خبر هكذا خذلنا أسرانا! ..حبيب أبو محفوظ

الساعة 04:37 م|01 مايو 2012

متأخراً يكتشف العدو الصهيوني أنه في مواجهة مباشرة مع الأسرى داخل معتقلاته الثلاثين، فهم أعلنوا الإضراب المفتوح عن الطعام، وهم مستمرون فيه حتى النهاية؛ هي نهاية لا يستطيع أحد رسم خطوطها العريضة أو الأخيرة، سوى الأسرى أنفسهم.

عبثاً يحاول السجان الصهيوني كسر إرادة المعتقلين، وكالملح في الماء،-مصدر رزقهم اليومي- تذوب كافة محاولات الترهيب والترغيب، أمام إرادة صلبةٍ لا تعرف التراجع أو حتى مجرد التفكير فيه، قدماً يمضي الرجال المعتقلون خلف الزنازين منذ سنوات وعقود طويلة في رحلة البحث عن الحرية .. هي اليوم فقط حبيسة القضبان، "وما النصر إلا صبر ساعة".

هي ساعة إذاً، وينبلج النور من رحم السجون المظلمة، لتشرق شمس الحرية ساطعة في سماء فلسطين، لا يشك أسرانا في ذلك قيد أنملة، فالأقدار يصنعها الله على عينه، لرجالٍ باعوا أنفسهم وحريتهم للواحد القهار، في "تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ".

يبدأ القائد عبد الله البرغوثي الإضراب عن الطعام، وبعد أيامٍ يلتحق به جموع الأسرى تترى، ووسط ذهول المحتل الصهيوني وأعوانه، تمضي الأيام مسرعة في حياة المضربين عن الطعام .. بطيئة على سجانيهم، فالأسر ليس أن تقيد بالأغلال والحديد، بقدر ما هو طريق شائكِ لا يستطيع احتمال السير فيه سوى الرجال الرجال.

مرةً تلو الأخرى، يؤكد البرغوثي أنه يحب الحياة، ولكن بكرامة، يقول لسجانيه أريد أن أبقى أسيرا نعم، ولكن وفق شروطي، وفي لحظة صفاءٍ مع النفس، يجد القائد الأردني أن الحياة أجمل، وأفق الحرية لديه أوسع، حين يُخضع سجانيه لأفكاره ومبادئه التي تسمو على الطعام والشراب، حتى لو كانت حاجة ضرورية لاستمراره على قيد الحياة، وفرق بين أن تأكل لكي تعيش، أو تعيش لكي تأكل.

في غفلةٍ من الزمان والمكان، تشتعل السجون فرحاً، فها هم المقيدون والمقبورون، والمقهورون، يصنعون تاريخاً جديداً مجيداً بمداد التضحيات والآهات، تاريخ لا كمثله أول، ولا تقوى على متابعة فصوله أقوى الكلمات والجُمل، هنا في فلسطين ينتصر من جديد الكف الحاني، على المخرز الدامي، "وفي ذلك فليتفكّر المتفكّرون".

بالمنظور السياسي، تتحمل مصر المسؤولية الأخلاقية عن استمرار العمل بقانون "شاليط" سيء الذكر، والذي تم اختراعه وإعادة انتاجه بصورة مقيتة بعد أسر الجندي جلعاد شاليط، خاصة أن أحد أهم بنود صفقة "وفاء الأحرار"، إلغاء القانون المشار إليه لحظة اتمام الصفقة، وهو ما لم يتم حتى الآن.

صباح مساء، نعلن أننا لا نقوى على احتمال بقاء 5.000 أسير فلسطيني وعربي في سجون القهر الصهيونية، هل مقدرتنا على الاحتمال ستنضج الآن وقد دخل هؤلاء الأحرار الكبار مرحلةٍ أشد قسوةٍ من ذي قبل، بل وتجربة لا يقوى الطلقاء على احتمالها، فضلاً عن أسرى معزولين في سجون مظلمةٍ لوحدهم يتخذون قرار حريتهم أو موتهم في ساعةٍ من الغفلةِ الإنسانية، أو إن شئت قل في لحظةٍ من التواطئ العربي، في ظلِ ربيعٍ يبدو أن أزهاره لا تنبت إلا في الحدائق الفارهةِ خلف جدارٍ سميكٍ يحجب ما بين الحياة والموت.