خبر الانتخابات والحكومة والمصالحة.. د.ناجي شراب

الساعة 08:25 ص|20 ابريل 2012

يبدو أن العلاقة بين الانتخابات والحكومة أشبه بالعلاقة بين البيضة والدجاجة،البيضة أولاً أم الدجاجة؟ هذه العلاقة الجدلية السفسطائية العقيمة أدخلت المصالحة الفلسطينية في حالة من الدوران الدائري، لا نعرف بدايتها من نهايتها . وإذا كان الهدف من هذه العلاقة العقيمة هو عدم الوصول إلى المصالحة، لأن ذلك مرتبط بفك لغز البيضة والدجاجة، وهذا يتطلب حلاً دينياً إلهياً لا أحد يعرف متى يتم . ولذلك لا داعي للمصالحة حتى نصل إلى حل هذا اللغز . فالبيضة هي التي من تختلق الدجاجة عبرها، والبيضة هي من تأتي بالدجاجة، وكلاهما مرتبط بالقدرة الإلهية التي لن تصل إليها أي إرادة بشرية . فالحالة الفلسطينية لم تعد تحتمل المماطلة والدوران وخداع النفس . وبدلاً من الدوران الذي قد يصل بصاحبه إلى حالة من الغثيان والغيبوبة وفقدان القدرة على التفكير والحركة، أن نبحث عن حل يقوم على خيار الانقسام وليس خيار المصالحة . وذلك مع التسليم بعدم جدوى المصالحة في هذه المرحلة من حياة الفلسطينيين ومن حياة سياسييهم .

وإذا نظرنا إلى العلاقة بين هذه الأمور الثلاثة، سنجد أن المصالحة هي ناتج لتوافق سياسي وإجراء الانتخابات، أي أن المصالحة لا يمكن الوصول إليها من دون إجراء الانتخابات، وأما الحكومة فهي إجراء مؤقت ولفترة زمنية قصيرة، لأن هذه الحكومة ليست هي الحكومة الفلسطينية التي تهدف إليها المصالحة، ومن ثم قيمتها فقط تكمن بما تقوم به من وظائف محددة، ولفترة زمنية قصيرة يفترض ألا تتعدى ستة أشهر على أكثر تقدير . أما إذا نظرنا إلى الانتخابات فهي ليست مجرد إجراء مؤقت، بل هي ركيزة ومبدأ أساسي للمصالحة وعلى أساسه يتم إعادة بناء المنظومة السياسية الفلسطينية بكاملها على أسس من الشراكة والتوافق السياسي . فهدف الانتخابات ثابت لا يتغير بإجرائها لمرة واحدة، بل هي ثابت متجدد في المنظومة السياسية الفلسطينية، وهي الهدف والوسيلة الثابتة لقيام نظام ديمقراطي . ومن دونها تفقد كل المؤسسات السياسية الفلسطينية شرعيتها التمثيلية . وهي تجسيد لإرادة شعبية، فعبر الانتخابات يقوم الشعب، وخلال فترة زمنية متفق عليها بتجديد تفويضه السياسي لمن يراه الأقدر على تحقيق آماله وأهدافه الوطنية، وقادر على تلبية والاستجابة لمطالبه واحتياجاته المادية والرمزية .

 

وإذا تساءلنا لماذا الانتخابات الآن بمصالحة أو انقسام؟ والسؤال بصيغة أخرى هل تملك المؤسسات السياسية القائمة شرعية سياسية تؤهلها للاستمرار في أداء مهامها؟ بل والأهم من ذلك لا أحد يملك تفويضاً في تقرير مصير هذا الشعب . وبعبارة أخرى نحن في حاجة للانتخابات في هذه المرحلة المصيرية ليس من أجل إنهاء الانقسام فقط، بل لأن هناك قضية واحدة، وهناك احتلال “إسرائيلي” واحد لكل الأرض الفلسطينية، وهناك شعب واحد، ولا يجوز في غياب الانتخابات مثلاً القيام بعمليات التفاوض لأن فيها تقريراً لمصير شعب بأكمله . وكذلك لا يمكن إبقاء القضية الفلسطينية وخياراتها، حتى المقاومة وهي خيار شعبي، من دون المؤسسات الفلسطينية الشرعية . الانتخابات لها أكثر من وظيفة جوهرية:

 

أولاً: تجديد شرعية كل المؤسسات السياسية القائمة،لأن فترة التفويض السياسي التي منحتها لها الانتخابات السابقة قد انتهت، ومن ثم البديل لذلك هو شرعية الأمر الواقع المستند إلى القوة الأمنية والأذرع العسكرية للتنظيمات .

 

ثانياً: الحاجة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته على أسس من الشرعية السياسية، وهي التي تعني في أوسع معانيها القبول الشعبي بمن يحكم ويمارس السلطة .

 

ثالثاً: وحدانية القضية الفلسطينية تستوجب وحدانية السلطة السياسية . رابعاً: إنه في مرحلة التحول العربي والتحول نحو الإصلاح السياسي تصبح الانتخابات حتمية تفرضها هذه التحولات، ليس فقط على المستوى الإقليمي بل والدولي من منطلق أساسي وهو أن القضية الفلسطينية هي نتاج لتحولات إقليمية ودولية، وإذا لم ترقَ القضية الفلسطينية إلى مستوى أبعادها ومكوناتها الإقليمية والدولية ستبقى تدور في دائرة ضيقة من الانقسام الخطر، وهذا ما ينبغي التنويه به أنه سيلتهم القضية ذاتها، فالانقسام السياسي ثمنه القضية والشعب نفسه . ولا يقاس بوجود حكومة هنا أو هناك أو بإنجازات مادية، ولا بقدرة على دفع رواتب، ولكن المعيار الحقيقي هو الإنجاز السياسي المرتبط بقيام الدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال . ويكفي  أن نسأل هل الانقسام ينهي احتلالاً، أو يقيم دولة؟ وأخيراً فإن الانتخابات لها وظيفة مهمة ولها علاقة بالمستقبل السياسي الفلسطيني الذي نفتقده في ظل الانقسام، وهو أن الانتخابات لا تعني فقط التوافق السياسي، ووجود حكومة شرعية، بل يعني توافقاً سياسياً على الرؤية السياسية، وعلى برنامج العمل السياسي الذي من شأنه أن يوفر إطاراً للحركة السياسية لأي حكومة في المستقبل حتى لا يتكرر خيار الانقسام السياسي من جديد، من قناعة وخلاصة تاريخية أنه يكفي أن تقوم بانقلاب واحد حتى يقود إلى ثان وثالث . وهذه المرة قد لا يقتصر على فريق دون الآخر . لكل هذه الأسباب نرى أن الانتخابات هدف حتمي لا بد منه، وأن الشروع في إجراء الانتخابات تقتضيه المصلحة الوطنية الفلسطينية، لحماية القضية الفلسطينية والحفاظ على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني .

 

أكاديمي وكاتب عربي