خبر الحياة في مقابل -يديعوت

الساعة 08:34 ص|19 ابريل 2012

الحياة في مقابل -يديعوت

بقلم: يونتان يفين - باريس

في رحلة جوية الى هنا وقف رجل حريدي ليصلي مخفيا على علم شاشة التلفاز عن عيون عدد من الركاب. فاضطروا الى اختلاس النظر والقيام ومد الأعناق ولم يحتج أحد منهم. ان "إل عال" تُحابي زبائنها الحريديين أكثر من كل شركة اخرى وليس في هذا بأس. وتثور المشكلة حينما يستغل شخص ما هذا الأدب استغلالا سيئا ويجعل منه عرضا متحرشا كله "في مقابل".

يبدو معروفا أن نحيا دائما "في مقابل". وإننا نحن الاسرائيليين نعرف هذا جيدا من البيت. يبدو على نحو ما أنه لا يوجد أي عمل هنا طازج بل هو دائما نتيجة خطوة شخص ثان ما. ولا يُفصل أي قول عن اطار اختلاف في الرأي بل هو دائما رد على تصريح خصم سياسي أو زعيم اجنبي أو مستبد عدو أو مجرد واحد من العمل. ان حياتنا هي "حياة في مقابل": فدائما ننتظر شخصا ما كي نعمل ونصر مع ذلك على الاستمرار في اطلاق الردود الغريزية.

لسنا نحن الذين أوجدنا هذا النهج. ان شوارع عاصمة فرنسا مليئة بنوعين من الناس: السياح والعمال الاجانب. والفرنسيون من أبناء البلاد موجودون منذ زمن في المكاتب الخلفية وفي طبقات الادارة في المعامل، والمهاجرون هم الذين يبيعون وينظفون ويفتشون بطاقات السفر في القطارات الارضية وعددهم عظيم كبير. وكما هي الحال في المانيا تم استيعابهم هنا ايضا بلا اسئلة صعبة، ويبدو ان هذا كان عن رغبة وطنية غير معلومة في تنقية ماض مظلم في الوقت الذي أُقصي فيه هنا فرنسيون مخلصون بسبب دينهم اليهودي فقط. وهذه ايضا حياة "في مقابل".

تكمن وراء التهذيب الاوروبي المثقل اذا صدمة الماضي الشعورية، لكن بغير نجاح كبير. ويظهر عليهم أنهم مجروحون جرحا وطنيا وإن لم يكونوا عالمين بذلك ويخشون ظلهم الطويل والقديم وقوتهم المبرهن عليها على تدمير الذات وتدمير الغير. وهكذا يستوعبون الاجانب ويأسفون في صمت ويوجهون خيبة الأمل على "المذنبين الحقيقيين" وهم اليهود الذين لولا هم لما كانت محرقة، وهم الآن النسخة الاسرائيلية من المحتل القاسي. ومما يثير الاهتمام أن هذا الوعظ يأتي دائما من امبراطوريات قاسية كانت في الماضي.

إنك لتنظر الى كل انسان وكل مكان وترى أمامك آثار تلك الحرب، والحياة الطيبة الكتمية التي هي "المقابل" الأكبر. وكل انسان في الشارع وكل ولد في روضة اطفال وكل صفقة في مكتب وكل سيارة يابانية عابرة أثر من هذه الآثار، عمل "في مقابل". كانت المحرقة ضربة بلياردو قاتلة وما تزال الكُرات تدور على طاولة العالم وتضرب أطراف الطاولة وتبتعد عن الثقوب في الزاوية وتحدد ترتيب العمل الخاص والقومي.

يُطلب الينا مرة كل سنة ان نتذكر القتلى، لكننا نتذكرهم بأفعالنا كل يوم. فنحن نحيا في مقابلهم بلا انقطاع لا بمخاوفنا وعقدنا الوطنية التي لا تتركنا بل في الامور الصغيرة التي نفعلها من غير انتباه. فكل شيء نتيجة لما حدث هنا ايضا، في شوارع باريس الجميلة خارج نافذتي، قبل سبعين سنة. ويُطلب الينا في يوم المحرقة ان ننقلهم من وراء الوعي لدينا الى مقدمته، أي أن ننظر ايضا تحت محركنا وأن نتبين في الحقيقة كم نحن آليون يُتحكم فينا من بعيد من عصر آخر، وهذا أصعب من أن يحتمل حقا.