خبر سلاح في وجه الخطر الوجودي- هآرتس

الساعة 08:28 ص|18 ابريل 2012

 

بقلم: تسفي برئيل

ان الهجوم المحترف للمقدم شالوم آيزنر على الأشقر صاحب الكوفية كان مدهشا. ان ذراعي الضابط الكبير أمسكتا بالسلاح وكأنه جزء لا ينفصل عن جسمه، وبحركة غريزية كما هو متوقع ممن هُددت حياته، انقض على من تجرأ على ان ينظر في عينيه وسدد الى وجهه. ومن حسن الحظ ان هذا الرجل العدواني من الفايكنغ سقط وأشار بذلك الى خضوعه، وهذه اشارة متفق عليها في الغابة. وتركه المقدم الخائف وشأنه. وهذا مؤسف، فلو أنه تابع الهجوم لأمكن أن نرى مشهد قتل ممتازا لسلسلة جديدة لـ "الناشيونال جيوغرافيك" وربما تحت عنوان "المُبادين".

الحديث في ظاهر الامر عن شأن سياسي تحاول فيه مجموعة من نشطاء سلام تؤيد الفلسطينيين ان تقنع دولة محتلة بأن تعامل الذين يقعون تحت احتلالها بالعدل، لكنه لا يوجد أي شيء سياسي هنا. فحينما تتصرف دولة وكأنها محمية طبيعية تشعر الأنواع التي تسكنها بأنها معرضة لخطر الابادة تصبح الحكاية حكاية أنثروبولوجية بسيطة. من أراد ان يزور محمية الغوريلا في اوغندا مثلا يعلم ما هي الحدود. ويجب على السائح الفضولي ان يستخرج ترخيصا يقول انه ليس مريضا، وهو يستطيع الخروج للزيارة في مجموعات صغيرة فقط وعليه في أقل من يوم ان يترك المحمية. ويعلم السياح الذين يأتون الى المحميات الطبيعية في تنزانيا أنه لا يجوز لهم ان يغادروا سياراتهم أو يرموا طعاما للحيوانات أو يقتربوا منها. ومن يقتل دباً ابيض في السهوب الجليدية من القطب يُحاكم. فهناك قواعد واضحة تعترف بها منظمة الحماية العالمية تحدد ما هي الأنواع المهددة وكيف يتم الحفاظ عليها.

ان اسرائيل هي محمية خطيرة وكان يجب على الدول ذات المسؤولية منذ زمن ان تصدر تحذيرا من السفر اليها أو ان تنشر على الأقل كُراس ارشاد مفصلا يفصل ماذا يجوز وماذا لا يجوز ان يُفعل فيها. وأي كلمات أو جُمل تستخرج منها صيحة التحذير، أعني ان يكون شبه معجم للسائح تحدد فيه بخط احمر واضح مصطلحات مثل "رحلة جوية" أو "رحلة بحرية" أو "دولة فلسطينية" أو "بؤر استيطانية غير قانونية" أو "فصل عنصري" أو "عنصرية" أو "محكمة العدل العليا" أو "احتلال" بالطبع. ويُبين في كراس الارشاد هذا أي شيء قد يجعلها تعض وأي المواقع ينبغي للسائح ان يبتعد عنها؛ وأين يجوز للذكور والاناث المكوث معا وأين قد تُصاب جماعات مختلطة بحجارة؛ وأي تهييج تسببه كوفية حمراء حول العنق؛ وأي خطر يتعرض له من يلبس ثوبا لونه احمر اسود اخضر. ولا توجد هنا أية توصية شاذة. فكل من أراد ان يزور الصومال أو افغانستان أو الجزائر أو جمهورية الشيشان أو السودان يعلم ماذا يجب عليه ان يلبس وماذا لا يجوز له ان يقول.

ان محمية مهددة كاسرائيل ليست هدفا لكل انسان في كل وقت. حينما كانت ما تزال دولة صغيرة، محددة بخط اخضر، دعت العالم كله الى زيارتها. وحينما سمنت ووسعت منطقة عيشها صارت أكثر شعورا بأنها مهددة وأكثر خوفا، وهي تحدد بقوائم معدة سلفا من الذي لا يجوز له ان يدخلها. ولا تشتمل هذه القوائم على مطلوبين نفذوا عمليات تفجيرية فقط بل تشتمل ايضا على نشطاء في منظمات حقوق انسان، وعلى أديب الماني واحد على الأقل وعلى ساسة غير مستعدين للانشاد في جوقة. وتشتمل هذه القوائم ايضا على توصية تُبين منْ لا يحسن به ان يضيع ماله على تذكرة سفر، كسياح تُذكر أسماؤهم بأصل عربي أو مسلم. وربما تدخل حيز التنفيذ بعد زمن غير بعيد قوائم جديدة أقصر كثيرا لا يُذكر فيها إلا من يجوز له ان يزور المحمية.

هكذا تبني اسرائيل نفسها على أنها جيب أصولية قومية لا يعتمد العقد فيها بين مواطنيها (اليهود بالطبع) على المساواة أو على قيم مشتركة بل على رسم لا يكل لحدودها مع العالم الخارجي. وهو جيب لا يستمد من الشعور بكونها ضحية – وقد أصبح هو نفسه قيمة داخلية – بل من تهديد لا يفهم كامل قوته إلا الاعضاء المنتمون الى الجيب. وعلى هذا فليس المهدِّد نفسه هو الخطر الحقيقي بل من يعترض على مجرد وجود تهديد. وليس الفلسطينيون الذين يهددون بانشاء دولة هم الذين يعترضون على حدود الجيب بل من يعتقد ان دولة فلسطينية ليست تهديدا. انه هو الخطر الوجودي ولهذا يُضرب بالسلاح على وجهه سواء أكان مواطنا دانماركيا أم اسرائيليا.