خبر محرقة مختلف فيها -هآرتس

الساعة 08:33 ص|19 ابريل 2012

محرقة مختلف فيها -هآرتس

بقلم: أري شبيط

        (المضمون: يجب على الشعب الاسرائيلي ألا ينسى كارثة المحرقة وألا يتنكر لها ايضا - المصدر).

        لم تكن المحرقة قط ذات موضوع كما هي الآن. حينما سيتخذ رئيس حكومة اسرائيل قرار حياته في الصيف فان ما سيقف نصب عينيه هو عدم قدرة بريطانيا وفرنسا على فهم هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي. والذي سيؤثر تأثيرا كبيرا في تدبيره هو حقيقة ان الولايات المتحدة لم تنقذ يهود هنغاريا من اوشفيتس في 1944.

        ان عدم قدرة الغرب على ان يُجند نفسه قبل الأوان لمواجهة الشر وعدم استعداد الغرب لانقاذ اليهود قبل فوات الأوان يصوغان اليوم ايضا تصور بنيامين نتنياهو للواقع، فهو بنظره الى الشرق يرى نازيين جددا وبنظره الى الغرب يرى تشمبرلين جديدا. ولا يهددوننا هذه المرة بغاز التسيكلون كما يعتقد رئيس الحكومة بل يهددوننا بتأليف قاتل بين تطرف مطلق وسلاح مطلق. وتحيا المحرقة وتُرزق في منزل رئيس الحكومة في القدس، فهي تملأ  قلب الرجل الذي يقود دولة اليهود في 2012 وتغمر نفسه.

        ولم تكن المحرقة قط مختلفا فيها كما هي الآن. كانت في الماضي صدوع لكنها أصبحت الآن كسورا. ففي حين يستولي اليمين على المحرقة بصورة تبسيطية وشوفينية أخذ اليسار يُنكر ان المحرقة هي تجربة شعورية قومية مؤسِسة وشرعية للشعب اليهودي. ان كثيرين من اليمين يرون كل منتقد لاسرائيل هملر المعاصر، أما كثيرون في اليسار فيحنون هاماتهم لغنتر غراس. ويُجند المعسكر الوطني المحرقة كي يمنح اسرائيل حصانة من كل انتقاد ويتجاهل المعسكر الراديكالي معاداة السامية ويرفض رفضا باتا كل قصة يكون اليهود فيها هم الضحايا.

        لم نعد نستطيع الاتفاق حتى على المحرقة، ولم نعد نستطيع أن نجرب حتى المحرقة تجريبا شعوريا مشتركا. ان اولئك الذين يرون اليسار مضطهدا لليهود واولئك الذين يرون المستوطنين يهودا نازيين يصعب عليهم ان يتحدوا معا على ذكرى أكبر كارثة أصابت شعبا ما في العصر الحديث.

 

        ان الفرق بين المحرقة ذات الصلة الكبيرة وبين المحرقة المختلف فيها بهذا القدر هو فرق خطير. والذكرى الصادمة في القدس تؤثر تأثيرا قويا لم يسبق له مثيل في صورة مواجهتنا للواقع الحالي؛ وفي تل ابيب تفقد الذكرى التاريخية نفسها قوتها القومية. فبدل ان تجمعنا المحرقة حول وعي مشترك وهاديء للكارثة التاريخية التي لم يكن لها مثيل أصبحت سببا للتشاجر. ونحن نتمزق بين اولئك الذين يرفعون اوشفيتس كي تكون اسرائيل ذات حق في كل حال وبين اولئك الذين ينكرون اوشفيتس كي تصبح اسرائيل مذنبة دائما. وقد فقدنا باعتبارنا أمة القدرة على ان نُجرب المحرقة حتى باعتبارها حادثة كونية ذات معنى انساني وحادثة خاصة ذات معنى يهودي واسرائيلي.

        ان الأمم السليمة تنقش في لوح ابيض كوارثها التاريخية. فالسياسة المالية الالمانية متأثرة الى اليوم بذكرى تضخم عشرينيات القرن الماضي. وما تزال السياسة الامريكية النقدية متأثرة حتى اليوم بذكرى الركود الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وما تزال الاستراتيجية العسكرية البريطانية متأثرة منذ تسعين سنة بذكرى الجيل الذي ذُبح في ميادين القتل في الحرب العالمية الاولى.

        لا تُشبه أي واحدة من هذه الكوارث التأسيسية كارثتنا التأسيسية. فنحن ضحايا اوروبا الذين لا شبيه بنا. ونحن الشعب الوحيد في العالم الذي فقد ثلث أبنائه وبناته في مذبحة شعب مخطط لها. وقد مات هتلر حقا كما كتب عاموس عوز قبل سنين. ولم يُسوغ هتلر ولا يُسوغ احتلال آخرين واضطهاد آخرين. لكن هتلر واحد من أكبر صاغة مصيرنا في الماضي والحاضر والمستقبل. وهتلر جزء فظيع من مورثاتنا الجينية وهويتنا.

        لهذا فمن حقنا باعتبارنا يهودا ألا ننسى وألا نُنسي. ومن واجبنا ألا نتحمس وألا نستغل. كانت المحرقة حادثة جنون قوية. والأمر الحقيقي المشتق من المحرقة هو الأمر بسلامة العقل، فيجب ألا نُستعبد للماضي وألا نتنكر له ايضا. ويجب أن ننظر الى الموت وأن نتذكر الموت وان نختار الحياة.