبرامج تنفذ لتحقيق أغراض وسياسات " حضيضيَّة" بكل المعاني، بعيداً عن أدنى مستويات الديني والاجتماعي والأخلاقي والإنساني، وتضع المسؤولين عن مستويات من التفكير والتدبير والتعبير أمام مسؤولياتهم.

لا أريد أن أروي شيئاً عن مشاهد وقصص حدثت من جراء التفجيرين تقشعر لها الأبدان، ولا أن أذكر شيئاً صغيراً ذا دلالات كبيرة يخص هذا الطفل أو هذا الطالب أو هذه الأم أو هذا الأب.. إلخ من أفراد مجتمع يسعى أفراده مع شروق الشمس إلى أعمالهم وأرزاقهم فيلقون الموت والجراح التي لاتندمل في أثناء الحياة.. فذاك مما لا تخطئه فطرة سليمة لمن يريد أن يحفظ فطرته سليمة.. إنما أريد أن ألامس قطاعاً آخر من الأوجاع والمعطيات والوقائع والتفاعلات ذات النتائج والمدلولات.. الناتجة عن التصدي للأزمة بهذا النوع من " الحلول التفجيرية الإجرامية أو الأمنية التي يمليها رد العفل"، ورفض المبادرات التي تنطوي على حلول سياسية بإشراف دولي.

ـ هناك من يريد لمهمة كوفي عنان أن تفشل، ويعمل على ذلك منذ اليوم الأول لانطلاقها، كما عمل على إفشال مهمة المشير مصطفى الدابي من قبل ومنذ اليوم الأول، أو حتى قبل اليوم الأول لمباشرتها عملها.. ويريد تدخلاً عسكرياً دولياً من حلف الناتو، بغطاء من مجلس الأمن على الفصل السابع أو من دون ذلك الغطاء.. وذرائعه كثيرة، ولكن حصاد ذلك البيدر الذي يقيمه على الطراز الليبي سيكون تدمير الجيش العربي السورى، والبنى التحتية للبلد والمؤسسات والدولة، وإدخال البلاد في أتون حرب أهلية والمنطقة في فتنة طائفية، وتقسيم سورية ووضعها تحت حماية الاستعمار الجديد من خلال مشروع مارشال جديد أو باستعمار مباشر ذي واجهات "قرضاوية" المواصفات.. وهذا الفريق يصرخ بهذا الطلب ليلاً ونهاراً ولا يرى سبيلاً للخروجن الأزمة إلا به، ولا تعنيه أية حسابات أخرى يدفع ثمنها الناس والوطن والأمة، ومنها عمليات إرهابية بهذا الحجم أو ذاك.؟!!

ـ وهناك فريق  يريد من النظام أن يرحل بأي شكل من الأشكال، وأن يحدد مفاوضات لانتقال السلطة فقط، ولا يقبل منه كلاماً غير ذلك.. وقد يرى في عمليات التفجيرات الإرهابية عقاباً لغيره لا تعكر صفاء داخله.

وهناك فريق يقبل بحوار يعطيه ما يريد وليس بحوار يفضي بالمنطق إلى حلول تفرضها مصلحة البلاد والعباد.. وقد يرفض التفجير الإرهابي الأعمى ويرى في النظام مسبباً على نحو ما لأنه لم يرحل.. والنظام لا يريد أن يرحل ويرحب بحوار غير مشروط للوصول بالأزمة إلى حل وباللاد إلى أمل، ورده ينحصر بالإقبال على حوار يفضي إلى حلول مقبولة من الأطراف كلها.. وتبقى الثقة مفقودة بين هذه الأطراف. المعارضة الداخلية في توجّس والخارجية في حرب على النظام، والنظام يتشبث بشرعية دستورية تخوله حفظ النظام والأمن ووحدة الأرض والشعب، وهو يعمد إلى الإصلاح ويقبل بالحوار ولا يتنازل عن وجوده، ويقابل العين بالعين والسن بالسن.. ويرى في العمليات الإرهابية إجراماً تشارك فيه جهات خارجية.

ـ وهناك الصامتون الصامتون، وما أدراك ما "الصامتون"، إنهم الغائبون الحاضرون المغيبون، الأحياء الميتون، الذي تنخرهم المعاناة ولا يقبلون حلول سياسيين ولا سياسيين بعينهم، ولا سياسات لا تجعل من مصلحة البلد والناس المصلحة العليا والحكم الأول، ولا تحكم الحكمة في كل قول وكل فعل وسلوك، ولكنهم لا يملكون إلا أن يدفعوا الثمن لأنهم ليسو منظمين ولا متكتلين ولا طامعين بشيئ ولا راغبين في غير الخلاص مما هم فيه من معاناة طالت واستطالت.. وهم يتخملون الأعباء ويدفعون التكاليف الدامية.

ولكن كل هذا التشكيل من الفئات والقوى والتيارات المتصارعة تعبث به على نحو ما دول وقوى خارجية ذات مآرب وخطط وبرامج واستراتيجيات، وتجد في البلاد مخالب وعقارب، كما تجد في الفضاء السياسي الواسع قوى الإرهاب التي ترتكب جرائم موصوفة كتلك التي تمت يوم الخميس الماضي في دمشق، وتلحق بالناس والنظام خسائر وتبقى خارج حدود العقاب، لأن من يخطط لها ومن ينفذ بإمرتها برَع في أذاء تلك المهام، واتخذ لنفسه حمايات فأصبح فوق القانون أو محمياً بقوى تضعه فوق القانون والمساءلة عند اللزوم.

نحن في سورية أصبحنا أسرى هذا النوع من الأفعال الإجرامية التي تدخل في باب " الصراع على سورية" وليس في باب الصراع من أجل سورية أو الصراع على على السلطة والحكم فيها، على الرغم من وجود هذا النوع من الصراع.. والنظام دخل بعد قبوله مهمة كوفي عنان في حكم قاعدة جديدة: إذا لاحق القوة المسلحة بقوة السلاح وصف بأنه يخرق مهمة عنان ونقاطها الست ولا يريد للمهمة أن تنجح ولا يلتزم شروطها، وإذا سكت والتزم حدود القرار وحرفية الاتفاق قُتل وقَتل الناس من حوله وبسببه، وظهر على أنه عاجز لا يستطيع أن يفعل شيئاً، وأن الأمور أفلتت من يده فضلاً عن البلاد أو أجزاء منها أصبحت خارج السيطرة كما يذاع؟!.

الإرهاب بالمعنى الدقيق والشامل في هذه الأزمة لا يعامل من قبل ما يسمى " المجتمع الدولي، أي الولايات المتحدة الأميركية ومن لف لفها" على أنه إرهاب، والذين يقومون به يموَّلون ويدربون وتغطى أعمالهم سياسياً وأمنياً، ويصبحون في عداد الأبطال المحرِّرين، وينسى الأبرياء الذين قضوا على أيديهم وتنسى أوجاعهم ومآسيهم.. النظام.. أي نظام لا يتعرض للأخطار التي يتعرض لها المواطنون الأبرياء على يد المجموعات الإرهابية ونتيجة للتفجيرات التي تقوم بها، "بلاك ووتر" في العراق لم تلحق بها خسائر تذكر بينما دفع الشعب العراقي العريق ضحايا بالآلاف وخسائر بالمليارات.. وقس على هذا ما حصل في بلدان وأخرى ومع شعوب. لم أشر فيما ذهبت إليه من كلام سابق إلى الوجع البشري الذي أحسست به وأحس به كل مصاب من جراء هذه العلميات الإجرامية الموصوفة التي حدثت في أحياء من دمشق وحلب وإدلب وحماة وحمص ودرعا.. إلخ.. من المؤكد أن دم الناس ليس رخيصاً، وعندما تشاهد أجسادهم المتفحمة تنساب عليها سحائب من دموع تفيض بها قلوب وعيون مجرَّحة تشعر بأن الإنسان البريء هو الذي يدفع الثمن في كل الحالات وأن المجرم يفلت من العقاب في معظم الحالات، وأن كل طرف من أطراف الصراع سواء أكان دامياً أم غير دامٍ، يخوضه الساسة من حولك بك، "ويدعون أنه باسمك ومن أجلك"، ولكنهم يلوكون لحمك ويلغون في دمك ويبيعونك ويشتريون بك ولا يسألون عن وجعك.

لا يوجد وطنية من هذا االنوع أو في هذا النوع من الفعل.. ولا يوجد إنسانية من هذا النوع أو فيه.. ولا توجد أخلاق من هذا النوع أو فيه.. ولا توجد ثقافات راقية من هذا النوع أو خلفه.. توجد فقط بهيمية سياسية وإعلامية.. وتوجد منظمات إرهابية وإرهابيون، ويوجد قراصنة وتجار دم بشري، ويوجد مقامرون ومغامرون في شارع السياسة والإعلام ترفعهم جرائمهم ونقائصهم، يبيعون الإنسان ويشترون بثمنه مساحيق من كل نوع، وهم يتجملون بها هذه الأيام لحضور حفلات زواج المثليّين الذين أصبح أو سيصبح زواجهم قانونياً في الولايات المتحدة الأميركية باسم قانون أوباما الذي يجيره لكسب أصوات الناخبين في السباق إلى البيت الأبيض؟!

آه كم هو الإنسان رخيص في سوق السياسة.. وكم هي القيم والأخلاق أرخص في كثير من أسواق الناس، وكم هي الروح قيمة هامشية في حياة دول وأحزاب وجماعات وشخصيات وشعوب في هذه الأيام..أيام الزمن الرديئ.

 

دمشق في 11/5/2012

                                                                                                   علي عقلة عرسان