خبر اللهفة على اليورانيوم -يديعوت

الساعة 08:30 ص|12 ابريل 2012

اللهفة على اليورانيوم -يديعوت

بقلم: عوديد شالوم وعمير بن دافيد

(المضمون: الكشف عن معدن اليورانيوم قرب مدينة عراد في النقب مع حصول شركة على رخصة استخراجه ومعارضة سكان عراد ذلك خشية الاشعاع - المصدر).

        حينما وصلنا الى الارض أدركنا أننا اخطأنا. وقد تنقل غيلي سوفير الذي كان ذات مرة مراسلا مهتما بحماية البيئة والنزهات، وهو برجوازي مدلل من هود هشارون وهو اليوم فندقي بوتيك ومُحب للصحراء مُغبر يعيش في عراد، تنقل بين الصخور وأصابته كل زهرة صغيرة بالنشوة.

        وقفنا من فوق جدول حتروريم في منتصف الصحراء في منطقة ن "ص 57200". وكانت الساعة الواحدة ظهرا ولم يبدأ الصيف بعد لكن الحرارة كانت مخيفة. لا يمكن ان يُقال سوى ان المنطقة شرقي عراد جميلة جدا. ان قمم الجبال مسننة والمنحدرات صخرية وهناك سبيل محددة تشق المنطقة.

        بدأنا نضرب الارض بأقدامنا نبحث عن علامات على غبار اصفر. وقبضنا قبضة من تراب ثم اخرى لكن لم نجد شيئا، فلا دلالة على اليورانيوم. وأسفنا لأننا لم نُحضر معزقا ولا مقياس اشعاع ايضا.

        حدث شيء قبل اسبوع هو شيء تاريخي حقا. فقد أصدرت دولة اسرائيل بواسطة مديرية الموارد الطبيعية في وزارة الطاقة، لاول مرة رخصة بحث عن اليورانيوم ومعادن مشعة اخرى لشركة خاصة. ون "ص 57200" هي أحد أطراف المنطقة التي تجري الرخصة عليها.

        يفترض ان يعرف مئير دغان هذه النقطة جيدا. فهو بعد كل شيء رئيس "غولفر اينرجي"، وهي الشركة التي حصلت على الرخصة. وتبين ان رئيس الموساد السابق استبدل بتعقب اليورانيوم الايراني البحث عن يورانيوم قريب من البيت. هنا تحت أقدامنا فوق الوادي الجاف.

        لو أننا علمنا من قبل أننا سنضطر الى وجود معزق لجئنا به. جلسنا في الصباح في صالون يعقوب ليكس في عراد الذي ناضل أكثر من عشرين سنة استخراج الفوسفات من المنطقة. وحدثنا ليكس بقصة غريبة لكن أقسم أنها حقيقية. "قبل نحو من 15 سنة انضممت الى جولة أجراها كبير الجيولوجيا أريه غيلات في منطقة حتروريم. فقد اهتم غيلات بالظواهر الجيولوجية هناك وسافرت معه يوما كاملا في المنطقة وسمعت تفسيرات منه.

        "وقُبيل نهاية النهار، ولا أتذكر بالضبط أين كان ذلك، أوقف السيارة فجأة وقفز وكان يمسك بيده مقياس غايغر. وكلما اقترب من نقطة ما ازداد صفير الجهاز. وحينما كاد ينفجر رفع غيلات المعزق وضرب الارض بضع ضربات. وبدا لأعيننا غبار اصفر وأعلن غيلات ان الحديث عن يورانيوم طبيعي ذي نوعية عالية".

        ولكي نكون على يقين فقط اتصلنا في الغد ببطل القصة. وصعب على الدكتور غيلات، وهو متقاعد اليوم، ان يتذكر الحادثة بالضبط لكنه لم ينفِ رواية ليكس. "هذا محتمل جدا. ففي نقاط ما في منطقة حتروريم توجد تركيزات بادية من معدن اليورانيوم".

        ليس حامضا ولا حارقا

        ان حقيقة انه يكمن اليورانيوم في ارض النقب معروفة. وحينما بدأوا يرسمون خرائط الجنوب من جهة المناجم، تبين أنها غنية بالفوسفات الذي يشتمل على هذا الأساس الثمين ايضا لكن بكميات صغيرة. أي بين100 غمالى125 غممن اليورانيوم في طن من الفوسفات – وهذه كمية تجعل الاستخراج غير مُجدي.

        لكن الكميات أكبر بكثير في مناطق مخصوصة. في بداية ثمانينيات القرن الماضي تم استطلاع عن اليورانيوم القطري. فقد طارت طائرات زُودت بمجسات لتحديد الاشعاع غير العادي ذهابا وإيابا فوق قطع ارض حُددت سلفا وقاست الاشعاع الذي ينبعث منها. وأُرسل الى كل نقطة ظهر فيها اشعاع عال باحثون مُشاة حفروا وأخذوا عينات من التراب.

        وما تزال نتائج الاستطلاع سرية حتى اليوم، لكن يمكن ان نذكر اسم منطقة من المناطق انبعث منها اشعاع عال ولو بسبب الأنباء المنشورة الاخيرة وهي حتروريم.

        هذه أنباء سيئة بالنسبة لسكان عراد. في الفترة التي تم فيها استطلاع الاشعاع تقريبا بادر المعهد الجيولوجي ايضا الى استطلاع الفوسفات القطري. وبواسطة آلاف الفحوصات والتحليلات تم رسم خرائط لها بحسب نوعية وكيفية المعادن فيها وتبين ان عراد أُنشئت في مطلع ستينيات القرن الماضي على منجم ضخم.

        لن يكون ممكنا استخراج الفوسفات الموجود تحت البيوت، لكن وُجد في سديه – برير في غور عراد المجاور 13 ألف دونم غنية بالمعادن – وهي أغنى منجم في البلاد مع قدرة على استخراج المعادن لعشرين سنة على الأقل واحتمال ايرادات قد تبلغ 100 مليار شيكل.

        في ثمانينيات القرن الماضي أجرت شركة الفوسفات فحوصات مركزة في غور عراد. ويتحدث ليكس الذي وصل الى المدينة في تلك الفترة تقريبا عن انه كان ممكنا على أثر الفحوصات ان يُشم الفوسفات: "انها رائحة لا حامضة ولا حارقة لكن يتم الشعور بها جدا في الهواء".

        ان شركة "فوسفات في النقب" – التي كانت آنذاك شركة حكومية خصخصت في مطلع تسعينيات القرن الماضي بيعت الى شركة "الكيماويات الاسرائيلية"، وتملكها اليوم عائلة عوفر – قدمت طلب استخراج معادن في سديه – برير. وعارض من كان آنذاك رئيس المجلس، وهو بايغه شوحاط، بشدة، وطلب الى ليكس ان يرأس لجنة عمل السكان المعارضة لاستخراج المعادن.

        غادر شوحاط المدينة منذ ذلك الحين وهو اليوم رئيس مجلس ادارة في شركة "الكيماويات الاسرائيلية" التي تتابع محاولاتها الحصول على رخص استخراج المعادن. فكيف يُسوي هذا التناقض؟ يقول: "في الفترة التي كنت فيها رئيس البلدية أرادوا استخراج الفوسفات من الأطراف الغربية للبلدة حقا ولم يكن سديه – برير قائما آنذاك. ولا أريد أن أُعبر عن موقف من الجدل اليوم. وبعد ان تنتهي الفحوصات سأُعبر عن رأيي علنا".

        وفي مقابله يتمسك ليكس بموقفه القديم وهو يعمل اليوم ايضا على مواجهة استخراج المعادن ويستعيد بقوله: "رفعنا آنذاك اصوات صراخ. ان استخراج الفوسفات يتم من منجم مفتوح هو بئر ضخمة فيها اعمال تفجير. وتعمل فيها آلات ضخمة تثير غبارا كثيرا، وتتنقل الشاحنات ذهابا وإيابا ونرى جرحا فظيعا للارض والمنظر الطبيعي وتلويثا خطيرا للجو. وقد خفت هذا الموضوع وقلت العناية به، لكن في 1998 قُدم طلب استخراج جديد على يد "روتم أمبرت" هذه المرة، وهي شركة فرعية عن شركة "الكيماويات الاسرائيلية"، ومنذ ذلك الحين ونحن في نضال مرة اخرى يشتمل على معارضة في اللجان والمحاكم ومحكمة العدل العليا".

        يزعمون في شركة "روتم أمبرت" أنه لا أساس للمخاوف ويعدون بعدم استخراج المعادن من سديه – برير اذا ثبت وجود خطر صحي. ويفترض ان تجري الدولة قريبا عملا تُبعد به تأثيرات استخراج المعادن.

        لماذا يتدخل أمين السر العسكري

        يُعيدنا كل ذلك الى رخصة البحث عن اليورانيوم التي حصلت عليها "غولفر اينرجي". وقد قضى تقرير عن وزارة الصحة في 2008 يُلخص الفحوصات المتعلقة بالأخطار الكامنة في استخراج الفوسفات قرب مناطق مأهولة بأن الاستخراج من سديه – برير سيُسبب زيادة التعرض للاشعاع عند سكان عراد وزيادة عدد مرضى السرطان وارتفاع نسبة الوفاة في المدينة بـ 4.25 في المائة ويُسبب موت 7 اشخاص كل سنة.

        ان حتروريم أبعد في الحقيقة من عراد، لكن ليكس يزعم ان الفرق هامشي. "اذا كانت سديه – برير بعيدة عنا نحوا من2 كمبمسافة جوية فان اليورانيوم في حتروريم بعيد في الحاصل العام بنصف كيلومتر تقريبا. وعندنا غير قليل من الايام التي تهب فيها ريح شرقية قوية وسيصل الغبار الذي يحتوي على جزيئات مشعة بسهولة الى المدينة".

        تقول الدكتورة سريت عوكيد، وهي عضو في جمعية "نريد ان نحيا من غير مناجم" والتي انشأها سكان عراد، تقول ان كثيرا من السكان جاءوا الى المدينة من اجل الهواء النقي. "يوجد ناس أنقذ حياتهم الانتقال الى هنا. وقد ترك آباء لأبناء يعانون الربو مركز البلاد للتخفيف عن أبنائهم. ويقولون الآن انهم سيتركون. لأنه من ذا يريد ان يسكن في ظروف تشبه ظروف تشيرنوبل أو فوكوشيما؟ وما الذي جعلهم يتذكرون هذا الآن فجأة؟".

        هذا سؤال ممتاز. قبل نحو من سنة زعم اعضاء لجنة العمل في المدينة ان أمين السر العسكري لرئيس الحكومة، اللواء يوحنان لوكر، استعمل ضغطا على وزارة الصحة كي تتراجع عن معارضتها انشاء منجم فوسفات قرب عراد. بل ان 270 من السكان رفعوا استئنافا الى محكمة العدل العليا طالبين الأمر بوقف تدخل لوكر في هذا الشأن، لكن المحكمة ردتهم خائبين.

        الى اليوم تم استعمال الفوسفات مادة خاما للمنتوجات الغذائية وللزراعة والتنظيف، واعتُبر مصدرا اقتصاديا. واليورانيوم هو ايضا مورد استراتيجي. والحديث عن معدن ثقيل جدا وسام ومُشع يمكن ان يُستخلص منه بعملية استخراج معقدة الجزيء المُشع اليورانيوم 235 – وهو مادة منشطرة تستعمل لانتاج القنابل الذرية.

        في مطلع طريق المشروع الذري الاسرائيلي اعتقد علماء أنه سيكون من الممكن استخراج اليورانيوم من الفوسفات في النقب. وطورت في معهد وايزمن طريقة كيماوية مميزة لفصله عن الرصاص، بل ان التجارب نجحت نجاحا جيدا. وقد تم الاستخراج في منطقة أورون كما نعلم، لكنه لم يطُل. فقد كانت عملية الفصل بين المعدنين باهظة الكلفة ولم ينجح الانتاج في كفاية المطلوب وتبين ان اليورانيوم الاسرائيلي غير مُجدٍ اقتصاديا.

        تقول أنباء منشورة اجنبية ان اسرائيل اعتمدت في الأساس على يورانيوم من مصادر اجنبية. وقد شارك يهود أفاضل في أنحاء العالم ايضا في المشروع الذري الصهيوني كما يبدو. فبين 1962 و1965 مثلا اختفى من مصنع في بنسلفانيا أكثر من 100 كغم من اليورانيوم المخصب. وقدّرت وكالة الاستخبارات المركزية بعد مرور سنين ان المصنع الذي كان يملكه يهود نقل المادة الى اسرائيل. أو تلك السفينة التي كانت ترفع علم ليبيريا والتي غادرت بلجيكا في 1968 متجهة الى ايطاليا وفي بطنها براميل من اليورانيوم المخصب وتوقفت بحسب أنباء منشورة اجنبية في محطة متوسطة سرية غير مخطط لها في حيفا. واشتُري اليورانيوم ايضا من الغابون ونيجيريا والكونغو والارجنتين (وكل هذا بحسب أنباء اجنبية). وكان هناك مصدر آخر هو نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. فقد تحدثت وثائق كُشف عنها بعد سقوط النظام عن 600 طن من اليورانيوم انتقلت من هناك الى البلاد.

        هل حقيقة ان مجال اليورانيوم يخضع اليوم لرقابة أشد تجعل شراء اليورانيوم أصعب؟ وهل اسرائيل التي لم توقع على ميثاق منع نشر السلاح الذري، يصعب عليها كثيرا الحصول على هذه المادة؟ لن تُجيب اسرائيل الرسمية عن هذين السؤالين. والحقيقة المكشوفة الوحيدة هي النبأ الذي نشر في الصحف الاسبوع الماضي من قبل مكتب النشر الحكومي والذي يبشر برخصة البحث عن اليورانيوم التي أُعطيت لـ "غولفر اينرجي" المحدودة الضمان.

        بحثوا عن النفط ووجدوا اشعاعا

        تسيطر شركة "غولفر اينرجي" على شركة "غينكو" التي تعمل في البحث عن النفط والغاز. وكانت في نسختها السابقة (تحت اسم "أوري ايلي") شركة عقارية لكنها أفلست وبقي منها هيكل في البورصة فقط. وفي أيار 2011 مُزجت "غينكو" في "أوري ايلي" وعُين مئير دغان رئيس مجلس ادارة "غولفر".

        بدأت حكاية حتروريم قبل نحو من ثلاث سنين. فقد خرجت "غينكو" بواسطة شركة التنقيب عن النفط "زيرح" للبحث عن النفط في منطقة تسمى "مايا". وقد نزل المثقب الى عمق بعيد ولم يخرج النفط، لكن ظهر في الجزء الأعلى اشعاع أعلى من المعتاد. ويلخص يعقوب ممران الذي كان الى ما قبل عشرة اشهر مدير الموارد الطبيعية في وزارة الطاقة الامر بقوله: "مضوا للبحث عن النفط ووجدوا اليورانيوم".

        ولما كانت "زيرح" لا تستطيع العمل سوى في البحث عن النفط نُقل علاج اليورانيوم الى "غولفر". وقد حصلت على رخصة استخراج لكن وكما كشفت عن ذلك "يديعوت احرونوت"، لما كانت "زيرح" هي التي حصلت على المعلومات وهو تملك امتياز البحث عن النفط فقط فانه "يحق لكل انسان" يقول ممران، "ان يتوجه الى مديرية الموارد الطبيعية وان يطلب رخصة بحث في منطقة حتروريم".