خبر المحتل الضحية -هآرتس

الساعة 09:48 ص|19 مارس 2012

بقلم: عكيفا الدار

 (المضمون: تحاول اسرائيل باظهارها نفسها بمظهر الضحية ان تبتز المجتمع الدولي وان تُجيز لنفسها ما تحرمه على الآخرين من الايرانيين والفلسطينيين - المصدر).

مع قراءتنا النبأ عن الملاحظة الشاذة لـ أ. ب يهوشع أنه لم يسمع قط اليهود يحللون المحرقة باعتبارها اخفاقا للشعب اليهودي الذي لم يتوقعها، يثور تساؤل أين كان حينما لوح رئيس الحكومة بـ "رسائل اوشفيتس"؟ ألم يسمع يهوشع ان بنيامين نتنياهو قال ان محمود احمدي نجاد هو نسخة جديدة من أدولف هتلر؟ ألم يعلم بأن بيبي وعد بأنه لن يوافق بأية حال من الاحوال على ان تجري ايران علينا محرقة ثانية؟ ألا يفهم يهوشع ان المحرقة معناها الضحايا – لا الذنب ولا الاخفاق ولا شيء من الارتياب – والضحايا ذخر استراتيجي ذو قيمة وجودية؟.

        في كتاب جديد هو "سياسة الظهور بمظهر الضحية" تكتب الدكتورة روت أمير ان تصور الضحية الاسرائيلي – اليهودي الذي كان حاضرا في الرواية اليهودية والفكر اليهودي قوي بعد المحرقة ويُستعمل لمنح اسرائيل الشرعية السياسية. وأمير التي ترأس قسم الدراسات المتعددة المجالات في المعهد الاكاديمي عيمق يزراعيل تذكر ان التصور بصورة الضحية تستخدمه اسرائيل تسويغا للعدوان وصنع المظالم. وبمساعدة نظم لتثبيط الشعور بالذنب يقطع الاسرائيليون سلسلة السببية بين العمل ونتائجه ويتحللون من المسؤولية ولا يهبون لذلك للعمل على ازالة المظالم والسعي الى مصالحة الجار.

        يُذكر موت جون دميانيوك بالتصريح الذي تنسبه شولاميت ألوني الى رئيسة الوزراء غولدا مئير من غد محاكمة آيخمان: "الآن وقد أصبح الجميع يعلمون ماذا فعلوا بنا، يجوز لنا ان نفعل كل شيء ولا حق لأحد في ان ينتقدنا ويقول لنا ماذا نفعل". بل ان مئير نبهت الى أنها لن تغفر لأعداء اسرائيل أنهم "اضطرونا" الى قتلهم – وهذه شكوى اخرى تلبس لباس الضحية. ان رئيس الحكومة مناحيم بيغن قال عشية قصف بيروت في حرب لبنان الاولى "لا حق لأية دولة من تلك التي حاربت في الحرب العالمية الثانية ان تعظنا لأنها لم تفعل شيئا لوقف قتل اليهود والقضاء عليهم".

        ان الظهور بمظهر الضحية يُطهر الضحية من الذنب ويُمكّنها من طلب العطف عليها برغم أنها الجهة القوية والمحتلة والمنتصرة. وتنجح هذه الازدواجية في ان تقيم على مر السنين يهودا امريكيين على أقدامهم حينما يسمعون خطبة من زعيم اسرائيلي يدعي أنه ضحية وتفتح محافظهم. لكنه منذ كانت الحرب العالمية الثانية أخذت لغة حقوق الانسان تحتل مكان المحرقة في الخطابين السياسي والاخلاقي. بل انه في المانيا أصبح أصعب ان تؤدي دور المحتل – الضحية. وقد زار سغمار غبريئيل، رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يتطلع الى ولاية المستشار، في الاسبوع الماضي اسرائيل والمناطق ولم يخش ان يكتب في صفحته في الشبكة الاجتماعية انه يوجد في الخليل نظام فصل عنصري.

        اذا أخرجنا من الخطاب المحرقة والظهور بمظهر الضحية فان زعم نتنياهو ان "من حق الدولة ان تدافع عن نفسها" يصبح سيفا ذا حدين لأنه كيف سنرد على زعيم فلسطيني يزعم ان "من حق شعب بلا دولة ان يدافع عن نفسه"؟ صحيح انه يوجد فرق. فاسرائيل لا تهدد بابادة الفلسطينيين بل هي تسلبهم ارضهم "فقط" وتجعلهم تحت الاحتلال "فقط" مدة 45 سنة بغير حقوق مواطنة أساسية. ومن جهة اخرى اذا كان من العدل استعمال عقوبات على ايران لأنها اشتهت الردع الذري فلماذا لا يجوز فرض عقوبات على اسرائيل لوقف الاستيطان؟.

        إحذفوا عن اسرائيل المحرقة والظهور بمظهر الضحية واسألوا أنفسكم: اذا كان يجوز لها ان تقصف ايران للتخلص من التهديد الذري فلماذا لا يجوز للفلسطينيين ان يطلقوا قذائف صاروخية على اسرائيل للتخلص من الاحتلال؟ وهل البناء اليهودي في المناطق المحتلة يتساوق مع القانون والاجماع الدولي أكثر من طلب الفلسطينيين ان يتم قبولهم اعضاءا في الامم المتحدة؟ والى متى ستُخلص المحرقة السلطة الاستعمارية الاخيرة في العالم من ميثاق عدم نشر السلاح الذري في حين تطلب منع ايران من ذلك؟.

        من غير ان نحتاج الى تناسب تسويغي يجب ان نقول ان كثيرا من الفلسطينيين ايضا لا يفطمون أنفسهم عن إدمان النكبة واظهارهم أنفسهم بمظهر الضحية. ان مفتاح البيت القديم في الشيخ مؤنس (رمات أفيف) الذي يحملونه في أعناقهم لن يفتح لهم الباب الى فلسطين المستقلة. ان الجميع خاسرون في هذه المعركة التي لا نهاية لها، المعركة على الظهور بمظهر الضحية.