خبر قطع الغاز المصري وبداية التحول..عبدالزهرة الركابي

الساعة 08:00 ص|28 ابريل 2012

ألغت الحكومة المصرية أخيراً تعاقدها لتوريد الغاز إلى “شركة شرق المتوسط” التي تقوم بتصديره إلى “إسرائيل”، ويأتي القرار المصري على خلفية ضغوط شعبية وأخرى سياسية، بعدما تعهد أكثر من مرشح لانتخابات الرئاسة بوقف إمدادات الغاز المصري، أو بإعادة النظر في هذه الإمدادات، في حال فوزه بمنصب الرئيس .

كما أن سلسلة التفجيرات التي تعرض لها أنبوب الغاز في أعقاب الثورة المصرية، شكلت هي الأخرى عامل ضغط على الحكومة المصرية، حيث تسببت في تعطل الخدمة بشكل كبير خلال العام المنصرم، الأمر الذي جعل الدولة الصهيونية تنبه سكانها الى ضرورة توقع انقطاع الكهرباء خلال أشهر ذروة الاستهلاك في الصيف، وأنها تحتاج الى التعجيل بجهود السعي الى إيجاد خطوط إمداد بديلة .

 

إن قرار وقف تصدير الغاز يشكل ضربة موجعة ومزدوجة، اقتصادية وسياسية، لمسار العلاقات التطبيعية التي نشأت بين مصر و”إسرائيل” منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في العام 1979 .

 

يُذكر أن اتفاقية تصدير الغاز المصري ل “إسرائيل”، هي اتفاقية وقعتها الحكومة المصرية عام 2005 مع الدولة الصهيونية، تقضي بتصدير 7 .1 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي لمدة 20 عاماً، بثمن يتراوح بين 70 سنتاً و5 .1 دولار للمليون وحدة حرارية بينما يصل سعر التكلفة إلى 65 .2 دولار، كما حصلت شركة الغاز “الإسرائيلية” على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من عام 2005 إلى عام ،2008 وقد أثارت هذه الاتفاقية حملة احتجاجات كبيرة دفعت عدداً كبيراً من نواب مجلس الشعب المصري، إلى الاحتجاج وتقديم طلبات إحاطة .

 

ويمتد خط أنابيب الغاز بطول مئة كيلومتر من العريش في سيناء إلى نقطة على ساحل مدينة عسقلان جنوب سواحل فلسطين المحتلة على البحر المتوسط، وشركة غاز شرق المتوسط المسؤولة عن تنفيذ الاتفاق، هي عبارة عن شراكة بين كل من رجل الأعمال المصري سالم حسين، الذي يملك أغلب أسهم الشركة، ومجموعة ميرهاف “الإسرائيلية”، وشركة أمبال الأمريكية “الإسرائيلية”، وشركة “بي تي تي” التايلندية، ورجل الأعمال الأمريكي سام زيل .

 

وقد حكمت محكمة القضاء الإداري المصرية، بوقف قرار الحكومة بتصدير الغاز الطبيعي الى “إسرائيل”، إلا أن الحكومة المصرية قدمت طعناً لإلغاء الحكم للمحكمة الإدارية العليا التي قضت بإلغاء حكم المحكمة الإدارية .

 

لا شك في أن مثل هذا القرار بمفعوله المرحلي، يؤشر على تداعيات قادمة قد تصيب مجالات التعاون الاقتصادي بين مصر و”إسرائيل”، خصوصاً أن هناك عشرات المصانع “الإسرائيلية” التي تتواجد على الأراضي المصرية، ومن الطبيعي ان هذه التداعيات ستؤثر أيضاً في العلاقات السياسية التي لن تكون بمنأى عن هذه التداعيات التي ربما ستحدث شرخاً مبيناً باتفاقية كامب ديفيد، أو على الأقل ستجعل المصريين يعيدون النظر في جوانب هذه الاتفاقية .

 

من الواضح أن القرار المصري كان مزعجاً للحكومة “الإسرائيلية” كما هو مزعج للساسة “الإسرائيليين” عموماً، وذلك خشية من تداعيات هذا القرار مستقبلاً على العلاقات المصرية - “الإسرائيلية”، حيث أكد وزير البنى التحتية السابق النائب بنيامين بن اليعازر، أن القرار المصري لا يمكن أن يتخذ إلا من قبل الحكومة المصرية، ولا يمكن لشركة غاز أن تلغي اتفاقاً مع دولة حسب قوله، مضيفاً أن ما حصل يشكل مؤشراً على مواجهة محتملة مع مصر ما بعد مبارك . وفي هذا السياق وصف رئيس المعارضة “الإسرائيلية” النائب شاؤول موفاز إعلان مصر إلغاء الاتفاق بمد “إسرائيل” بالغاز الطبيعي بأزمة غير مسبوقة من حيث خطورتها في العلاقات “الإسرائيلية” المصرية، وقال إن الحديث يجري عن خرق مصري فظ لمعاهدة السلام “الإسرائيلية” - المصرية، الأمر الذي يستوجب رداً أمريكياً فورياً، وذلك بصفتها الراعية لاتفاقات كامب ديفيد .

 

الأوساط “الإسرائيلية” تسمي أو تصف مثل هذا القرار بالأزمة، بينما هو في حقيقته مؤشر على بداية تحول استراتيجي مؤثر في مسار العلاقات المصرية  “الإسرائيلية”، كونه يعطي مدلولات مفتوحة على أن هذا التحول في المستقبل سينعكس على مجمل الصراع العربي - “الإسرائيلي”، حيث إن هذا الصراع بجانبيه السياسي والعسكري مالت كفته لمصلحة الدولة الصهيونية، على أثر خروج مصر عملياً من دائرة هذا الصراع بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد، خصوصاً أن الصراع لن تستقيم موازينه بالنسبة للعرب من دون مصر .

 

وما يعزز هذا المؤشر، هو أن المعطيات السياسية في مصر بعد ثورة 25 يناير وما ستؤدي إليه من نظام سياسي جديد، ستختلف حتماً عن السابق، حتى أن الدولة الصهيونية أعتبرت القرار المصري، “لا يُبشر بالخير” حسبما جاء على لسان وزير خارجيتها أفغيدور ليبرمان، الأمر الذي جعل وزارة الخارجية المصرية تطلب من نظيرتها “الإسرائيلية” إيضاحات بشأن هذه التصريحات، في وقت متزامن مع تصريحات محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري التي قال فيها، إننا سنكسر يد من يحاول الاعتداء علينا، أو يحاول الاقتراب من حدودنا .