خبر بين تولوز والمجمع التجاري في القدس -هآرتس

الساعة 09:30 ص|25 مارس 2012

بقلم: جدعون ليفي

 (المضمون: أكثر المسؤولون الاسرائيليون والاعلام الاسرائيلي الصراخ والندب والعويل بسبب ما حدث في تولوز لكنهم جميعا صمتوا عن ضرب مشجعي بيتار القدس في المالحة للعمال العرب في المجمع التجاري - المصدر).

        كان صوت الرجل عاصفا. هاتف في ساعة متأخرة من المساء وتحدث عن "عملية تنكيل"، كما قال تمت قبل بضعة ايام في المجمع التجاري في المالحة في القدس. وكان هائجا اهتياجا خاصا باعتباره كان في الماضي يترأس واحدا من اجهزة فرض القانون في اسرائيل، بازاء حقيقة ان الحادثة لم تحظ بأي ذكر في وسائل الاعلام ولم تعتقل الشرطة أحدا.

        تبينت الصورة أول أمس بكامل خطرها، فقد نشر عوز روزنبرغ في صحيفة "هآرتس" أنه في مساء يوم الاثنين الماضي داهم مئات من مشجعي بيتار القدس المجمع التجاري، وشاغبوا بعنف وقسوة وهتفوا هتافا عنصريا وبصقوا على عاملات عربيات وضربوا بالهراوات وبالركل وقبضات الأيدي عشرات من العمال العرب في المجمع التجاري في المالحة. "أمسكوا بعدد من العمال وأشبعوهم ضربا"، قال صاحب حانوت، "ورموا ناسا داخل حوانيت وطرحوهم على الواجهات وكان ضرب بقبضات اليد وركل وما شئت من شيء"؛ وقال المدير العام للمجمع التجاري، جدعون ابراهمي، انه لم ير قط "حادثة مخجلة ومزعزعة وعنصرية وعنيفة كهذه"، وبادر في الغد الى جمع العمال العرب بصورة تستحق المدح والاعتذار لهم؛ وتساءل عامل آخر: "كيف تستطيع ان ترى شيئا كهذا ولا تفعل شيئا؟".

        اجل، لم يفعل أحد شيئا. فقد كان مئات الشهود حاضرين في المكان وجرى توثيق الحادثة بكاميرات الحراسة وجاءت الشرطة – ولم يُعتقل أحد ولم يُجهد أحد نفسه في ابلاغ وسائل الاعلام (سوى معرفتي الذي كان في الماضي من مطبقي القانون).

        في ذلك اليوم نفسه حدثت المذبحة في تولوز، وبرغم أنها أعنف وأفظع بكثير، فان خطا مستقيما يصل بينها وبين الشغب العنيف في المالحة – فكلتاهما جريمة كراهية عنصرية. فمن يصمت الآن عن المالحة فسيحصل ايضا على تولوز في القدس؛ اليوم بالعصي وغدا بالبنادق.

        لا يصعب ان نتخيل ماذا كان سيحدث لو ان مئات من الفرنسيين داهموا مجمعا تجاريا في تولوز وضربوا عماله اليهود: كانت اسرائيل والجماعة اليهودية ستقيمان الدنيا ولا تُقعدانها. وكان رئيس الجمهورية سيبادر الى الوصول الى تولوز ويلتقي ممثلي الجماعة اليهودية ويعبر عن صدمته واعتذاره. وكان رئيس حكومتنا ووزير خارجيتنا سيتنافسان في التعبير عن الزعزعة، وكان أصحاب أعمدة صحفية سينشرون مقالات حماسية عن معاداة السامية والعنصرية اللتين رفعتا رأسيهما في اوروبا. وكان الجميع سيتفقون على ان اليهود ضُربوا (مرة اخرى) لكونهم يهودا فقط. وفي مقابل هذا، لا يصعب ان نتخيل ايضا ماذا كان سيحدث لو ان مئات من العرب داهموا المجمع التجاري في القدس وضربوا عماله اليهود. كان عشرات من المشاغبين سيُعتقلون ويحاكمون. لكن حينما يصل الامر الى المشجعين الاسرائيليين ذوي اللباس الاصفر يُغفر كل شيء ويُطمس على كل شيء كان لم يكن. فلا يُعتقل أحد ولا يُبلغ أحد تقريبا، وحينما يُنشر الامر ايضا يستصوب مدير المجمع التجاري وحده التعبير عن الاعتذار للعمال الذين ضُربوا لكونهم عربا فقط.

        ليس الحديث عن حادثة مفردة أو شاذة بالطبع. فـ "حاشية" البيتار ضربت مرة اخرى، وليست هذه أول مرة. فهذا يبدأ بنشيدهم القومي والعنصري ثم يمر بالضرب وينتهي الى القتل. وتحدث أحد الشباب المشاغبين في الغد بفخر (الى ابنة معرفتي) عما فعل مع رفاقه البارحة. وتبين ان العنف بالعرب يُفرح قلب الانسان: فقد فاز البيتار في نهاية الامر وكان يجب "الاحتفال" على نحو ما. هذا تسعير: ولا يصعب ان نتخيل ماذا كان سيحدث لو أنه خسر.

        اجل، كان يجب اعتقال جميع المُنكلين ومحاكمتهم. وأجل كان يجب منذ زمن علاج مشجعي بيتار القدس الى حد حل فريقهم العنصري. لكن المشكلة أعمق كثيرا من مساحة ملعب تيدي، بل أعمق من موسم بيتار الصعب. ان حقيقة ان جريمة كراهية كهذه لا تكاد تحظى بتطرق اليها في اسرائيل أخطر من الضرب في المالحة. فالشرطة تمهد ومئات من الشهود يصرفون أبصارهم، لم يروا ولم يسمعوا، ومن ذا يهمه. في الوقت الذي يقتل فيه ارهابي في تولوز اولادا بلا رحمة يشاغب عندنا مئات من الشباب لم يقتلوا بعد لكنهم يهددون بفعل ذلك. ان "الموت لليهود" في تولوز قد تحقق لمزيد الفظاعة وزعزع العالم. أما "الموت للعرب" في المالحة الذي لم يتحقق بعد لمزيد السعادة فهو عمل أيدينا ولا يثير عندنا أي دهشة سوى دهشة الشراء للعيد الذي استمر في الغد في المجمع التجاري وكأن شيئا لم يحدث.