خبر موعد الثاني عشر من نيسان..علي عقلة عرسان

الساعة 12:50 م|06 ابريل 2012

 

 

العاشر والثاني عشر من نيسان 2012 موعدان للالتزام بوقف الاقتتال في سورية، الأول موعد يلتزم به النظام والثاني تلتزم به المعارضة المسلحة، ووفق كوفي عنان والمتحدثين باسمه فإن الساعة السادسة من صباح يوم 12 نيسان ينبغي أن تشهد صمت الأسلحة بكل أنواعها ليبدأ التحرك نحو الحوار بين الأطراف المعنية الذي سيؤدي إلى حلول سياسية وإنهاء الأزمة. تلك الخطة وهذه المواعيد حظيت بدعم مجلس الأمن الدولي تضمنه بيان رئاسي ثان في الخامس من نيسان وأبلغ لاجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة في اجتماع طارئ لها في التاريخ ذاته تقريباً. فهل نحن أمام وضع تحترم فيه كل الأطراف المعنية التزاماتها وتعهداتها، أم أننا أمام فصول جديدة من الكلام والمناورات السياسية والعملياتية؟!

على الأرض ستكون هناك طلائع للمراقبين الدوليين، وعلى الأرض أيضاً ستكون هناك خروق للاتفاق المعلن عنه، وتناقضات في التصريحات والمواقف، تعبر عن الفضاء السياسي المشحون المرتبط بالأزمة والمحرك لها والناتج عنها، وسوف يستمر فعل سياسي ودبلوماسي من دول ذات مواقف ثابتة واستراتيجيات معلنة من سورية، عمدت إلى تغيير التكتيك وليس إلى تغيير جوهري في الاستراتيجية، سوف تستمر في أدائها السياسي ـ الأمني، كما يستمر إعلام معني باستمرار الأزمة بصب الزيت على النار، وفي عرض مشاهد القتل والتدمير التي يرصدها "الأبوات" المعتمدون، ويردُّ على أولئك المفندون لأقوالهم وأفعالهم وحملاتهم الإعلامية والسياسية. ومن ثم تكون مهمة كوفي عنان بين قطبين يتجاذبانها ويؤثران فيها، قطب سالب وآخر موجب، هذا إن عمدَت فعلاً إلى موضوعية وحيادية واستقلالية تامة، وسوف يستمر العمل على إفشالها والتعهد بإنجاحها على الصعد كافة.

في الفضاء السياسي السوري المتصل بمهمة المبعوث الدولي:

ـ عبرت الدولة السورية عن التزامها وتعاونها مع المبعوث الدولي لإنجاح مهمته، وقالت إنه يعنيها أن ينجح، لأنها مهتمة بأن تصل الأزمة إلى نهاية عن طريق حل سياسي يؤدي إليه الحوار.

ـ وعبرت المعارضة عن مواقف مختلفة حيال المهمة:

ـ فمنها من أعلن على مضض أنه يلتزم بخطة كوفي عنان، ولكنه لا يملك أن يصدر أمراً لمن هم على الأرض السورية من المعارضين المسلحين ليوقفوا إطلاق النار، وذكر أسباباً لذلك.. واستمر في الدعوة إلى التسليح وطلب أنواع الدعم المادي والمعنوي متذرعاً بذرائع عددها.

ـ ومنها من قال: إنه ملتزم بالحل السياسي أصلاً وبالحوار سبيلاً للحل، ويرفض التدخل الخارجي والتسليح الذي سيؤدي إلى حرب أهلية يحذر منها.. وأعلن في الوقت ذاته أنه لا يسيطر على الجهات والتنسيقيات المسلحة المختلفة الموجودة على الأرض بكثرة، تلك التي تقاتل لأسباب عدة وبعضها منظم وبعضها الآخر غير منظم. وكان هذا موقفه منذ بداية الأزمة.

ـ ومنها من رفض مهمة كوفي عنان، واتهمه مسبقاً، وقال إنه والفريق الدابي في موقع واحد هو موقع التآمر على الثورة.. وأخذ على العرب والمسلمين والدول الأخرى ما سماه تواطؤاً للقضاء على المعارضة التي تقاتل ضد الطغيان بسلاح الإيمان. واستمر في اعتماد طريق العنف رداً على العنف أو دفاعاً عن النفس.

ـ ومنها تنظيمات وأفراد يقولون إنهم ضد الحل الأمني ومع الحل السياسي، ويطالبون بإصلاح شامل، ولا يعارضون خطة كوفي عنان بل يدعمونها.. ولا يدَّعون أنهم يحركون المعارضة أو حتى عناصر منها على الأرض، سواء أكانت مسلحة أم مجرد متظاهرين سلميين، فهم معارضون أفراد لهم مواقف وآراء يعبرون عنها.

وكل أطراف المعارضة التي أشرت إليها آنفاً ـ ولم أقصد إلى الإحصاء والحصر والتصنيف،  فهناك قطعاً من لم أشر إليه ـ كل تلك الأطراف متفقة على إسقاط النظام، وعدم الاكتفاء بإصلاح لا يؤدي إلى التغيير الجذري الشامل في البلاد، مع التأكيد على وجود طرف في صفوفها أشرت إليه يطلب إصلاًحاً شاملاً ويُقبل على الحوار، ويرى أن الدستور الجديد يفتح الباب أمام نظام جديد.

في هذا الفضاء السياسي السوري والعربي والدولي يتحرك كوفي عنان وفريقاه السياسي والمراقب الذي قد يصل تعداده إلى مئتين وخمسين شخصاً، وفي هذه الأجواء ننتظر العاشر والثاني عشر من نيسان وما بعدهما من أيام حبلى بالاحتمالات.. فهل نحن يا ترى أقرب إلى التفاؤل بنجاح المهمة أم إلى التشاؤم من إمكانية إخفاقها في الوصول إلى أهدافها المرجوة.؟ وهل سيتمكن المبعوث الدولي، ذو التجربة والخبرة والمكانة، من تحقيق نجاح أم أن الفشل ينتظر مهمته التي تُعلِّق عليها أطراف كثيرة أهمية خاصة، وتريد أطراف أخرى أن تدفنها في مهدها؟!

لا يجوز إصدار حكم مسبق على فعل قبل تمام وقوعه وتبيّن نتائجه، ولا يمكن أيضاً إغفال استقراء التاريخ القريب المتعلق بأزمة مشابهة لهذه الأزمة وعناصرها والمبادرات والمهام التي سبقت بهدف مقاربة حلول لها. وفي إطار الأزمة السورية يحضر المرء ما أحاط بمهمة متصلة بها هي مهمة الفريق مصطفى الدابي من ظروف وما رافقها من تشكيك قبل أن تبدأ، وما صحبها من تفاعلات حكمت عليها بالفشل وأدت إلى توقفها.. وأيضاً ما كان وما زال هدفاً لدى البعض، من سعي حثيث سبق تلك المهمة ورافقها وتلاها، لتدويل الأزمة والتدخل العسكري في الشأن السوري بأشكال عدة منها الحظر الجوي والمناطق الآمنة والممرات الإنسانية.. و.. إلخ وذلك باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي استجابة لقرار من جامعة الدول العربية يكون غطاء وبساطاً للتدخل العسكري وفق قرار على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو حتى من دون قرار إذا وافقت أطراف في الناتو على ذلك. ومن المعروف جيداً ما يمكن أن ينتج عن تكرار السياناريو الليبي على الأرض السورية، ذلك السيناريو الذي كانت عناصر قوية من المعارضة ودول عربية وغربية تقول به وما زال بعضها يقول به حتى الآن، بوصفه حلاً لا بديل له للأزمة في سورية.. وهو حل كارثي لا يتحقق إلا بتدمير سورية وجيشها على الخصوص.. إنه الحل الذي ابتعد شبحه نسبياً ولكنه لم ينته ولم يتوقف خطره كلياً، ولا خطر بدائله التي يعمل عليها من يستهدفون الأمتين العربية والإسلامية وليس سورية فحسب بإشعال حرب أهلية تقوم على أسس طائفية لا تلبث أن تنتشر نارها في الهشيم العربي والإسلامي وتتوسع لتشمل المنطقة بأسرها.

 إن من يتابع الحشد السياسي ـ الإعلامي في هذا المجال، وما يعلن عنه في المؤتمرات والندوات واللقاءات، وفي المؤتمرات الصحفية والفضائيات، والكلامَ السياسي ذا الوجهين الذي يصدر عن مسؤولين فرنسيين وأميركيين وبعض العرب على الخصوص، ومن يتابع أيضاً الحشد والتجييش الإعلاميين الطائفيين البغيضين في بعض الفضائيات الممولة عربياً وإسلامياً، يرتعد فرقاً من تصميم أناس على إشعال نار الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة في المنطقة تحت مسميات وشعارات وذرائع شتى، ويأخذهم تطرفهم أو ما يرونه حماستهم المشروعة ويقينهم المطلق إلى مواقف وأحداث مدمرة للجميع، وتلك فتنة، إن اشتعلت لا سمح الله، فلن تبقي ولن تذر، وستخدم أعداء السنة والشيعة، وأعداء الأمتين العربية والإسلامية، وتضع الوطن العربي ودول العالم الإسلامي تحت الهيمنة المطلقة للغرب والصهاينة، فضلاً عن إعادتها العرب والمسلمين قروناً إلى الوراء وتجديدها لأحقاد تضاف إليها أحقاد تفرخ ولا تنتهي، وهي مما  قد تصغر أمامها معارك صفين والجمل وما في إطارهما من معارك كلفت الناس الكثير وتركت عقابيل وآثاراً مستمرة.. وسوف يميت ذلك قضايا وحقوقاً ومواقف تتصل بقضايا عربية عادلة وحقوق أخرى مشروعة، ويضعف الأمة ويكلف كثيرين من الناس حياتهم.

يعنيني بالتأكيد أن ينجح كوفي عنان في مهمته، ويعنيني أن ينتصر العقل وتسود المسؤولية السياسية والأخلاقية والوطنية عند الجميع ممن تعنيهم الأزمة السورية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأنه يعنيني أن تحقن دماء السوريين، وأن يتوقف زحف الموت والخوف والقهر والظلم والفوضى والدمار على بلدي وشعبي وأمتي، وأن ينبلج فجر جديد تعيش فيه سورية وشعبها حياة أفضل في ظل أمن من جوع وخوف ومساواة تامة بين المواطنين وكرامة لا يجرحها أحد، ويبتعد عنها وعن الأمتين العربية والإسلامية شبح الفتنة الطائفية والتعصب والتطرف الذي يجد من ينميه وينشره ويرشحه للتحرك في مواقع يشعلها، بعد أن سكن نفوساً كثيرة وأخذ يحركها.

 

دمشق في 6/4/2012