خبر جُن جنوننا- معاريف

الساعة 10:14 ص|17 ابريل 2012

بقلم: بن درور يميني

خبير في شؤون الامن القومي

        (المضمون: بدلا من الانشغال بحقيقة ان "عصبة راكبي الدراجات" تؤيد الارهاب والاستفزاز، جعلت وسائل الاعلام نائب قائد اللواء شالوم آيزنر وحشا على وجه البسيطة  - المصدر).

        منذ زمن بعيد لم يقع لنا حدث جدي يمكن ان تُعرض فيه اسرائيل كوحش. لا "رصاص مصبوب"، لا مذبحة في جنين ولا حتى انتفاضة صغيرة. الوعود بـ "مسيرة المليون" نحو حدود اسرائيل تبددت وكأنها لم تكن، الاساطيل توقفت عن الوصول، وحتى الرحلة الجوية الجماهيرية ظهرت كسمكة هزيلة. لا شيء. حكومة نتنياهو، هي ايضا، ترفض توفير البضاعة، ورغم استمرار نار الصواريخ – تصر اسرائيل على عدم الرد بشدة. فترة جفاف كهذه، كما ينبغي الاعتراف، لم تكن لنا منذ زمن بعيد هنا. محزن.

        وعندها حصل هذا. فاذا كان يُخيل للحظة بأن اسرائيل تنجح في ان تخفي بأنها وحش على وجه الارض – فقد انكشفت المؤامرة. الدليل القاطع توفر في مقطع من ثوان قليلة ظهر فيها ضابط من الجيش الاسرائيلي، المقدم شالوم آيزنر يضرب "راكب دراجة" من الدانمارك ببندقيته. هذا هو. الجيش الأكثر وحشية في العالم يُعرض أمام وجه الأمة. هذا لا يعني ان لدينا فكرة حقيقية عما حصل هناك. فقد كان هناك حدث استغرق ساعة، ومنه تلقينا شيئا مثل ست ثواني. الضابط، حسب ادعاءات نشرت على لسانه، أُصيب في ذاك الحدث حتى قبل المقطع المُدين، بمعنى أنه كان هناك عنف. كانت استفزازات. ولكن هذا ليس مهما. المهم ان لدينا مسدسا مدخنا. وهذه المرة كان هذا بندقية.

        على مدى ساعات طويلة تحول هذا ليصبح الموضوع المركزي. وقد عُرض المتظاهرون بأنهم "جماعة من راكبي الدراجات". المحلل القانوني لسلطة البث العامة أوضح منذ البداية بأن ظاهرا، وبالطبع ظاهرا فقط، يدور الحديث عن موضوع خطير لا مثيل له وان الاتجاه بشكل عام يجب ان يكون جنائيا. وهذه ليست سوى مسألة وقت الى أن يوصي رجل القانون المجيد بالتوجه الى المحكمة الدولية في لاهاي في شكوى على جريمة ضد الانسانية، ومجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة ينعقد في جلسة خاصة كي يعيد الى العمل ريتشارد غولدستون.

        أيها القارئات والقراء المحترمين – لقد جُن جنوننا – ببساطة، جُن جنوننا. لأنه توجد ايضا حقائق. وهذه الحقائق ايضا تستحق بعض الاحترام. وبالفعل، بداية، في المناطق تتجول عصبة من الفوضويين، ولا سيما من اوروبا، ينتمون الى منظمات معروفة، معظمها، إن لم تكن جميعها، من محبي حماس والجهاد. وهم جزء من التحالف الاحمر – الاخضر الذي بين الاسلاميين واليسار الراديكالي. ثانيا، "راكب الدراجة"، أندرياس إياس، هو عضو في حركة التضامن الدولي (ISM)، التي كانت قبل ذلك مشاركة في تقديم المساعدة للارهاب بل وتؤيد بشكل معلن وصريح "الكفاح المسلح" للفلسطينيين. ثالثا، هؤلاء النشطاء في الغالب أكثر تطرفا من الفلسطينيين أنفسهم. وقبل ان يدعي أحد ما بأنهم ليسوا أكثر من "نشطاء ضد الاحتلال"، يجدر بنا ان نشير الى ان المنسق الصحفي للمجموعة، بلو روزوبسكي، أعلن بأن "اسرائيل هي كيان غير شرعي". اسرائيل، ليس الاحتلال.

        رابعا، اسرائيل هي أغلب الظن الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح لمن يعمل بشكل معلن على تصفيتها ان يعمل بشكل حر، باسم حقوق الانسان بالطبع. وخامسا، كانت لنا عشرات الأحداث التي تبين فيها بأن المقاطع التي صورت كانت جزئية تماما، وأنه أكثر مما كانت كشفت شيئا ما – أخفت القصة الحقيقية. "باليوود" على حد تعبير البروفيسور ريتشارد لينتس. وها هو، بمساعدة وسائل اعلامنا نجحوا في طمس الخلفية، الحقائق، الايديولوجيا وقرع طبول الشقاق والنزاع من جانبهم – وتقليص القصة كلها الى ثوان قليلة ظهر فيها ضابط يضرب استفزازي واحد. هيئة المحكمة الاعلامية دخلت في نطاق العمل بصفتها محكمة ضد جرائم الحرب.

        كان يمكن انهاء المقال بالثناء على وسائل الاعلام. ها هو الانتقاد الذاتي يدخل الى حيز العمل. ها هي ديمقراطيتنا في أفضل صورها. حبذا. غير أن الحديث يدور عن اهمال واسع النطاق. يدور الحديث عن تجاهل الحقائق والخلفية. يدور الحديث عن حسم القضاء دون محاكمة. يدور الحديث عن تضخيم مصطنع لقصة موضعية. نتيجة اتصال من هذا النوع لن تكون ان اسرائيل هي دولة ديمقراطية مع صحافة حرة، بل دليل على ان اسرائيل هي وحش مع جيش وحشي. ليس واضحا ان هذا كان الهدف. الواضح هو انه تحقق.