خبر النهضة اليهودية- اسرائيل اليوم

الساعة 09:29 ص|04 مايو 2012

ترجمة خاصة

النهضة اليهودية- اسرائيل اليوم

بقلم: يوسي بيلين

(المضمون: لم يكن اليهود جميعا في فلسطين قبل نشوء دولة اسرائيل موافقين على نشوء دولة يهودية مستقلة ومع ذلك تغلب رأي الأكثرية الصهيونية التي كانت تعتقد انه يجب انشاء دولة مستقلة مفصولة - المصدر).

قبل سبعين سنة عقد مؤتمر بلتمور في نيويورك الذي أنهى مباحثاته بسلسلة قرارات مهمة. بيد ان ذلك المؤتمر انعقد في عالم مختلف لم تكن فيه صورة الوضع الحقيقي ليهود اوروبا ظاهرة للمجتمعين، وقد أُجريت نقاشاته وكأن الحديث عن ازمة يهودية اخرى سيُحتاج الى علاجها فورا مع انتهاء الحرب.

لم يكن مؤتمر بلتمور مؤتمرا صهيونيا عاديا لأن يهود اوروبا لم يستطيعوا المشاركة فيه، وكانوا هم العامل المركزي في كل مؤتمر. وكان المبادر الرئيس هو رئيس ادارة الوكالة الصهيونية آنذاك دافيد بن غوريون ومعه رئيس الهستدروت الصهيونية البروفيسور حاييم وايزمن. وكانت الروح الحية من الطرف الامريكي (لم تُعقد قط مؤتمرات صهيونية في امريكا) هو رئيس منظمة صهاينة امريكا الحاخام الاصلاحي آبا هيلل سلفر الذي أصبح شخصية مركزية جدا في الخطاب الصهيوني في الاربعينيات من القرن الماضي. أنا أحاول ان أتفهم شعور هؤلاء الناس في الاسبوع الثاني من أيار 1942. وأحاول ان أفصل نفسي عما نعلمه جميعا عن تلك الايام في اوروبا وان أدخل الى تفكيرهم على خلفية ما علموه آنذاك. وأحاول معرفة ذلك من الكلام الذي قيل في المؤتمر ومن قراراته.

يُخيل إلي أنني لن أُخطيء الحقيقة اذا قلت انهم رأوا أنفسهم في 1917: فالحرب العالمية الاولى كانت قد أخذت تنتهي، وكان واضحا من هو المهزوم وكان الاستيطان اليهودي يؤيد الجهة المنتصرة ويريد ان يبلغ عن الانجاز السياسي الذي يستطيع انجازه أقصاه، نتاج تأييده للبريطانيين. وقد علموا ان شيئا سيئا يحدث لليهود في اوروبا. وعلموا بالضبط ما حدث لمئات اللاجئين الذين حاولوا الهرب في السفينة "ستروما" قبل ذلك بأشهر قليلة والذين أغرقتهم غواصة سوفييتية. لكنهم لم يعلموا بمؤتمر فانزا الذي عقد قبل ذلك بزمن قصير وبأبعاد ابادة اليهود.

كان تقديرهم انه سيكون بعد الحرب كثير من اللاجئين اليهود في اوروبا وستكون حاجة الى استيعابهم في ارض اسرائيل في أسرع وقت ممكن. وكان نضالهم كله لضمان اليوم الذي يتلو الحرب وكانوا مستعدين لدفع ثمن باهظ من المناطق من وجهة نظرهم كي يضمنوا ألا يضل اللاجئون اليهود الكثيرون المتوقعون في كل موانيء العالم.

قال بن غوريون اثناء المؤتمر انه يخشى وضعا يُقتل فيه نحو من ربع يهود اوروبا، ولم يكن أكثر تشاؤما منه سوى ناحوم غولدمان الذي قال انه يخشى من عدد أكبر كثيرا. لكن المتشائمين ايضا لم يستطيعوا التنبؤ. علموا ان الحرب لم تنته بعد. وكان الجيش النازي ينوي الاستيلاء على شمال افريقيا والانطلاق الى الأمام نحو ارض اسرائيل، لكن الشعور بالنهاية كان في الجو والاستعداد للصباح الذي يتلو انتصار قوى النور كان حيويا في نظر بن غوريون.

اعتمدوا على الولايات المتحدة التي كانت آنذاك تخطو خطواتها الاولى باعتبارها من القوى العظمى. وخيب البريطانيون آمالهم وأمل وايزمن ايضا الذي كان المدافع الأبدي عنهم إثر "الكتاب الابيض" في 1939 و"قانون الاراضي" في 1940 اللذين جعلا الهجرة الى ارض اسرائيل غير ممكنة تقريبا وكذلك شراء اليهود للاراضي في البلاد.

وقد شعروا بالخيانة والغضب وصعب عليهم جدا ان يؤيدوا بريطانيا في حربها ضد هتلر، وان يكافحوا من جهة اخرى الاحكام التي فرضتها على الاستيطان اليهودي في البلاد. ولم يكن القول الشهير والحكيم لبن غوريون في الحاجة الى مكافحة البريطانيين وكأنه لا توجد حرب والقتال مع البريطانيين ضد المانيا وكأنه لا يوجد "كتاب ابيض"، لم يكن سهل التحقيق كثيرا. وقد اجتهد بن غوريون ووايزمن أن يُذكرا بلا انقطاع بأنه ستكون هناك حاجة مع انتهاء الحرب الى انشاء نظام حكم آخر في البلاد يُمكّن من هجرة جموع اليهود واستيطانهم في البلاد.

ان حقيقة انه اتُخذت في مؤتمر بلتمور قرارات أوضح من القرارات التي اتخذت خلال ثلاثينيات القرن الماضي نبعت من اليأس من بريطانيا وتأميل امريكا والضغط لاستيعاب ملايين اللاجئين من اوروبا الذين كان يبدو انهم سيقرعون أبواب البلاد المغلقة. وكان الأمل ان يكون تأييد الاستيطان اليهودي للحلفاء فاتحا لمطالبه وبخاصة ما يتعلق بانشاء دولة يهودية. كانت أهم مادة اتخذت في المؤتمر هي المادة السادسة التي تقول ان "المؤتمر يدعو الى تحقيق النية الأصلية لتصريح بلفور والانتداب الذي كان يرمي عن اعتراف بصلة الشعب اليهودي التاريخي بارض اسرائيل الى منحنا فرصة لانشاء مجتمع يهودي هناك". وكان مصطلح "مجتمع" بديلا عن مصطلح "دولة"، لكن هذا كان مبالغا فيه كثيرا ايضا بالنسبة لوايزمن. وتناولت قرارات اخرى طلب الهجرة الحرة الى البلاد وان يتم تدبير الهجرة والاستيطان على يد الوكالة اليهودية لارض اسرائيل والتعاون مع الدول العربية المجاورة.

استُقبل بن غوريون في البلاد بانتقاد لا يستهان به. وكان ذلك هو نفس الائتلاف الذي عارض استنتاجات لجنة بيل في 1937 وخطة التقسيم التي صدرت عن الامم المتحدة في 1947. وكان اليمينيون والصهاينة المتدينون هم الذين فهموا ان من يطلب دولة الآن يتحدث ايضا عن تقسيم ارض اسرائيل الغربية وعورض ذلك معارضة شديدة.

وكانت في داخل مباي الكتلة "ب" التي عارض اعضاؤها تقسيم البلاد ورأوا ان أمر الدولة كله اشكالي لأنهم لم يتحمسوا للاطار السيادي؛ وكان ناس "هشومير هتسعير" عن يسار مباي هم الذين فضلوا الدولة ثنائية القومية على تقسيم البلاد الى دولة فلسطينية ودولة يهودية. وبعد أكثر من سنة فقط حينما لم يعد الوضع في اوروبا بمنزلة علامة سؤال قبلت لجنة العمل استنتاجات مؤتمر بلتمور.

كان هنا تناقض تاريخي. فقد قصد مؤتمر بلتمور الى شيء مختلف تماما. فقد أراد الاستعداد لليوم الذي يلي الحرب والذي كان يفترض فيه ان يعتني الشعب اليهودي بملايين اللاجئين من اوروبا. واستقر رأيه على ألا يتم العلاج في اطار الانتداب البريطاني الذي أصبح معاديا لأفكار بلفور، وعلى ان الاستقلال اليهودي وحده واستيعاب المهاجرين بلا قيود سيُمكّنان من علاج مناسب.

ان الواقع الفظيع ألزم القيادة اليهودية بخطة بلتمور من غير لاجئين يهود من اوروبا تقريبا. وبعد ذلك بسنين قليلة كان يجب على بن غوريون ورفاقه ان يبحثوا عن يهود في اماكن اخرى في العالم للاتيان بهم الى البلاد في اطار عمليات قومية. لكن الاطار الذي تم انشاؤه قبل سبعين سنة قبل نشوء الدولة أثبت نفسه بأنه الخيار الوحيد لوجود يهودي في ارض اسرائيل.

وقد اخطأ معارضوه من اولئك الذين كانوا ينتظرون أكثرية يهودية في ارض اسرائيل الغربية، ومن اولئك الذين كانوا مستعدين للتخلي عن الدولة بصفة مؤسسة أو عن الدولة اليهودية المنفردة، أخطأوا خطأ تاريخيا شديدا. ويشكر أكثرهم من اعتادوا شكره لأن الأكثرية الصهيونية تغلبت على رأي الأقلية منهم.