خبر حتى الجولة التالية -معاريف

الساعة 09:53 ص|19 مارس 2012

حتى الجولة التالية -معاريف

بقلم: عاموس جلبوع

        (المضمون: برغماتية نتنياهو وباراك في الموضوع الفلسطيني والتي تنبع من تركيزهما على ايران تؤدي الى التسليم بصواريخ الجراد. هذا سيستمر الى أن تتعرض تل أبيب الى الهجوم - المصدر).

        رغم عودة الحياة الى مسارها الطبيعي في الجنوب، فان التعبير الدارج على لسان الجميع في أعقاب الاحداث الاخيرة في قطاع غزة بقي "الجولة". ومن يستخدم هذا التعبير على نحو أوسع هي محافل الجيش والحكومة. فهم يتحدثون صراحة عن "الجولة الحالية" وعن أنه في "الجولة التالية" سيرد الجيش الاسرائيلي بقوة اشد. هنا، برأيي، يوجد الفشل الاستراتيجي الاكبر لدولة اسرائيل.

        ماذا يعني الامر؟ نحن لا نعترف على الاطلاق بمفهوم "الجولة" في الحدود الشمالية منذ حرب لبنان الثانية. هناك لا توجد جولات، سكان شمالي الدولة لا يعيشون قلقا يوميا: متى تبدأ الجولة الجديدة، متى يتوقف شل الحياة اليومية في أعقاب انهاء "الجولة الحالية"، ومتى سيتوقف "وقف النار الهش"؟ وذلك لان حرب لبنان الثانية، رغم حقيقة أن الجيش الاسرائيلي تكبد فيها اخفاقات عديدة، انتجت انجازا استراتيجيا: حدود هادئة، ردع متواصل، نصرالله في الخندق. صحيح أن حزب الله تعاظم جدا بالسلاح، ولكن الضربة التي تلقتها المنظمة من سلاح الجو الاسرائيلي كانت قوية بما يكفي لشلها عن كل رغبة في العودة الى "الجولات" التي كانت قبل حرب لبنان الثانية. اولمرت كان في حينه رئيس الوزراء، بيرتس وزير الدفاع وحالوتس رئيس الاركان. بعد قليل ستمر ست سنوات على تلك الحرب.

        في حملة رصاص مصبوب قبل أكثر من ثلاث سنوات بقليل، لم يتحقق أي انجاز استراتيجي. وحتى انجاز اغلاق الحدود بين القطاع ومصر لمنع تهريب السلاح لم يتحقق. وزيرة خارجيتنا في ذاك الوقت، لفني، حققت ظاهرا موافقة من الولايات المتحدة ودول غربي اوروبا لمكافحة تهريب السلاح. وقد تبين هذا كترهات. الانجازات كانت تكتيكية فقط: مئات من رجال حماس قتلى، قليل من القتلى للجيش الاسرائيلي، وقف النار الكثيفة المتواصلة على سديروت لفترة محدودة. "الانجاز" الاستراتيجي الوحيد كان "تقرير غولدستون" الشهير، الذي الحق لنا ضررا غير عادي بالوعي. الحملة ضيعت، ببساطة المعنى، لانه لم تكن فيها أي محاولة للوصول الى أي انجاز استراتيجي. وقد اوقفت عمليا في الوسط. هنا ايضا اولمرت كان رئيس الوزراء، ولكن القيادة الامنية تغيرت: باراك كان وزير الدفاع واشكنازي رئيس الاركان.

        النتيجة هي جولات من النار. سياسة نتنياهو – باراك تسلم مسبقا بهذه الجولات، وهي تقول تقريبا ما يلي: نحن حذرون ومتزنون، لا نريد أن ننجر، لا نريد أن يصرفون عن التركيز الاكبر على العدو الايراني، وتوجد مصر التي نحن ملزمون بمراعاتها؛ علينا أن نكون صبورين وان نفهم بانه في الحرب ضد الارهاب لا توجد انتصارات عظمى. باختصار، نحن برغماتيون، ونحن مستعدون لان يدفع مليون من سكان الجنوب لقاء ذلك المرة تلو الاخرى بثمن شلل حياتهم. هذا ثمن معقول. بين الحين والاخر نقدم لهم "ضمادة": وعود لفظية أو تصريحات بان في المرة التالية سنضرب بقوة أقوى الانذال في غزة. هذه سياسة شرعية ظاهرا، ولكن برأيي اساس هذه السياسة سياسي داخلي في جوهره، وليس امنيا. وهذا لماذا؟ لان حكومة نتنياهو – باراك لم تكن مستعدة لان تسلم بواقع "جولات" النار على تل أبيب وشل الحياة فيها بين الحين والاخر. هكذا ببساطة.

        واذا كانت ظاهرة "الجولة" هي الامر الاستراتيجي الابرز في الاحداث حول قطاع غزة، فثمة شيء استراتيجي يبرز بالذات بسبب غيابه. هل احد ما سمع عن ابو مازن، باستثناء التنديد الذي أطلقه على "العدوان الاسرائيلي"؟ فهو ظاهرا رئيس السلطة الفلسطينية الذي يزعم انه يمثل الفلسطينيين ويدعي بان كل قصته مع حماس هي موضوع داخلي للسلطة، وهم متحدون منذ الان – ولا يزال هل احد ما يعيره أي اهتمام في "الجولة" الحالية؟ وفي الجولات السابقة؟ هل هو شريك ما في وقف النار؟ بالتأكيد لا.

        إذن السؤال النهائي: استنادا الى ماذا يمكن لابو مازن ان يكون شريكا في مفاوضات "حقيقية وجدية" على التسوية بين اسرائيل والفلسطينيين؟ على أساس حقيقة أنه يقدم الكنافة لاصدقائه الاسرائيليين؟