خبر بقلم د. ايوب عثمان .. "في جامعة الأزهر، أزمة بين كل أزمة وأزمة!

الساعة 06:11 ص|03 مايو 2012

غزة

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

-----------------

أنت إن قلتها مت

وأنت إن لم تقلها مت

إذن، قلها ومت.

(معين بسيسو)

ظللت دوماً أقولها، ومؤمناً بمن أرادها ومن خلق آلتها فأنطقنا إياها، وهو القائل في محكم التنزيل: "ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين". إنها الكلمة. ولأنني آمنت بها وأصررت على قولها فقلتها، حار أعداؤها فعمدوا قبل ستة أعوام بمحاولة قتلي في ليل وبكاتم صوت، غير أن الله سبحانه وتعالى خيب رميتهم فحماني وصان حياتي، وإن كانت الإطلاقة إطلاقة إسكات جعلتني قعيد الفراش ستة أشهر لإصابتها ساقي بدلاً من قلبي أو لساني. كان ذلك قبل ستة أعوام ظللت من بعدها كما من قبلها أنا أنا، وها أنذا اليوم أقولها، حتى وإن مت بعدها!

أزمة جامعة الأزهر أزمة ممتدة، على نحو غير عادي، ولا يتحمل عبء مسؤوليتها واحد أو طرف بعينه أو جهة بعينها. إنها أزمة بين كل أزمة وأزمة، والتاريخ على ذلك شاهد، غير أننا إن فتحنا صفحات الأزمة الحالية التي نتجرع في كل لحظة مرارتها، فإننا – وإيماناً بأن عين الشمس لا يغطيها غربال، وأن الراحة في الصراحة، راجين أن تتسع لقولنا القلوب والضمائر والعقول – نورد الحقائق الآتية:

-      عند الثانية عشرة إلا ربعاً من ليل الاثنين 23/4، توجه النقابة للعاملين رسالة نصية قصيرة تطلب فيها تعليق العمل صباح غد الثلاثاء 24/4.

-   صباح الثلاثاء 24/4، تصدر النقابة بياناً تعلن فيه الإضراب ليومي الأربعاء 25/4 والخميس 26/4

-  مساء الأربعاء 25/4، تصدر النقابة بياناً تعلن فيه عن تعليق الإضراب ليوم الخميس مسببة ذلك بأنه استجابة لطلب الإخوة في الهيئة القيادية العليا لحركة فتح، وعلى رأسها الأخ يزيد الحويحي، مؤكدة أنها ستستأنف فعالياتها النقابية بعد أسبوع في حالة عدم التوصل إلى حلول

-      الخميس 26/4 (أي بعد أن أعلنت النقابة عن تعليق الإضراب بناء على طلب الهيئة القيادية العليا لحركة فتح) يصدر رئيس الجامعة كتاباً يقضي بتجميد عمل نقابة العاملين وإحالة جميع أعضائها للتحقيق، بناء على قرار من مجلس الأمناء (طبقاً للنقابة)

-      الجمعة 27/4، تصدر النقابة بياناً توضيحياً تؤكد فيه على شرعيتها وانعدام القانونية في قرار تجميدها والتحقيق مع أعضائها، مع تأكيدها على استمرارها في حمل الأمانة والمسؤولية.

-      السبت 28/4، تصدر النقابة مرة أخرى بياناً تؤكد فيه على شرعية وجودها وعدم قانونية تجميد عملها وإغلاق موقعها وبريدها الإلكترونيين وإحالة أعضائها للتحقيق والخصم من رواتب العاملين ووقف رئيس النقابة ومنسق العلاقات العامة للنقابة عن العمل ووقف راتبيهما وإحالتهما إلى التحقيق.

-      الأحد 29/4، يوجه رئيس الجامعة كلمة للعاملين مفادها أن إقدام النقابة على الإضراب يومي الثلاثاء والأربعاء 24 و25/4 لم يكن مبرراً، وأن عدم احتكامها للأنظمة والقوانين يتحول إلى فوضى ويعد استقواء لا أخلاقيا لابد من لجمه.

-      الأحد 29/4، توجه النقابة إلى مجلس الأمناء ورئيس الجامعة كتاباً يتضمن مذكرة قانونية تقضي بانعدام القانونية في كل ما صدر عن مجلس الأمناء ورئيس الجامعة بتجميد أعمال النقابة وإحالة كل أو بعض أعضائها إلى التحقيق والخصم من رواتب العاملين.

-      الأحد 29/4، يوجه مجلس اتحاد النقابات إلى رئيس الجامعة كتاباً يستنكر فيه الإجراءات الصادرة ضد النقابة والعاملين ويدعو كلاً من إدارة الجامعة والنقابة إلى الحوار والتفاهم.

-      الأحد 29/4، يصدر مجلس اتحاد النقابات بياناً مطولاً مفاده وقوفه إلى جانب النقابة، داعياً إدارة الجامعة إلى وقف إجراءاتها التعسفية ضد رئيس النقابة وأعضائها، مناشداً الرئيس محمود عباس إلى التدخل على اعتبار أن ما يجري اعتداء على حرية العمل النقابي.

-               الاثنين 30/4، يغلق رئيس الجامعة مقر النقابة بالجنازير! وهو ما لا أكاد أصدقه!

 وما يزال الحبل على الجرار... وماذا بعد؟! أين هي الجامعة في كل ما يجري؟! وهل هناك أحد ما يزال يشعر – والحالة كما نراها – أن الجامعة ما تزال جامعة؟! أما مسؤولية إذهاب ريح الجامعة، لاسيما من خلال الأزمة الحالية والتي أؤكد أنها لن تكون الأخيرة – فهي على النحو الآتي:

أولاً: حينما تسربت من مجلس الأمناء أو رئيس الجامعة إلى نقابة العاملين أخبار عن تشكيل مجلس جامعة جديد يضم بعض الأسماء الصادمة بالنسبة لها – وربما لكثير من العاملين – لم تطق صبراً، ولم تنتظر حتى يخرج التشكيل الجديد رسمياً على الملأ، وكأنها أرادت أن تجهض الحمل قبل الولادة، فتعجلت وأرسلت قبل الثانية عشرة بقليل من ليلة الاثنين 23/4 رسالة نصية تعلن بموجبها الإضراب ليوم غد الثلاثاء 24/4، دونما توضيح لأسباب الإضراب، وكأن العاملين ليسوا إلا ليساقوا، متناسين في غمرة القلق والتحدي والتوتر الذي يذهب العقل أن هؤلاء الذين أرادتهم أن يساقوا هم المانح وهم المانع في آن. وعليه، فما الذي كان يضير النقابة – إزاء تشكيل مجلس جامعة خَرِبٍ كهذا، وهو أمر جلل يتناقض تناقضاً حاداً مع دعاوى الإصلاح الذي يتشدق بها المتشدقون من أرباب الجامعة – أن تدعو إلى التئام الهيئة العمومية في جلسة طارئة تنعقد خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، لتأخذ الدعم والتأييد والقوة فيما يتم الاتفاق على سلوكه وعلى ضرورة بلوغه؟!

وكما تصرفت النقابة مع العاملين لبدء الإضراب صباح الثلاثاء 24/4، تصرفت على ذات النحو لانهائه، حيث وجهت للعاملين عند الحادية عشرة من ليلة الأربعاء 25/4 رسالة نصية قصيرة مفادها إلغاء فعالية يوم غد الخميس 26/4، مسببة ذلك بأنها استجابة للهيئة القيادية العليا لحركة فتح. إن في هذا التصرف الذي آتت عليه نقابة العاملين خطأين جسيمين:

الأول، أنها كررت فعلتها الأولى حين أعلنت عن استئناف الدوام دون إبلاغ العاملين عما فعلت وعما حققت وعما به وُعِدَتْ،

والثاني أنها أكدت للهيئة العمومية أنها (أي الهيئة العمومية) ليست صاحبة الولاية على النقابة، بل إن صاحب الولاية على الهيئة العمومية في نظر النقابة هي الهيئة القيادية العليا لحركة فتح. إن للهيئة القيادية العليا لحركة فتح، وعلى رأسها  الأخ يزيد الحويحي كل الاحترام، ولتحركها في سبيل الجامعة أسمى آيات الاعتبار والتقدير، ولكن: ما الذي كان يضير النقابة – قبل أن تعلن عن وقف الإضراب ليوم الخميس –  أن تدعو الهيئة العمومية للانعقاد  الطارئ يوم الخميس لإبلاغها بما جرى ونتائج جهود الوساطة ولإبلاغها أيضاً بما طلبته الهيئة القيادية العليا لحركة فتح من النقابة التي ينبغي لها – بعد الشرح والتوضيح المستفيض والاستماع لمختلف الآراء – أن تتوجه إلى الهيئة العمومية التي هي صاحبة الولاية عليها، مناشدة إياها الاستجابة لطلب الهيئة القيادية العليا لحركة فتح؟! ما الذي كان يمنع النقابة من فعل ذلك؟! أم هل أن النقابة نسيت أو تناست أن العاملين هم صاحب الولاية عليها وأنه لا سلطة ولا سلطان لأحد غيرهم عليها؟! أم أن هذا يقال فقط كدعاية انتخابية تذهب في مهب الريح فيما بعد؟!

ثانياً: قال المثل العامي: اللي بِكْبِّرْ حجره بصيبش، ومعناه إن حَملْت حجراً صغيراً فإنك سوف تقوى على رميه بقوة لتصيب الهدف، أما إن حَملْت صخرة فإنك لن تقوى على حملها، وإن حمَلْتها فلن تقوى على رميها، وإن رميتها ربما تسقط على قدميك فتهشمهما إن لم تسقط على رأسك أو كتفيك أو صدرك.

ومقصد القول هنا: إذا كان للنقابة حجية على مجلس الجامعة الجديد من خلال عدم رضاها عن عشرة من أعضائه على سبيل المثال، فإن من الرشد والحكمة أن تركز في حجيتها على واحد أو اثنين فقط، مبينة في حجيتها مخاطر استمرار وجود هذا الرئيس أو هذا العضو أو ذاك لأسباب موثقة لديها تقلع بها الأعين وتخرس الألسنة وتزكم الأنوف وتصم الآذان. إن هذا الذي يجب أن يكون لم تفعله النقابة، بل إنها بدأت بالاعتراض على واحد ثم على اثنين إلى ان وصل اعتراضها على خمسة، فبدأ الناس من أمناء وأساتذة وعاملين يتشككون. إن كانت لكم مآخذ على فلان، وإن كان لكم دفع ضده، فهاتوه موثقاً وأبرزوه واستميتوا حتى تموتوا لبلوغ هدفكم ضده، ولن يكون العاملون ساعتها إلا معكم وخلفكم وقبلكم، سدنة لكم وحماة لمقاصدكم وأهدافكم وغاياتكم.

ثالثاً: لأن الوضوح والمباشرة في الطرح أقصر الطرق لبلوغ الهدف والإقناع، فإنني أتساءل: لماذا لم تطالب النقابة تشكيل المجلس الجديد باتباع أسلوب أنيق وشفاف وجديد قوامه أمران: أما الأول فهو الابتعاد عن الدس والدسدسة والدسيسة والدوران واللفلفة التي قد تدعو مجلس الأمناء من خلال بعض أعضائه إلى استزلام البعض أو إيهام البعض بأنه هو من اختاره وأتى به وزكاه، وإيهام البعض الآخر بأنه هو الذي أبعد فلاناً وأتى بفلان الذي حينما طرحه هو لم يجرؤ أحد في المجلس على أن يعترض عليه؟!! وأما الأمر الثاني فهو اعتماد الدوريةRotation  في تقلد المناصب الإدارية سواء للأساتذة أم للمشاركين أم للمساعدين، فينتهي الوهم والإيهام والدس والتدليس والاستزلام والفساد والإفساد؟! لماذا لم تطرح النقابة هذا بقوة؟! والسؤال الذي يطرحه كثيرون بقوة – وأنا مثلهم – ماذا لو كان فلان أو فلان أو فلان ممن تريدهم النقابة في المجلس الجديد حتى في وجود من أشارت إلى بعضهم بالاسم على أنهم مفسدون أو فاسدون أو مخربون؟! هل كان المجلس ساعتها سيكون المجلس المطلوب الذي ينهض بالجامعة ويحلق بها في سماء التقدم والتطوير؟!

رابعاً: لأن الذي ينشيء شرعية هو وحده الذي ينزعها، ولأن شرعية النقابة قد أعلن عن نزعها من لا يملك الحق في ذلك، فماذا تنتظر النقابة وهي تطرح منشئ شرعيتها جانبا فلا ترد الأمر إليه وتلجأ إلى سواه؟! أتسعى النقابة إلى استبدال منشئ شرعيتها الأصيل بمنشئ آخر؟! إذن، فلتنعقد الهيئة العمومية اليوم قبل الغد ولنكن جاهزين لأحابيل جديدة خبرناها.

أما عن رئيس الجامعة بصفته مسؤولاً عن إدارة شؤونها، وعن مجلس الأمناء بصفته المسؤول عن الجامعة ورئيسها، فإننا نتساءل:

كيف يجرؤ كائناً من كان على إغلاق الموقع الالكتروني للنقابة؟! بل كيف يجرؤ المتجرئون على فعل كهذا في وقت تتصاعد فيه الإدانات تلو الإدانات في الضفة ليس على إغلاق المواقع الالكترونية فقط، بل على مجرد الرقابة عليها أيضاً؟! إذا كانت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتورة/ حنان عشراوي قد دانت رقابة السلطة في رام الله على العديد من المواقع الالكترونية التي تنتقد رئيس السلطة، فكيف بمن يجرؤون على إغلاق موقع نقابي للجامعة؟! ألم يطلع رئيس الجامعة ومجلس الأمناء بصفته مسؤولاً عن رئيس الجامعة على حملة الإدانات الواسعة لما عبرت عنه الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والممثلة حالياً في مجلس الأمناء من خلال عضو مكتبها السياسي الأخ صالح ناصر من قلق إزاء تنامي ظاهرة المساس بحرية التعبير التي تمثلت في اعتقال صحفيين ومدونيين على خلفية النشر وإبداء الرأي وكذلك تكرار ظاهرة إغلاق وحجب ومراقبة عدد من المواقع الالكترونية، طبقاً لعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية رمزي رباح الذي كان قبل أشهر ممثلاً عن جبهته، بصفتها فصيلاً مهما من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في مجلس الأمناء، داعياً إلى تشكيل أوسع ائتلاف سياسي مجتمعي مدني لحماية حرية الرأي والتعبير والحريات العامة.

     ليس هذا فقط هو تساؤلنا، بل أيضاً كيف يمكن لرئيس الجامعة أو مجلس أمنائها أو أيٍِّ كائنا ً من كان أن يبلغ من التجرؤ حداً يدفعه إلى تجميد نقابة ليس هو منشؤها، وليس هو صاحب الولاية عليها، فيما يعلم أو ينبغي له أن يعلم ألا ولاية ولا سلطة ولا سلطان على أي نقابة في الدنيا إلا إلى قاعدتها التي أنشأتها وفي موقعها النقابي بالقانون أجلستها، وهي الوحيدة القادرة على أن تمنح لها أو تمنع عنها، أن تثبت أركانها، أو أن تجتثها من جذورها؟!

أما آخر الكلام، فانطلاقاً من عشقي لهذه الجامعة وغيرتي عليها وخوفي على مستقبلها، فإنني أسدي لسدنتها وحكامها النصح الصادق بالاطلاع ليس فقط على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، أو القانون الدولي، أو الميثاق الأوروبي أو الأمريكي لحقوق الإنسان، وإنما أيضاً على القانون الأساسي الفلسطيني وقانون المطبوعات والنشر الفلسطيني، وثيقة الاستقلال الوطني الفلسطيني عام 1988، والتي تتناغم جميعها مع المقاصد الإلهية التي يجري الآن تجاهلها والتغافل عنها، على الرغم من مباشرتها ووضوحها، والتي عبر القرآن الكريم عنها في سورة الرحمن بقوله تعالى: "خلق الإنسان علمه البيان"، وفي سورة البلد بقوله تعالي: "ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين"؟!