خبر الأسرى ينتفضون، فليتوحد الجميع لدعمهم../ علي جرادات

الساعة 08:39 ص|18 ابريل 2012

الأسرى الفلسطينيون ينتفضون من جديد، وبالعبث أشبه البحث عن سر عدم جماعية انفجار مرجلهم، حيث قرر نحو 1600 أسير/ة منهم البدء منذ اليوم 17 نيسان، (أمس)، بإضراب مفتوح عن الطعام، علماً أن آخر إضراب جماعي وشامل لهم كان في العام 2004، وقد تسبب عدم إحرازه للحد الأدنى من مطالبه، بفعل ما شاب إدارته من انقسام داخلي، في حصول نكسة في واقع الأسرى، استغلتها إدارات السجون، ونفخت فيها، بغرض إثبات عدم جدوى العودة مجدداً للإضراب الجماعي والشامل والمفتوح عن الطعام، لكن هذا لم يمنع الأسرى من خوض عدة إضرابات جزئية عن الطعام، أو من ممارسة أشكال نضالية أخرى، بل، ولم يمنع مجموعات أو أفراداً منهم من خوض عدة إضرابات مفتوحة عن الطعام، كان أبرزها الإضراب المفتوح عن الطعام الذي خاضه عشرات الأسرى لمدة 23 يوماً في نهاية أيلول عام 2011، تلاه الإضراب الأسطوري للأسير خضر عدنان لمدة 66 يوما، ثم إضراب الأسيرة هناء شلبي لمدة 45 يوما، فيما لا يزال عشرة أسرى يواصلون إضرابهم المفتوح عن الطعام، تجاوز إضراب اثنين منهم 50 يوماً.

 

أجل، حيث قرر عدد واسع من الأسرى تقدُّم الصفوف، وخوض معركة فاصلة مع السجان، دفاعاً عن كرامة الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة وحقوقها ومكتسباتها، يصبح من الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني، عدم إخضاع بطولتهم لحسابات الانقسام الضيقة، بل، رصّ الصفوف وتوحيدها لإسنادهم ودعمهم والتضامن معهم دون تأخير، وبكل الأشكال الممكنة، ذلك لأنه فقط بتوافر وحدة الشرط الوطني، (ولو ميدانياً)، لدعمهم، يمكن استجلاب الدعم العربي والدولي وتفعيله، بل، وبتوافره فقط، يمكن تشجيع بقية الأسرى على مشاركة زملائهم في خطوتهم، ولو بهذا الشكل التضامني أو ذاك، فإدارات السجون ستلعب على وتر أن الإضراب غير جماعي، بغرض ضربه. هذا فضلاً عن أن هذا الإضراب يأتي في ظل محطة قومية عربية عاصفة وحالة وطنية فلسطينية منقسمة، شجعت حكومة نتنياهو بفائض تطرفها وعنجهيتها وعنصريتها، وبما يعكس استباحتها لكل ما هو فلسطيني، ودون سابق إنذار، على اتخاذ قرار سياسي بتصعيد الهجوم على الأسرى إلى مستويات غير مسبوقة، موكلة تنفيذ هذا القرار لذراعها التنفيذية، "مديرية مصلحة السجون العامة".

 

ما انفك الأسرى يتعرضون إلى عملية تنكيل مبرمجة وإجراءات قمْعٍ شاملة، فمن تصعيد في ممارسة سياسة العزل والحبس الانفرادي، (بل سياسة الإعدام البطيء غير المعلن)، بحق قادة الأسرى ونشطائهم؛ إلى هجوم غير مسبوق على ما حققوه بنضالهم على مدار عقود من إنجازات، فوحدة التمثيل الاعتقالي الوطني باتت في خبر كان؛ وسوء الطعام المُقدَّم، (كماً ونوعاً)، جعل الأسرى بالعيش على حساب أهلهم أشبه؛ وعدد المحرومين من زيارة الأهل قارب عدد المسموح لهم بالزيارة في ظل شروط مذلة، حيث التفتيش المهين للأسير وزائريه الذين لا يرونه إلا من وراء حاجز بلاستيكي معتم، ولا يحادثونه إلا بواسطة هاتف مشَوَّش في أغلب الأحيان، ناهيك عن عدم السماح بالزيارة إلا لمن لا ماضي "أمنيا" له من أقرباء الدرجة الأولى، وفقط لمدة 45 دقيقة؛ والإهمال الطبي ضارب أطنابه وضحاياه في تزايد مطرد؛ ومنع إدخال الكتب والصحف والمجلات ووسائل التسلية إلى السجون فاق كل تصور؛ وسحْبُ انجاز إتمام التعليم الجامعي في الجامعة المفتوحة، (أحد انجازات إضراب عام 2004)، بات شاملاً؛ وتقليص حركة الأسرى داخل أقسام السجن وغرفه صار هو القاعدة؛ وحملات المداهمة الليلية لتخريب غرفهم ومقتنياتهم، وإذلالهم بالتفتيش العاري، باتت عادة يمارسها أفراد وحدات شُرَطِيَّة مختصة بالقمع مدججة بأدواته؛ والانقضاض على دور ممثليهم قزَّم صلاحياتهم وأفرغها من مضمونها، وجعلها إلى الشكلية أقرب؛ والتفنن في صنوف الاعتداء النفسي والجسدي عليهم أثناء نقلهم، (مقيدي الأيدي والأرجل)، إلى المحاكم والمستشفيات أو إلى سجون أخرى صار مهنة يمارسها ساديو جنود وحدات "حرس الحدود" وضباطها، فيما مطلب عدم تقييد أيديهم وأرجلهم أثناء توجههم إلى عيادة السجن وغرفة زيارة الأهل بات مهمة نضالية دونها خرط القتاد؛ وعقوبات الحرمان من زيارة الأهل ومن تلقي "الكنتين" وفرْض الغرامات المالية بات أمراً مفروغاً منه، لسبب وبلا سبب؛ والحرمان من الاستقرار بتكثيف عمليات النقل من سجن إلى آخر بات إجراء مألوفاً يتفنن فيه ضباط أمن السجون؛ ومواكبة كلاب الحراسة الشرسة للأسرى أثناء عمليات النقل والتنقل باتت أمراً مقضياً لا مجال للنقاش فيه؛ وإجراءات الحرمان من النزهة اليومية، (الفورة) وتقليص مدتها وتشديد شروطها في باحات السجن صارت إجراءً روتينياً؛ وعقوبة الحرمان من ممارسة الرياضة لمدة ساعة باتت إجراء عادياً يقرره صغار حراس السجن وفقاً لمزاجهم، وأوامر ضباط الأمن؛ ومنْعُ ممارسة شعائرهم الدينية في باحات السجن بات أمراً غير قابل للنقاش، أما إذا تم السماح بها في هذا السجن أو ذاك، فإن على خطباء صلاة الجمعة، (مثلاً)، أن يرسلوا نص الخطبة لرقابة إدارة السجن وضباط أمنها قبل إلقائها؛ وتكليف إدارات السجون لضباط أمنها التابعين لجهاز "الشاباك"، بمهمة إدارة السجون صارت سياسة سائدة؛ فيما بات التواصل بين سجن وآخر، بل، وبين أقسام السجن الواحد، منوطاً بضباط أمن السجون الذين لا يتركون فرصة لإشاعة الفتنة داخل صفوف الأسرى باللعب على وتر تبايناتهم الداخلية، ومحاولة تسعيرها، وتحويلها إلى تناقضات مستعصية بين أسرى سجن وآخر، أو أسرى قسم وآخر داخل السجن الواحد، أو أسرى تنظيم فلسطيني وآخر، مستغلين في ذلك انقسام أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية وانعكاسه على امتداداتها داخل السجون؛ وسياسة تكثيف أوامر الاعتقال الإداري وتجديدها التلقائي، وتبليغ المعتقلين بها في آخر لحظة، عادت إلى ما كانت عليه أثناء فترة الانتفاضة الأولى، بل وبصورة أبشع مما كان عليه الحال في جنوب أفريقيا أيام نظام الفصل العنصري البائد، الذي لم يكن يجيز التجديد التلقائي للاعتقال الإداري، و...الخ من إجراءات القمع والتنكيل الرامية إلى إعادة الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة ومكتسباتها عقوداً إلى الوراء.

 

هنا كان ثمة ضرورة لهذا الإضراب للرد على قرار حكومة نتنياهو السياسي بضرب الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة وتفكيكها وتمزيق وحدتها وسحْبِ منجزات نضالها المديد، عبر التنكيل بقادتها، وعبر إجراءات قمع شاملة، هي بهمجية ما مورس بحق الأسرى الفلسطينيين في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي أشبه، سواء لجهة محاولة إعادة التعامل مع الأسرى الفلسطينيين كأفراد أو كجهات متناقضة، وليس كمجموع وطني منظم تمثله أمام إدارات السجون مؤسسة اعتقالية وطنية واحدة موحَّدة، أو لجهة محاولة إعادة التعامل معهم كأفراد لا يوجد لهم سوى احتياجات حياتية تمنحها لهم إدارات السجون، وتسحبها منهم، وقتما تشاء وكيفما تشاء، وليس كمجموع وطني منظم مناضل له حقوق انتزعها بنضال مديد وتضحيات جسيمة وبطولة جماعية أسطورية، وقدم لقاءها، (فيما قدَّم منذ العام 1967)، نحو 187 شهيداً، هذا دون احتساب 50 آخرين جرى إعدامهم ميدانياً بعد إلقاء القبض عليهم مباشرة خلال فترة انتفاضة الأقصى.