خبر معاريف ..فقدان السيطرة.. بقلم: عوفر شيلح

الساعة 12:25 م|20 ابريل 2012

قلة في اسرائيل يعرفون اسم ارنولد مارسيك مكيني – مولر، قلة أكثر يعرفون أننا نكن له الامتنان هذا الاسبوع. مكيني – مولر، صاحب شركة سفن كبيرة ورجل غني جدا في الدانمارك، مات يوم الاثنين الماضي شبعا من الحياة، المال والافعال، بعمر 98. منذ وفاته والصحافة الدانماركية تعنى بتوسع بسيرة حياته ومصير امبراطورية الناقلات البحرية التي خلفها. وتبقى لها فقط القليل من الوقت والمكان لمواطن دانماركي شاب واحد، التقى هذا الاسبوع عن كثب برشاش نائب قائد لواء الغور.

          هكذا هو الحال في عالم يقرر فيه الانتباه الاعلامي كل شيء. التوقيت الناجح نسبيا في الساحة الدولية، وبالتأكيد في بلاد الشاب المضروب تناول ليس فقط وفاة مكيني – مولر بل وايضا الوضع السياسي في الدانمارك نفسها: في الانتخابات التي عقدت هناك في تشرين اول الماضي صعد الى الحكم الحزب الاشتراكي – الديمقراطي، الذي يحمل مواقف انتقادية اكثر من المعارضة اليمينية تجاه اسرائيل. ولهذا فلم ينطلق انتقاد برلماني على الموقف المعتدل نسبيا الذي اتخذته الحكومة بعد نشر القضية.

          وبالاساس، اسرائيل الرسمية عملت بسرعة وبشكل ناجع. عندما توجهت وزارة الخارجية الدانماركية من خلال سفيرتها في اسرائيل، ليزلوتا بلاسنر، الى جهات عندنا وطلبت ايضاحات، كان نشر أمر تجميد آيزنر من قبل رئيس الاركان وقائد المنطقة الوسطى. في يوم الاربعاء نحي آيزنر عن منصبه. وخلافا لادعاءات محافل اليمين، لم يكن هذا من أجل ارضاء العالم (والاعلام الاسلامي، المذنب دوما في كل شر في نظر تلك المحافل)، بل لان تصوير الحالة كشفت عنفا وحشيا، عديم المبرر، غير جدير حسب أي معيار. ولكن السرعة التي عالجت فيها الموضوع المحافل العسكرية ساعدت في منع ضرر دولي أكبر. جملة واحدة من أقوال آيزنر نشرت هذا الاسبوع في القناة 10، التقطتها العين: "ما هو الاهم، الايفاء بالمهمة أم ان نُرى في صورة جيدة؟ أنا أدعي بان المهمة هامة بما يكفي أما هم فيدعون أن لا". لا يوجد ما نحاكم به آيزنر، الذي حاول أن يدافع عن نفسه في وجه هجوم واسع على قوله. ولكن من المهم تناوله، إذ أنه يدل على أن الكثيرين داخل الجيش وخارجه لا يزالون لا يفهمون، لا بالفعل ولا بالشرح اللاحق، ما هي بالضبط المهمة. وآيزنر ليس وحيدا. مسؤولون اكبر بكثير منه، من وزير الدفاع عبر رئيس الاركان السابق، الذين يخططون وينفذون وحتى من حقق في القضية ومعظم من وصفها في الاعلام الاسرائيلي، فشلوا في ذات الامر نفسه في قضية مرمرة.

          البرميل تعفن

          المهامة ليست منع اغلاق طريق الغور او وقف سفينة في الطريق الى غزة. المهامة هي منع الضرر لدولة اسرائيل، والاختبار هو متى يكون هذا الضرر اكبر: عندما يقتل الناس وتتلقى منظومة العلاقات مع حليف استراتيجي ضربة قاضية أم عندما تكون التعليمات العليا هي الا يقتل أي شخص؟ عندما يرى كل العالم ضابطا يضرب بسلاحه راكب دراجة، أم عندما يرى ان مظاهرة على طريق الغور تعطل بحكمة، بصبر، بخبرة شرطية وليس بعنف عسكري؟ فإذا كان الهدف هو منع الاغلاق او عبور السفينة، لكان ممكنا قتل الجميع، دون أي مشكلة عملياتية.

          سوء الفهم هذا يستمر عندنا على الرغم من أنه يدور منذ سنوات عديدة نقاش، هستيري بحد ذاته، عن نزع الشرعية. مصدره لا يعود الى نقص الفهم، بل في أنه رغم كل ما قيل في المناقشات، الاداء الاساس التي تواصل اسرائيل استخدامها في خطوط المواجهة هذه هي الجيش – والذي هو لغرض هذا الكفاح أداة فظة، عنيفة مثل كعب بندقية المقدم آيزنر. الجيش الاسرائيلي هو احتكار لاستخدام القوة، الضار بمصالح الدولة وبقدر أكبر بمصالح الجيش الاسرائيلي نفسه. وضباطه، الذين لهم قليل جدا من التأهيل الفني والعقلية لهذه المهامة، يقعون ضحية جبهة غير مناسبة يُدفعون الى مواجهتها.

          هذا ينبع ليس فقط من الوضع القانوني والعملي غير المحلول في المناطق، بل وايضا لاعتبارات مبيتة اكثر: ممارسو القوة قد يكونوا يتحدثون عن صراع دولي، ولكن عيونهم تتطع كل الوقت الى الداخل. وهم يعرفون بان العطف على ضابط عسكري والشرعية للعملية التي تضعه في الجبهة، أكبر بكثير من ذاك الذي يتلقاه رجل شرطة أو رجل حرس حدود. منذ 45 سنة والجيش يستخدم بتهكم كهذا، من العمل اليومي للاحتلال وحتى اخلاء مواطنين اسرائيليين في فك الارتباط. منذ 45 سنة وضباطه، بنبل "الجيش لا يختار مهامه" يلعبون ذات اللعبة: يتحدثون عن الاخلاق القتالية والاخفاقات القيمية بينما يدفعون بمرؤوسيهم كل يوم ويكلفوهم بأدوار وأماكن لا تكون فيها الاخلاق العسكرية قابلة للتطبيق والاخفاق هو أمر محتم. منذ 45 سنة ونحن نطرد في كل مرة الضحية الدورية، التفاحة التي سقطت بتعفنها امام عين الكاميرا، ونتظاهر بان البرميل نفسه لا يتعفن أمام ناظرينا.

          ماذا كانت المهامة؟

          كنت هذا الاسبوع في مدرسة الضباط، لشأن صحفي آخر. قضيت ساعات مشوقة مع قائدها، العقيد عيران نيف، ومع قادة الكتائب. كلهم ضباط من النوع الذي اذا ما قيض لهم ان يخرجوا الى المعركة، كنتم تودون ان تسيروا خلفهم.

          الحديث مع نيف عني بالطريقة التي تتصدى فيها المدرسة 1، المكان الوحيد في الجيش الاسرائيلي الذي يعنى صراحة بالتأهيل القيمي وليس فقط المهني، مع صورة الضابط. وقد فصل بطلاقة وثقة ثلاثة محاور – المهنية، القيمية والقيادة – والتي عليها يسير التعليم، والتغيير المركزي الذي طرأ عليها في العقود الاخيرة: الفهم بان الضابط هو ضابط هو ضابط، وله جملة جديرة من القيم المهنية والشخصية، كفؤ جسديا ويعرف ما يجدر به أن يفعله في كل وضع وفي كل حالة. ولولا حالة هذا الاسبوع لكان يجلس قريبا في المكتب المجاور، في منصب نائب قائد القاعدة، المقدم شالوم آيزنر. أنا واثق ان من اختاره للمنصب الهام اعتقد انه مناسب، بناء على ذات جملة القيم التي يحاول نيف وقادة كتائبه غرسها بتفانٍ في جيل الضباط التالي للجيش. هذا بالطبع لن يحصل، رغم أن آيزنر نحي فقط من منصبه الحالي وليس من الجيش بشكل عام.

          معاقبة آيزنر لازمة، ليس لان الكاميرات التقطته أو من أجل مصالحة الاغيار بل لان الجندي أو الضابط ببساطة لا يتصرف هكذا. ولكن الى أن يبدأ الفريق غانتس وقادته التفكير في الفجوة التي لا تنتهي بين ما يعلمونه في متسبيه رامون وما يحصل على طريق 90، الى أن يوضحوا لانفسهم ولكل من دونهم ما هي حقا المهامة (ولمن يحتاج أيضا كم ضررا تلحقه بالجنود الذين ينفذونها)، حتى ذلك الحين سنبقى معلقين برباطة جأش نائب قائد اللواء الدوري، بوجود الكاميرا الدورية، بسرعة رد الساحة الدبلوماسية وبوفاة، المؤسفة بحد ذاتها، لارنولد مارسيك مكيني – مولر.

----