خبر قراءة في ضوء البيان الرئاسي الدولي.. علي عقلة عرسان

الساعة 04:52 م|23 مارس 2012

 

 

 

بعد صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن الدولي بشأن سورية بتاريخ 21/3/2012 قالت روسيا الاتحادية إن الدول الغربية تحركت باتجاه مواقفها المبدئية من الأزمة التي لم تتغير، وقالت الولايات المتحدة بلسان وزارة خارجيتها إنها لم تغير مواقفها من الأزمة أيضاً.. فكيف يمكن أن نفهم هذا بعد أن طالب كل من الفريقين الدوليين الآخر بالتحرك من أجل توافق، وبعد تبادل اتهامات بتعطيل مجلس الأمن الدولي نتيجة: لأجندات خاصة، وحسابات انتخابية، ومواقف مسبقة غير متوازنة من الأزمة، ومواجهة حادة لهيمنة قطب وحيد الطرف على السياسة الدولية بقوة رافضة لتلك الهيمنة، تعلن بقوة وثبات أن ذلك عهد مضى وانقضى.؟!

من الأهمية بمكان، قبل تلمس إجابة على التساؤل المطروح آنفاً وتخمين اتجاهات رياح الأزمة في سورية، الإشارة إلى الآتي:

1 ـ أن ما صدر عن مجلس اللأمن الدولي هو بيان رئاسي غير ملزم، ولكنه ليس بلا معنى ولا دلالات أو تأثير.

2 ـ  وأن مهمة كوفي عنان، بوصفه مبعوثاً دولياً، تحتاج إلى موقف داعم لها من القوى الكبرى في المجلس وإلا أصبحت بلا معنى وفشلت قبل أن تبدأ.

3 ـ  وأن معطيات جديدة، سياسية ومعلوماتية وعسكرية ـ أمنية على الأرض، أعطت لكل كتلة دولية ما جعلها تعيد النظر، ولو جزئياً، ببعض مواقفها من الأزمة السورية وأطرافها وكيفية التعامل معها، ونذكر من ذلك: الأبعاد التي يمكن أن تكون للأزمة على المنطقة بكاملها إذا تحولت إلى عسكرة، فحرب أهلية، فصراعات طائفية ومذهبية دامية..إلخ. وسيطرة الجيش السوري على الأماكن التي كانت ساخنة وتحوله إلى ملاحقة قوى مسلحة في مواقع محددة من سوريةـ وتصدع المعارضة السورية في الخارج والداخل، وتباين مواقفها من التسلح والحلول والحوار.

4 ـ إعادة قراءة للمشهد السياسي السوري من الداخل بعد:

ـ صمود النظام وبقائه دون تصدع طوال عام من الأزمة الحادة، رغم تحرك المعارضين والمسلحين، والضخ الإعلامي، والعقوبات والاقتصادية، والفعل السياسي والدبلوماسي العربي والدولي الكبير والكثيف الذي عمل على إسقاطه.

ـ التفجيرات التي استهدفت مدنيين وبنى تحتية في دمشق وحلب، وقفت جهات خارجية وراءها أعلن بعضها عن نفسه صراحة. إضافة إلى عمليات تخريب واسعة النطاق.

ـ الوقوف على توجه قطاعات شعبية واسعة في سورية من الأزمة، عبرت عن نفسها بأشكال مختلفة، وكررت ذلك على مدى زمني طويل، وارتفعت وتيرة أدائها بعد التفجيرات الأخيرة لسيارات مفخخة، وهي قطاعات ترفض التدخل الخارجي، والعسكرة، والانفلات الأمني، وجعل سورية أداة بيد من يحرك الأحداث فيها.. وترفض الظلم والفساد والممارسات الخارجة على القانون، وتعلن تمسكها بإصلاح جذري شامل وراسخ، وديمقراطية هادئة هادفة سليمة، وبمقومات المواطنة في وطن حر قوي عزيز، وبالحرية والكرامة والمساواة التامة بين أفراد الشعب.. بعد أن وصلت رسائل واضحة حول ذلك كله وعن سواه إلى كل من يعنيه الأمر.. وبعد إقرار دستور جديد هو عملياً نظام جديد عند تطبيقه باحترام ودقة وحرص على روح النص ومصالح الشعب والوطن والأمة العربية التي تشكل سورية قوة رئيسة تاريخية في تكوينها وهويتها وثوابتها ونضالها وتطلعاتها.

وفي عودة إلى تلمس إجابة على السؤال أو التساؤل الأساس الذي انطلقنا منه بداية نقول: إن كلاً من الكتلتين الدوليتين الكبيرتين المعنيتين بالأزمة السورية قدمت في الظاهر شيئاً لمهمة عنان ولكنها لم تتنازل عن شيء من ثوابتها أو استراتيجياتها السياسية الأساسية. لقد غيرت تكتيكها المتبع ولم تغير جوهر استراتيجيتها في العمق، مع وجود تفاوت بين تحرك هذه الكتلة أو تلك نتيجة حسابات داخلية خاصة ومعلومات ومعطيات يصعب تجاهلها.

فالولايات المتحدة الأميركية التي تأكدت من أن انكشاف تدخل جهات تناصبها العداء علناً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على خط الأزمة السورية، شدت العنان قليلاً لأحصنتها المنطلقة في ساحات الفعل والقول، وفعل الغرب مثلها، ولكنها بقيت على تعهداتها لحلفائها وحافظت على ما قطعته على نفسها ولم يتخلَّ عما تقوم به في السر على الأقل منذ بداية الأزمة، لجهة الابقاء على السلاح بيد المعارضة ودعم ذلك التوجه والتشجيع عليه لإسقاط النظام بكل الوسائل ومنها القوة.. واتجهت بحلفائها إلى تكتيك جديد بعد اتفاق لافروف مع وزراء الجامعة العربية على برنامج النقاط الخمس، فسايرت الحل السياسي الذي أصبحت مهمة عنان رأسه، وأوعزت لمن يقولون بتسليح المعارضة علناً من الرسميين العرب وغيرهم، بإسناد هذه المهمة إلى جهات شعبية تقوم بذلك بأساليب مغايرة لتلك التي يمكن أن تقوم به حكومات يلزمها القانون الدولي بغير ذلك، حيث يتم تحقيق الهدف بدعم سري رئيس من الحكومات الملتزمة بذلك النهج، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.. ولكن على كل طرف التزاماته المتفق عليها.

أما روسيا الاتحادية ومن معها في الكتلة الدولية الثانية فقد رأت أن تغير من نبرة خطابها بشأن النظام في سورية حيث أكدت أنها تؤيد مبادئ وثوابت تتعلق بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وبسياسات دولية ثابتة، ولكنها لا توافق على مواقف وقرارات اتخذها الرئيس بشار الأسد والنظام في سورية.. وأكدت أنها مع الشعب وأنها لا تفرض النظام، ولكنها تحول دون التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد ومنها سورية، وتعمل على وقف العنف من أي طرف كان وعلى اللجوء إلى الحوار للخروج من الأزمة التي ينبغي أن تحل بأيدي السوريين وحدهم، وبما يحفظ سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً، ويقضي على مخاطر حرب أهلية تتهدد المنطقة كلها وتمتد إلى ما هو أبعد منها.. وفي هذا نظرة مستقبلية ومقاربة لأية احتمالات، وهو أيضاً توافق مع جوهر مهمة كوفي عنان عملياً، وهذا ما تضمنه البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي..

في النتائج النهائية للتحرك الدولي خلال سنة مضت على الأزمة السورية كان الثبات والنجاح الدبلوماسي والسياسي من نصيب الكتلة التي تقودها روسيا الاتحادية، لأنها أحبطت مساعي غربية وعربية بالتدخل في الشأن السوري يتم على البند السابع من الميثاق بغطاء دولي، في تكرار بغيض وكارثي  للسيناريو الليبيي في سورية، ووضعت السياسة الغربية في الزاوية الضيقة حيث كشفت نهجها وأساليبها وخروجها على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وثبتت توجهاً سيكون له شأنه وما بعده في السياسية الدولية، وهو نهج يقول: "لقد انتهت هيمنة القطب الواحد على السياسة الدولية، "أي القطب الأميركي"، ويبشر بولادة كتلة دولية تقابل الكتلة الاستعمارية الغربية، فيها من الكم البشري ما يزيد على 60% من سكان الكرة الأرضية، ويملك من القوة المالية والبشرية والاقتصادية والعسكرية ما لا يمكن إغفال قدرته وتأثيره على المستوى الدولي في كل مجال.   

ولكن لا ينبغي مجاوزة نقاط هامة تضمنها البيان الرئاسي مما أراه يخدم الاستراتيجية الغربية حيال الأزمة السورية، وهي الاستراتيجية التي أشرت إلى أنها لم تتغير وإنما الذي تغير هو التكتيك الموصل إلى أهدافها، وعدم تغيرها لا يعني نجاحها بالضرورة في تحقيق تلك الأهداف. ومن ذلك الذي تضمنه البيان مما أراه زرع بعناية ليوفر تدرجاً إلى المقاصد الغربية ـ العربية التي أشرت إلى أن بعضها يسعى في نهاية المطاف إلى تكرار السيناريو الليبي في سورية ولو بصورة معدلة قليلاً. وفي هذا الصدد أذكر إشارة البيان في الحيثيات إلى " وقرارات جامعة الدول العربية ذات الصلة." وبينها قرار تنحي الرئيس عن السلطة"، والطلب إلى المبعوث أن يطلع المجلس بانتظام، وفي الوقت المناسب على ما يحرزه من تقدم في مهمته. وإلى أنه " في ضوء هذه التقارير سينظر مجلس الأمن في اتخاذ تدابير أخرى". ومعنى هذا أن الأزمة السورية أدرجت عملياً على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي بدورية ما، وأن تدابير أخرى ستتخذ بشأنها، في ضوء تقارير المبعوث الدولي الذي تصطدم مهمته منذ الإعلان عنها برفض أطراف في المعارضة لها ولأي حوار مع النظام، ومن ثم تمسكها بالتسلح وبتكرار السيناريو الليبي في سورية.

وبعد فهل سيجعل البيان الرئاسي الدولي من مهمة كوفي عنان: فرصة ضائعة، أم سلالم نجاة لأطراف الأزمة، أم مدخلاً تدرجياً لوضع الملف السوري بمتناول الدول والقوى التي تريد أن تتدخل في الشأن السوري تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهو ما تحول روسيا والكتلة الدولية التي معها دونه.؟!

 

دمشق في 23/3/2012