خبر دولة لأمد قصير- هآرتس

الساعة 08:34 ص|15 ابريل 2012

 

بقلم: جدعون ليفي

ما عادت توجد دولة كهذه. ان الولايات المتحدة يُحيرها كم من المتعطلين ومؤمني الصحة سيكون فيها بعد عشر سنين. وتسأل اوروبا كم ستزداد نسبة المهاجرين اليها وهل سيظل اليورو موجودا فيها حتى 2020؛ أما في اسرائيل فالاسئلة الوجودية أشد شمولا وعمقا بما لا يتيح المقارنة، ولا يجهد أحد نفسه في مجابهتها. ان رئيس الحكومة يتحدث كأن المشكلات التي تقف على بابه اوروبية (لا يشمل هذا هستيريا الذرة الايرانية)، في حين ان اسئلة أشد مصيرية بكثير ما تزال بلا أجوبة ولا يُشتغل بها ألبتة الى حد يبلغ بنا الى الحيرة. ان الدولة وقد أصبح عمرها 64 سنة ما تزال تواجه الاسئلة نفسها وكأنها ولدت أمس ولا جواب عنها.

فلا أحد عنده جواب عما سيكون وجه الدولة بعد عشر سنين. بل انه يوجد من يشكّون في مجرد وجودها حتى ذلك الحين وهذا سؤال لا يثار عن أية دولة اخرى. لكن الانشغال بهذا السؤال الداحض ايضا يضيق في حدود بث الخوف ورعب ليل السبت. أما سائر الاسئلة وهي لا تقل مصيرية فانها حتى لا تثار. هل يعلم أحد هل ستكون اسرائيل ديمقراطية بعد عشر سنين؟ وهل يستطيع أحد ان يضمن هذا؟ وهل ستكون دولة علمانية أم تصبح دولة شريعة يهودية؟ وهل تكون دولة رفاه أم دولة رأسمالية؟ هل مدنية أم عسكرية؟ وهل يوجد فيها مجتمع اوروبي أم شرق اوسطي أم شكل آخر؟ وكم من الشعوب سيعيش فيها بعد عشر سنين؟ وكم من الشعوب الصغيرة؟ ومن ستكون فيها الأكثرية – وهذا سؤال آخر لا يُسأل في أي مكان آخر في أمد عشر سنين؛ وماذا ستكون حدودها – وهذا ايضا سؤال لا يُسأل إلا في اسرائيل التي هي الدولة الوحيدة التي لا حدود لها.

ان كل شيء مفتوح وسيّال وهش بصورة مخيفة. ان سيناريوهات مستقبل اسرائيل الثلاثة باعتبارها دولة احتلال وهي: استمرار الوضع الراهن الى الأبد، أو دولتان أو دولة واحدة – تبدو الآن بلا أساس، وتوقف الاشتغال بها تماما وكأن عدم البحث فيها سيؤدي الى حل قابل للتحقيق. لكنه لا يوجد لجميع الاسئلة المصيرية الاخرى ايضا جواب حقيقي ولا تكاد تثار في برنامج عمل الاسرائيليين الذين كان يجب عليهم ان يحصروا عنايتهم فيها وحدها تقريبا. ان دولة بلا مستقبل (واضح)، تتسلى بالماضي وتحصر عنايتها في الحاضر تشبه دولة لأمد قصير. ولا يسأل أحد حتى عشية ايام الانفعال القومي القريبة ماذا سيكون وجهها بعد عشر سنين وهي مدة تُعد صفرا بالمعنى التاريخي.

سافرت في الاسبوع الماضي مع الحجاج الى الخليل في عيد الفصح. وفي الحافلة التي نقلتهم الى هناك قال واحد منهم بصوت عال: "يجب ان نرسل العرابيش (كلمة احتقار يستعملها اليهود الاسرائيليون للدلالة على العرب – المترجم) الى آلات جرش الصخر من المستشفيات مباشرة وهم اطفال صغار"، وانفجرت الحافلة كلها بالضحك. وهمسوا هناك في كُره موجهين الحديث الينا، المصور والصحفي، وكنا العلمانيين الوحيدين: "متعاونون، يوجد متعاونون في الحافلة"، ولم يحتج أحد بالطبع.

ان آلاف الحجاج الى الخليل مع عشرات الآلاف من مؤيديهم هم أبناء شعب آخر ليست لهم أية صلة بأبناء تل ابيب أو شبه بهم. ان اليمين المتطرف موجود اليوم في كل مجتمع لكن قوته في مجتمع صغير هش كمجتمعنا قد تصبح قاتلة. ان امريكا تستطيع ان تُبيح لنفسها اليمين المسيحي الظلامي فيها وان تبقى ديمقراطية، أما اسرائيل فلا. فهل يستطيع أحد ان يضمن ألا تصبح لغة الكراهية في الحافلة المحصنة الى الخليل هي اللغة السائدة هنا؟ ان هذا في الطريق ولا يوقفه أحد.

لا أحد يحول بين الديمقراطية وتحطمها ولا أحد يصد اسرائيل عن ان تصبح مُقصاة أكثر. واليوم حينما سينقض رجال الشرطة الـ 650 في بطولة على القلة من نشطاء حقوق الانسان ويطردونهم بقسوة من مطار بن غوريون لأنهم أرادوا فقط ان يزوروا بيت لحم زيارة تعاطف، لن يحتج أحد (تقريبا) على ذلك ولن يصد عن ذلك، لا وسائل الاعلام المجندة ولا جهاز القضاء المستخذي سيفعلان شيئا لمنع هذه المهانة.

وهذه هي صورة الامور ايضا في سلسلة ظواهر اخرى أخذت تصوغ صورة اسرائيل المحدثة من غير ان يجري تباحث حقيقي فيها. فالأقوياء وليسوا هم الأكثرية ينتصرون في معركة بعد اخرى، والأكثرية اذا كانت ما تزال أكثرية، صامتة. هلّم نتذكر واحدة من الدعايات التي سُمعت هنا في سني الدولة الاولى: "الى أين؟ الى مشبير المستهلك". وهذا هو الجواب الوحيد ايضا في اسرائيل 2012 عن هذا السؤال المصيري وهو: الى أين؟.