خبر النجاح وثمنه - معاريف

الساعة 12:29 م|30 مارس 2012

ترجمة خاصة

 

النجاح وثمنه - معاريف

 

بقلم: عوفر شيلح

(المضمون: الحرب ضد الارهاب الفلسطيني في العقد الاخير كان نجاحا عسكريا، اذا ما تعاطينا معه بالتوازن السليم، فانه يدل على قدرة الجيش الاسرائيلي على التغير، على التنظيم والتعلم - المصدر).

مشكوك فيه ان يكون كثير من هذه المواقف في تاريخ الجيش الاسرائيلي. في بداية 2002 وصل رئيس الاركان شاؤول موفاز لزيارة قيادة لواء جولاني، قرب بلدة غان نير في جبال جلبوع، على بعد مسافة قصيرة من جنين. في أثناء الاشهر التي سبقت ذلك بدأ الجيش الاسرائيلي بنقل ألوية المشاة النظامية الى نشاط جارٍ في المناطق: قائد لواء جولاني اللواء موشيه (تشيكو) تمير لم يدرج على ابقاء افكاره لنفسه. إذا كانت العمليات تخرج من مخيمات اللاجئين، قال تشيكو للقيادة الجيش العليا، كيف يحصل اننا لسنا هناك؟ يمكن اعطاء الف تفسير لماذا لا ينبغي عمل ذلك، يمكن القول ان قائد لواء جولاني يتحمس، ولكني أخجل من أن أكون قائد لواء في جيش كهذا. أعطِ الأمر، أضاف تمير وهو ينظر مباشرة الى موفاز، ونحن سنعرف كيف نفعل هذا.

ليست أقوال تشيكو تمير هي التي أدخلت الجيش الاسرائيلي الى مخيمات اللاجئين. أقواله تمثل فقط الفارق بين روح القوات في الميدان والتي استصعب قادتها التعايش مع الوضع الذي يقتل فيه المدنيون كل يوم والجيش الاسرائيلي منشغل باعمال تبدو له عديمة الغاية، وبين المعاضل التي اشغلت بال القيادة العليا والقيادة السياسية. هذا فارق دائم، توتر بنيوي بين الجياد المندفعة، على حد قول موشيه ديان، والصورة الكبرى. ولكن من المهم أن نتذكرها هي ايضا عندما نبحث في مسألة ما الذي له صلة باليوم بين أحداث "السور الواقي".

سجلوا ابتكارا

في نهاية المطاف، انطلقت اسرائيل الى السور الواقي لانه بلغ السيل الزبى. فالعملية في فندق بارك كانت مذبحة اجرامية اكثر من كل ما سبقها، ولم يكن شك في أنه يوجد المزيد على الطريق. بالتوازي، شعرت حكومة شارون بان مسألة الشرعية الدولية لم تعد قائمة: الوضع تطلب عملية، وحتى آخر المؤيدين لعرفات فهموا بان اسرائيل لم يعد يمكنها أن تتجلد وأن تحتوي. مسألة الشرعية تطاردنا في كل المواجهات الاخرى، والتي ينظر فيها الى اسرائيل بانها الطرف القوي والعملية نفسها تنطوي على احتكاك عالٍ مع سكان مدنيين. لقد اثبت التاريخ بانه في معظم الحالات، تتكيف الانظمة في العالم مع العملية الاسرائيلية. التآكل والضرر بمكانتنا هما أبطأ وأوسع.

الشرعية الداخلية كانت قائمة على أي حال، ولكن شارون عززها بتجنيد كبير للاحتياط. منذ حرب لبنان الاولى اتخذت الحكومات جانب الحذر في تجنيد الاحتياط واستخدامه، درس أليم من الاحتجاج الذي أدى في نهاية المطاف الى انسحاب من لبنان وساهم في الانكسار النفسي لمناحيم بيغن. شارون، الذي اكتوى شخصيا في ذاك الاحتجاج، عرف بان هذه المرة تجنيد الاحتياط سيعزز أكثر فأكثر أجواء الطوارىء التي ستبرر ايضا عملية تكف اصابات. ومع ذلك، فان استخدام الاحتياط جرى بحذر، والحدث القاسي في جنين زاده فقط. في نهاية المطاف "السور الواقي" عززت فقط الاحساس في قيادة الجيش الاسرائيلي بانه خلافا لنظرية الاستخدام الكلاسيكي للجيش، في القتال الحالي على الحسم أن يأتي بالقوات النظامية: لهذا أيضا كان تأثير على ما جرى في حرب لبنان الثانية.

في الاشهر ما قبل السور الواقي، بدأ الجيش الاسرائيلي التصدي للمسائل التكنوقراطية – التكتيكية للعملية في المناطق المدينية المكتظة للقصبات ومخيمات اللاجئين. وحداته الميدانية تجيد عملها بشكل عام على الفور، وفي ظل الحركة ابتكرت أساليب مثل اقتحام الحيطان من بيت الى بيت، مما أتاح عبورا آمنا نسبيا ضد نار القناصة والعمليات الانتحارية، أو استخدام فريق المفاوضات لدى هيئة الاركان، والذي كان مخصصا بالاصل لاوضاع العملية – المساومة على الرهائن، وذلك لتفكيك أوضاع تمترس دون حاجة الى نار كثيفة.

المشكلة بدأت في وقت لاحق، عندما بدأت هذه الابتكارات تصبح اسطورة. فقد تباهى القادة الميدانيون بسياقات التعلم السريعة لديهم؛ التغطية الاعلامية (بما في ذلك داخل الجيش) لهذه الاساليب والاعمال كانت تشبه بقدر أكبر التغطية للالبومات النصر بعد حرب كبيرة. بعد "السور الواقي" سألت الكثير من قادة الالوية الذين شاركوا في الحملة سؤالا مشابها: بكم من المقاومة المنظمة اصطدمتم؟ والجواب كان "قليلا جدا" ("كانت خلية تنصت واحدة قرب المقاطعة، غفت في المكان"، روى تمير، "وقوتي التي تبجحت التقطتها"). ولكن معظم القادة نسبوا هذا النجاح الى الحكمة والمفاجأة من جانب الجيش الاسرائيلي.

ولما لم يكن في هذا بحد ذاته ضرر، الا أنه في السنوات القادمة تحول القتال في المناطق الى نوع من الاسطورة. بعد أربع سنوات من ذلك، قال القادة اياهم، وعن حق شديد، ان حقيقة أن قائد سرية لم يسر على مدى السنين في الليل مع سرية كاملة خلفه كانت أحد الاسباب الاساس للاداء الفاسد للجيش في حرب لبنان الثانية.

 

يريدون ضربة واحدة وانتهينا

الامور لا تكتب هنا للذع، بل للاشارة الى شر مرض لا ينجح الجيش الاسرائيلي في التخلص منه: كجيش فاعل مواظب، يميل الى توظيف افضل وحداته في القتال في الوقت اياهن الامر الذي هو أهون الشرور. بالتوازي، فانه لا يقيم منظومات تفحص مدى الضرر اللاحق بقدرته على التصدي في أنواع اخرى من القتال قد تكون ضرورية من اليوم الى الغد، ويقنع نفسه والمسؤولين عنه، الذين هم في معظمهم ان لم يكونوا كلهم من خريجي الجيش أنفسهم، بأن ما نفعله اليوم ذو صلة بكل شيء. مع كل الاحاديث عن اعادة بناء الجيش بعد لبنان، مشكوك ان يكون هذا الانحراف الذهني قد سوي حقا.

ليس أقل اهمية ان نتذكر بان السور الواقي لم تقضي على الارهاب. فالعمليات استمرت، وفي حزيران 2002 قتل 57 اسرائيليا في عمليتين كبيرتين في القدس. وانطلق الجيش الاسرائيلي الى حملة "طريق مصمم"، ولكن كانت حاجة الى سنتين أخريين الى أن كان ممكنا الاعلان بان الارهاب بات بالفعل في ميل هبوط واضح وان السيطرة على الارض عادت الى أيدي اسرائيل. هذه ليست ملاحظة عن جودة أداء الجيش بل عن الميل الدائم لدينا في ان نعزو النجاح الى حملات موضعية، مهما كانت ناجحة، وليس الى عملية منهاجية مع منطق بعيد المدى.

الحرب ضد الارهاب الفلسطيني في العقد الاخير كان نجاحا عسكريا، اذا ما تعاطينا معه بالتوازن السليم، فانه يدل على قدرة الجيش الاسرائيلي على التغير، على التنظيم والتعلم.  ودون صلة بالظروف التي أدت الى اندلاع الانتفاضة الثانية واشتعال حرب الارهاب، الامور التي تعد اسرائيل مسؤولة عنها بقدر غير قليل، شكك الكثيرون في قدرة اعادة السيطرة على الضفة والوصول الى الوضع القائم فيها منذ سنوات عديدة.

ليس أقل من ذلك، فانه يدل كم هي اعمال القوة الاسرائيلية عديمة الاتصال والهدف الاوسع، وكم هو الجيش الاسرائيلي والمسؤولون عنه يميلون الى التركيز على نجاحات تكتيكية، ويتجاهلون الصورة الواسعة – ليس فقط صورة الغاية السياسية بل وايضا الاثار غير المرغوب فيها التي لكل نجاح على الجيش نفسه. شيء واحد فقط تغير منذئذ: مشكوك جدا أن يوجد اليوم قائد لواء يرفع عينيه الى القيادة العليا ويتحدث مثلما تحدث تشيكو تمير.