خبر لعبة دورية عسكرية -يديعوت

الساعة 11:56 ص|06 ابريل 2012

ترجمة خاصة

لعبة دورية عسكرية -يديعوت

بقلم: أودي عتسيون

(المضمون: مركبة جديدة بلا حاجة الى بشر يقودها يستعملها الجيش الاسرائيلي على الحدود الساخنة بين اسرائيل وغزة - المصدر).

بدأت المركبة تتحرك فجأة وهي تزداد سرعة. ومن الغريب عندي كثيرا ان أجلس مكتوف اليدين وأن أراها تحول مسارها بنفسها وأنا أرى إبرة مقياس السرعة ما تزال ترتفع وقدماي بعيدتان عن الدواسات.

أستطيع ان أقول في الدفاع عن نفسي أنه كانت لي عدة اسباب جيدة. فأنا أركب الآن سيارة التحكم من بعيد الكبرى في البلاد التي تعدّت الآن حد الثلاثين كيلومترا في الساعة وما زالت تسرع في طريق الكُركار المُغبرة.

تقود هذه المركبة الآن شاحف وهي جندية في التاسعة عشرة من عمرها. ولا يعني أنني أحاول أن أدخل حقل الألغام الجناسي – فأنا في الطريق الى حقل ألغام حي أكثر خطرا – غير ان شاحف تجلس في مكان ما في الخلف أمام حاسوبها تراقب الطريق بكاميرات رُكبت في المركبة وتبث الصور اليها فتوجه المركبة وأنا في داخلها كما في لعبة اولاد صغار.

غير أن هذه اللعبة فيها شيء واحد من العيب يفضي الآن الى تصبب العرق كثيرا لأنه لا أحد أجهد نفسه في ان يركب مكيف هواء في المركبة التي يفترض ان تكون بلا شخص يركبها في 99 في المائة من وقته.

هذا هو البدء فقط. توجد عن جانبي الطريق قنوات كان يجب علي لو كنت أنا الذي أقود بنفسي ان أُركز ذهني كي لا أقع فيها وأنقلب. وربما يكون الانقلاب خاصة أفضل من خيارات اخرى ستعرض لي فورا حينما تتعدى المركبة الاربعين كيلومترا في الساعة وتتابع التقدم من قاعدة كيسوفيم نحو منطقة عيشها الطبيعية وهي محور هوبرس الذي يفصل اسرائيل عن غزة والذي يبدو انه أخطر طريق في الشرق الاوسط. منذ زمن وهم لا يُسيرون فيه مركبات غير مدرعة، مثل ما أركبه الآن في الحقيقة، أي أنه يوجد تدريع لكن لحاسوب التحكم فقط. فالانسان في هذه السيارة هو الذي يوجد عنه بديل.

وآنذاك بعد لحظة من ازالة المكعب الذي يوضع على نحو عام على دواسة البلاستيك من اجل التزويد بالوقود بشكل دائم – رأيت بأم عيني هذا الارتجال المطلوب لجندية يجب عليها ان تجلس في نوبة حراسة 12 ساعة وراء مقود سيارة لا يحل فيها بشر، ولا أحد ظن انه يحتاج الى تحكم بحري – توقفنا شاحف من بعيد. تُجري السيارة انعطافة مدهشة وتبدأ الانطلاق نحو القاعدة واستطيع ان أُذكر نفسي بأنهم اذا كانوا يسمون هذا سيارة بلا بشر فليس لي ما أبحث عنه داخلها.

وتدوم هذه الفكرة دقيقة بالضبط الى ان يقترحوا علي جولة اخرى أكون فيها هذه المرة متحكما تحكما كاملا بهذه الأداة.

شكرا لوالد توم

ان حرب الاستنزاف التي تجري منذ سبع سنين تقريبا على الحدود بين اسرائيل وغزة يُنظر اليها باعتبارها ميدان قتال ساذجا للامن الجاري لا على أنه فخر حروب مدرعات مع الجيش السوري أو هجوم على ايران. لكن اذا تجاوزنا الأنباء العادية في نشرات الأخبار عن خلية مخربين تم تحديد موقعها قرب الجدار أو عن اغتيال آخر لخلية أوشكت ان تطلق صاروخ غراد على بئر السبع، فان الجيش الاسرائيلي يُتم هنا حرب الرجال الآليين الاولى.

يزداد استعمال سلاح الجو لطائرات بلا طيارين في مهمات استخبارية، وبحسب مزاعم الفلسطينيين ايضا في اطلاق صواريخ في مهمات هجومية واغتيالية. وان طائرات هارون ("شوفال") وهارون – تي.بي ("ايتان") من انتاج الصناعة الجوية و"هيرمس" 450 من انتاج "إلبت" وكلها طائرات بلا طيار، تطير في سماء غزة على الدوام تقريبا.

والآن بعد ان جمعت هاتان الشركتان تجربة كبيرة للوسائل الجوية أصبحتا تزودان الجيش الاسرائيلي ايضا بأول وسيلة برية لا يشغلها انسان في الطريق الى دخول أكبر لوسائل لا يُشغلها بشر الى ميدان القتال.

تسبق اسرائيل، كما حدث مع الطائرات بلا طيارين قبل ثلاثين سنة، سائر العالم بسنين كثيرة في هذا المجال، لأنه لا يوجد لأي جيش آخر مركبات لا يشغلها بشر للمراقبة العملياتية، ولا توجد لأية دولة وسيلة مسلحة كتلك التي ستُسلم الى الجيش الاسرائيلي قريبا. ويستعمل الامريكيون في افغانستان في اطار فحص عملياتي مركبات بغير بشر لمهمات إمداد، وبنى البريطانيون مركبة اولى كهذه لتحديد مواقع الشحنات الناسفة. ويحلمون بمركبة قتالية من غير بشر في لغات كثيرة، لكن لا يتحدثون سوى بالعبرية.

ان "غارديوم" (من الأصل اللغوي غارد) هو الاسم الرسمي للمركبة التي تنتجها شركة "جينيوس" المشتركة بين الصناعة الجوية و"إلبت". وهي في طور التطوير منذ عشر سنين تقريبا واختيرت الحدود مع غزة لتكون أول ساحة نشاط لها في الوقت الذي قدروا فيه زمن الانفصال أنه لن ينشأ هنا طراز جديد من الجدار الطيب.

ان أساس الـ "غارديوم" هو "توم كار"، وهي المركبة الميدانية الاسرائيلية الأصلية. وقد بدأ "توم كار" حياته على هيئة باغي خطط لها صاحب مصنع الانابيب يورام زرحي من اجل ابنه الصغير توم، ثم تطور ليصبح مصنعا ينتج مركبة مميزة اشترتها بنات 16 سنة من بلدات غنية في الشارون وصيادون ومتنزهون في الولايات المتحدة وقوات امن في أنحاء العالم.

بعد ذلك بعشرين سنة تقريبا أصبح توم ضابطا في الجيش الاسرائيلي وجُندت ايضا المركبة المسماة باسمه. وتسيطر محركات كهربائية على المقود وعلى الدواسات للتمكين من استعمالها من بعيد ورُكبت فيها كاميرات كثيرة لتحريك هذه الوسيلة ولجمع المعلومات.

خُطط في الأصل لأن تحمل هذه المركبة فوقها رشاشا ايضا ولتكون قادرة على الحركة بصورة مستقلة بواسطة برنامج حاسوب محكم يحلل بيئتها، لكن لم تنضج جميع التقنيات حتى الآن الى مستوى عملياتي. ففي هذه المرحلة تستطيع هذه المركبة ان تصدر اصوات اطلاق نار وهي قادرة في الضباب المنتشر كثيرا على حدود القطاع ان تتنكر في هيئة دبابة. ان قدرتها على التحرك بصورة مستقلة محدودة اليوم في عدد من المحاور خُططت سلفا وهي قادرة على ان تحرك نفسها بين نقاط محددة يحددها لها من يستعملها. ولا يشتمل استعمالها حتى الآن على الجبهة كلها كما خطط لذلك.

"نريد في النهاية مركبة برية تملك جميع القدرات التي لمركبة بلا بشر"، يقول المقدم الون روتبرغ، نائب قائد اللواء الجنوبي على حدود غزة. "ما يزال الجهاز في طور التطوير والاستعمال كله بمثابة تجربة بازاء امور نواجهها كل يوم. وهو يعمل في منطقة محددة في مهمات رقابة فقط، وما يزال يخدمنا باخلاص. هذه الوسيلة تُمكّننا من الاقتصاد في وصول ناس الى مناطق نظن وجود شحنات ناسفة فيها، ويمكن ان نضعه ايضا في نقاط ما بدل قوى بشرية".

لا تنقض الحراسة ولا يطرف لها جفن

كانت الاسابيع الاخيرة مشحونة بالنشاط بالنسبة لهذه المركبة. وفي احدى المرات مكثت مدة 106 ساعات، أي أكثر من اربعة ايام، ملاصقة للجدار بعد ان عُثر فيه على ثغرة، وكانت كاميراتها تنقل الى الخلف ما يحدث حولها في الليل والنهار. ومع التحذيرات التي لا تتوقف من اختطافات وخلايا مخربين مسلحة تُشهد على الحدود، ما كان أي قائد ليُمكّن مراقبين من البشر من المكوث هناك هذه الفترة الطويلة. وقد جرى تبديل المستعملات في القاعدة مرة بعد اخرى لكن هذه المركبة ظلت تراقب لا تنقض الحراسة ولا يطرف لها جفن. وفي الاستعدادات ليوم الارض في الاسبوع الماضي جاءت مستعملاتها ايضا لنوبات حراسة لمدة 17 ساعة متواصلة.

كانت نوبة حراستي أقصر. وبعد تبديل مايا بشاحف جلست من وراء المقود. "رجلَك على دواسة الفرامل" أمرتني في اللحظة التي حررت فيها الكابح اليدوي للمركبة التي انتظرتني على الشارع. ضغط دواسة الوقود والصورة على الشاشة يُبينان أننا نتقدم. ومن غير سماع المحرك تصبح القيادة في الحقيقة لعبة حاسوب لكنها أكثر تحديا. والكاميرات – ويوجد عدد منها ايضا يحيط بالمركبة من اجل تحديد الموقع – هي أداة الاتصال الوحيدة لي بالمركبة التي تتحرك الآن بسرعة عشرين كيلومترا في الساعة. وأنا لا أشعر بأمن لأضغط أكثر من هذا.

تقترب مركبة فأتحول جانبا في حذر وأقف وأدعها تمر. ولن أعلم هل سقطت على جانب طريق منخفض جدا حتى أرى متأخرا الصورة تنقلب قبل ثانية من ضرب الكاميرات الباهظة الكلفة بالارض. وسيكون عدم الشعور هذا ذا شأن أكبر حينما تصبح هذه المركبة مع سلاح ايضا. فحينما تطلق النار وتقتل شخصا ما فانك اذا كنت عاملا في دبابة أو في مركبة مدرعة تراه بعينيك على نحو عام. وأنت تشعر بالرصاص ينطلق وتشم رائحة الدخان. وترى الجثة من قريب احيانا. أما بالنسبة لمن يستعمل هذه المركبة المسلحة فسيكون الامر كأنه لعبة حاسوب. فهل سيؤثر هذا في سهولة اطلاق النار؟ وفي المشاعر التي يجب ان تكون لانسان قبل ان يسلب آخر حياته؟.

من حسن الحظ أنه استقر الرأي على حفظ قدرات القيادة الأصلية لهذه المركبة لحالات ينقلونها فيها لتزويدها بالوقود أو للاصلاح. واستطيع ان اشعر بأنني لم اشعر بشيء حينما قُدتها بواسطة كاميرا. تتسارع هذه المركبة الثقيلة ببطء مع وزن يبلغ نحوا من 1.4 طن وهو ضعف وزن الـ "توم كار" الخفيف ومع نفس محرك البنزين. وليس لي أي حقل رؤية أمامي تقريبا، وأنا أقود الى الخلف بواسطة التنبؤ.

أتوجه الى واحدة من السبل والاحظ فريق مدفعيين ينزلون طائرة بلا طيار أنهت مهمة في سماء غزة وهو أمر أوجب علي وقوفا طارئا. ويستمر ذلك وقتا طويلا شيئا ما بسبب وزن الأداة ومع أداء كهذا من العجيب انه قد سجل حتى الآن حادثة طرق واحدة بين هذه المركبة و "دود" (لاند روفر ديفندر مدرعة)، جعلت سيارة الجيب تتوجه الى المرأب ولم تضر بالمركبة هذه. ولم يسجل جرح أي انسان.

ان المخربين بالمناسبة الذين يطلقون النار على كل ما يتحرك في المحور تقريبا يتجاهلونه. فلم تصب أية مركبة من هذا النوع حتى الآن باطلاق نار. "نحن نُقدر أنهم يعلمون ان الحديث عن وسيلة من غير بشر، فمن التضييع اهدار الذخيرة عليها، لكنهم يفضلون في الأساس ألا يعرضوا أنفسهم للخطر بالكشف عن أنفسهم. للخلايا التي تطلق النار على قواتنا اليوم احتمالات بقاء منخفضة كثيرا"، يقول الملازم الاول افيداف غولدشتاين، قائد وحدة المركبات من غير بشر.

جاء غولدشتاين، وهو في الرابعة والعشرين، وكان يعمل قبل ذلك في غولاني، لتولي قيادة مستعملات المركبة والجندي غير البشري في السنة الماضية. "تعرفت هذه المركبة من قبل على خلايا بل اعتقلت فلسطينيا اقترب من الجدار ذات مرة. بدل ان نرسل فورا محاربين الى من يمكن ان يكون مخربا منتحرا، أرسلنا هذه المركبة مع نداء أمره بأن يخلع ملابسه للتحقق من انه لا توجد عليه شحنة ناسفة. وحينما رأينا على الشاشة ان هذا الشخص نظيف استُدعي محاربون لاعتقاله".

تتلقى النيران من كمين

يعرف غولدشتاين هذه الجبهة جيدا منذ الايام التي نشأ فيها وراء الجدار في نفيه دكاليم. وقد نفذ مهماته الاولى في المنطقة إذ كان فتى وقت الانفصال حينما حاول مع رفاقه ان يعيق الجنود الذين جاءوا لابعاد عائلته عن بيتها. "اليوم حينما أنظر الى ذلك من جهة البزة العسكرية تبدو تلك المحاولات بصورة مختلفة شيئا ما"، يقول. "كان يفترض ان أُجند لوحدة بحرية لكن بعد الاخلاء تخليت عن ذلك وجئت الى غولاني. وفي اللحظة التي عرضوا فيها علي هذا المنصب في هذه المنطقة لم أفكر مرتين. وهذه المركبة تسير الآن في المحاور التي نشأت فيها، فأنا أحرس البيت".

وغولدشتاين بصفته يتولى قيادة فريق مستعملات المركبة هو الذي يُستدعى لتخليص المركبة في حالة عطل.

أصبحوا في الجيش الاسرائيلي يعملون مع "جينيوس" على الجيل التالي الذي سيعتمد على مركبة أكبر وهو سيارة شحن صغيرة من طراز فورد 350 اشتريت بكميات كبيرة.