خبر غراس مُسبب للإدمان- معاريف

الساعة 08:44 ص|09 ابريل 2012

 

بقلم: يوآف سبير

مراسل "معاريف" في المانيا

"قضية غنتر غراس أهم من جوانبها الفضائحية. فالمناكفة بين غراس واسرائيل ليست سوى طرف الجبل الجليدي لتغيير عميق يمر به المجتمع الالماني. صحيح أن معظم مقرري الرأي العام – من سياسيين وصحفيين – هاجموا ولا يزالون يهاجمون بحدة غراس، الذي نجح في أن يهدم بكلتي يديه سمعة بناها على مدى السنين.

ولكن حذار أن نتشوش من ردود الفعل الأولية. في حالة تيلو زرتسن أيضا، الذي كتب كتابا نقديا جدا على هجرة المسلمين الى ألمانيا، خرجت النخبة بسرعة الى اسكات النقد، غير أنه رغم ذلك، وربما بالذات لذلك، أصبح الكتاب في غضون وقت قصير واسع الانتشار ويباع بأوسع نطاق في المانيا منذ الحرب العالمية الثانية في مجال الادب البحثي. التيارات العميقة، التي كبتت على مدى العقود، سرعان ما تصل بالتدريج الى السطح وتحظى بتأثير سياسي.

في العام 2006، عندما استضافت المانيا بطولة العالم بكرة القدم، تفاجأ الكثيرون، ولا سيما الالمان أنفسهم من أن ألمانيا نجحت بابداء نزعة قومية متحررة، قومية عديمة الماضي. وعندما انتهى الاحتفال، اختفت فجأة ايضا القومية الجديدة – القديمة، تلك التي لم تعد الكارثة تطاردها. ولكن كما علمنا فرويد، فكل أمر يكبت في النهاية يعود الى السطح، وبقوة أكبر.

هذه الايام نرى كيف أن القومية الالمانية تعود لتندلع. غراس هو مثال واحد فقط. في الساحة السياسية يوجد منذ الان مثال آخر: حزب "القراصنة". هذا حزب نما من داخل الانترنت ويقوده شباب في العمر وفي الروح، تربوا في المانيا الموحدة والقوية ولم يعودوا يخافون الماضي الالماني. هذا الحزب نجح في الوصول الى انجازات غير مسبوقة، حين اجتاز منذ الان في ولايتين نسبة الحسم العالية، بفارق كبير وفي المرة الاولى التي يتنافس فيها في الانتخابات. لم يسبق لاي حزب آخر في المانيا، تأسس بعد قيام الجمهورية في العام 1949 أن نجح في عمل ذلك. هذا ليس نجاحا بالصدفة: "القراصنة" هو حزب بلا ماض، بلا عبء، وبالاساس بلا مسؤولية. نجاحه يدل هو ايضا على القطيعة بين السياسة القديمة وبين الواقع على الارض، في الجمهور الالماني.

غراس كتب عمليا ما يفكر به ويحسه معظم الجمهور منذ سنوات طويلة. القطيعة بين معظم النخبة السياسة وبين معظم الشعب في قضية غراس توازي القطيعة بين القيادة والجمهور في كل ما يتعلق باسرائيل. الغواصات هي مجرد الذريعة، وذلك لانه في بؤرة الجدال توجد مسألة الموقف من اسرائيل بحد ذاتها. في العام 2008 صرحت ميركيل في الكنيست بان أمن اسرائيل هو جزء من أسس السياسة الخارجية الالمانية. كثيرون في ألمانيا، من كل أجزاء الطيف السياسي، احتجوا في أحاديث خاصة عن تصريحات ميركيل. هذا التضامن ليس مقبولا عليهم ويعتبر هنا زائفا، نوعا من الاستسلام الطوعي "لليهود".

على مدى زمن طويل تجرأ قلة فقط على الخروج ضد ميركيل صراحة، كون معنى الأمر هو نهاية المسؤولية التاريخية لالمانيا. عن نهاية الماضي كان محظورا الحديث لاعتبارات السلامة السياسية. المرة تلو الاخرى حاول في الماضي مثقفون ألمان وضع خط تحت هذا الموضوع والاعلان: ما كان كان، الآن المانيا حرة. المرة تلو الاخرى فشلوا واسكتوا – مثلما حصل لمارتين فلزر، الذي ادعى بان المانيا توجد تحت استعباد أخلاقي مرفوض. والان وقع شيء في المانيا. سد السلامة السياسية آخذ بالانهيار في أعقاب الثقب الصغير الذي أحدثه غراس. الحظر انتهى. يعقوب اوكشتاين، ابن البيولوجي مارتين فلزر، من أهم مقرري الرأي العام في المانيا والمحرر المسؤول للمجلة الاعتبارية "دير شبيغل"، كتب في نهاية الاسبوع: "غراس حررنا من الظل الذي ألقته كلمات ميركيل في الكنيست".

سواء شئنا أم أبينا، سواء كان مناسبا أم لا – خط النهاية بات هنا، ونهاية المسؤولية التاريخية تتحقق منذ الان بالتدريج. تضامن ميركيل لن يبقى لزمن طويل. وعليه، في المدى البعيد لن يكون ممكنا أن نرى في ألمانيا صديقة كبرى، مثلما كان حتى الان. أمر الساعة هو أن نحصل من ألمانيا على ما لا يزال ممكنا الحصول عليه، سواء كانت هذه غواصة سادسة وأخيرة أم مساعدة في مجالات اخرى. ببطء ولكن بثقة، الزمن الذي لا يزال تحت تصرفنا آخذ في النفاد.