خبر القطيعة مع الامم المتحدة صفعة منا لأنفسنا -هآرتس

الساعة 09:27 ص|28 مارس 2012

القطيعة مع الامم المتحدة صفعة منا لأنفسنا -هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

        (المضمون: ليست لجنة التحقيق في شؤون المستوطنات التي انشأها مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة محتاجة الى تعاون حكومة اسرائيل في تحقيقها - المصدر).

        ان استقرار رأي مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة على انشاء لجنة تحقيق في شؤون المستوطنات ليس المشكلة. فهذه اللجنة لن تكشف عن شيء لم يكن معروفا منذ سنين للادارة الامريكية ودول الرباعية والاتحاد الاوروبي وكل صديقات اسرائيل. ولن يتم الكشف عن أي شيء مخبوء فجأة. فأضرار المستوطنات ظاهرة وموثقة ومفصلة بآلاف الوثائق التي قد اصفرت.

        ولن تفاجيء النتائج ايضا الامم المتحدة باعتبارها منظمة لأن المشكلة ليست التحقيق في أضرار المستوطنات بل في حقيقة الضرر الذي أحدثته باذن حكومات اسرائيل وتشجيعها. ان اسرائيل تسيطر على اراض على نحو ظاهر ومعلن وبلا خوف وتمنع تنقل المدنيين وتصادر كما تشاء اموال السلطة الفلسطينية، وتُطبق نظم قوانين منفصلة على اليهود والفلسطينيين.

        ولا يحتاج الفلسطينيون ايضا الى لجنة التحقيق هذه لأنه منْ مثلهم يعيش أضرار المستوطنات ومنْ مثلهم يدرك ان صورة رينتغن التي ستعرضها اللجنة ليست بديلا عن علاج مرضهم الخبيث. ان مواطني اسرائيل خصوصا هم الذين يحتاجون الى لجنة تركز من اجلهم ملفا منظما يشمل سلسلة المظالم والجرائم التي تفعلها الحكومة والمستوطنون باسمهم، انهم محتاجون لكنهم ليسوا مهتمين في الحقيقة.

        ان الخوف من اللجنة هو ان تبرهن على ان اسرائيل ليست وحيدة مرة اخرى. فسيريلانكا وايران والصين وسوريا وروسيا وليبيا ايضا تبغض مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. أعلنت روسيا يوم السبت أنها ترفض قرار المجلس في شأن سوريا لكونه "من طرف واحد" ولأنه لا يلقي مسؤولية ايضا على المعارضة السورية بسبب القتل والمس بحقوق الانسان. وهي صيغة تشبه كثيرا الصيغة الاسرائيلية التي تعلل لماذا ينبغي عدم التعاون مع اللجنة.

        "ينبغي عدم الرد حتى على مكالمة هاتفية من اللجنة"، بهذا أمرت وزارة الخارجية مندوبيها. أهذه بطولة سياسية؟ أهي ثبات صلب في مواجهة عدو؟ نشك في هذا. يبدو ان الذعر الاسرائيلي يشهد أكثر من كل شيء بأن الفلسطينيين الذين لا دولة لهم نجحوا في انشاء منظومة وسائل مجتمعة لمواجهة اسرائيل: فكلما تبنى عدد أكبر من وكالات الامم المتحدة السلطة الفلسطينية بصفتها دولة ستمضي اسرائيل وتُبعد نفسها عن المنظمة وهي لعبة حاصلها صفر.

        صحيح ان الامم المتحدة على اختلاف مؤسساتها هي جبهة صعبة ومعادية لاسرائيل احيانا. والعيب الرئيس فيها أنها لا تستطيع العمل إلا حيث يسمحون لها بذلك. وأصح من ذلك أنها تفعل ذلك حيثما لا يخشون ضررها. ويصعب عليها ان تحل صراعات دولية أو تمنع حروبا أو ترمم أضرارها. وتُستخدم في الأساس حلبة ألعاب للقوى العظمى لا لسائر الدول التي تحتاج الى حمايتها. لكن قوتها الرئيسة هي في قدرتها على إساءة سمعة كثيرا لمن يركل قواعد اللعب المستعملة فيها حتى لو كان الحديث عن قوة من القوى العظمى.

        حينما استخدمت روسيا نقض اقتراح قرار بشأن سوريا أصبحت في نظر العالم الغربي والعربي (لا في نظر اسرائيل) دولة شريرة؛ وحينما استعملت الولايات المتحدة نقض اقتراح قرار بشأن التنديد بالمستوطنات تلقت انتقادا عظيما لا من الدول العربية وحدها.

        نشك في وجود دولة ترى الامم المتحدة ساحة عادلة، لكنها هي الساحة الوحيدة التي تتبلور فيها معايير معقولة ومتفق عليها تقريبا لسلوك الدول، وهي التي تمنح مصطلح "المجتمع الدولي" الذي يريد الجميع حتى اسرائيل الانتماء اليه، تمنحه معنى ما.

        وهكذا برغم السخرية العميقة وصراع اسرائيل التاريخي مع الامم المتحدة تضطر القدس ايضا الى معاملة المنظمة بكامل الجدية. فهي تطلب اليها ان تفرض عقوبات على ايران؛ وأدركت متأخرة جدا ما هو معنى رفضها التعاون مع لجان تحقيقها (كما حدث في قضية غولدستون)؛ وهي تعرض عليها اخلالات لبنان الامنية؛ وحاربت عن براءة الصهيونية حينما عُرفت بأنها عنصرية؛ وهي مدينة لها بالطبع بالاعتراف بحقيقة وجودها بصفة دولة.

        لا تحتاج لجنة التحقيق من الامم المتحدة الى تعاون حكومة اسرائيل. فقد رتبت أمورها بصورة جيدة جدا في سوريا وايران والصين وسيريلانكا ايضا من غير تعاون حكوماتها. وهكذا تُرى هذه الحكومات وهكذا تُرى اسرائيل ايضا. ونحن نعلم. لكن الشيء الأساسي هو ألا يمزقوا عن وجوهنا القناع وأن يتركوا لنا لباس التنكر.