خبر رسالة غزة وصلت تل ابيب / د. سفيان ابو زايدة

الساعة 07:12 م|13 مارس 2012

تخذت اسرائيل كل الاستعدادات اللازمة قبل تنفيذ عملية اغتيال امين عام لجان المقاومة الشعبية. اختارت التوقيت السياسي المناسب بعد عودة نتنياهو من واشنطن. السماء كانت صافية لتسهيل المهمة على طائرات الاستطلاع التي تراقب كل شيئ تقريبا . حرصوا على ان تكون عملية الاغتيال يوم الجمعة حيث يلية السبت و هو يوم عطلة ونهاية عيد المساخر لدى اليهود قبل ان يتم نشر بطاريات القبة الحديدية و تزويدها بما يكفي من صواريخ مضادة.
كان هناك تقدير اسرائيلي ان يكون رد فعل من قبل الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة على عملية الاغتيال، رد فعل محدود لا يتجاوز رفع العتب هدفه الاساسي امتصاص الغضب الذي قد ينتج عن عملية الاغتيال. الحصيلة كانت بعكس الحسابات الاسرائيلية ، كانت اسواء بكثير مما خطط لها جنرالات الجيش. العملية استمرت حوالي خمسة ايام و ليس بضع ساعات، تم اطلاق اكثر من مئتين و عشرين صاروخ و قذيفة تسببت في شل حركة اكثر من مليون اسرائيلي ، التزموا بيوتهم، دون عمل، دون تعليم، قريبين من الملاجئ يعيشون على نغمات صفارات الانذار.
غزة قدمت ستة و عشرين شهيدا منهم ثلاث اطفال و رَجُل مسُن نتيجة لعشرات الغارات على مواقع و مجموعات و منازال مواطنين قبل ان يتم التوصل الى اتفاق " تهدئة" جديد. و على اعتبار ان هذة الجولة لن تكون الاخيرة و ان من يبحث عن انتصارات لن يجدها في غزة، تُرى كيف يمكن تقييم ما حدث؟
اولا: بغض النظر عن طبيعة اتفاق التهدئة و ما اذا كان يشمل تعهد اسرائيلي بوقف الاغتيالات ام لا، ما استخلصة الاسرائيليون ان لا اغتيلات مجانية في غزة، و اذا فكرت اسرائيل عشر مرات قبل اغتيال القيسي يجب ان تفكر مستقبلا مئة مرة قبل ان تتخذ قرار بأغتيال اي فلسطيني آخر.
ثانيا: الاعلام الاسرائيلي و القيادات الامنية و السياسية و منذ اشهر و هم يتحدثون عن تعاظم قوة الجهاد الاسلامي ، و عن امتلاكه صواريخ حديثة يصل مداها الى تل ابيب. بعد هذة الجولة التي شكل خلالها الجهاد رأس الحربة اصبح من الواضح ان التقديرات الاسرائيلية كانت في مكانها و انهم من الان فصاعدا سيتعاملون مع الجهاد كلاعب اساسي و ليس لاعبا ثانويا.
ثالثا: الفلسلفة الامنية الاسرائيلية التي تم اعتمادها بعد العدوان على غزة اواخر عام 2008 و التي اساسها تطوير المنظومة الدفاعية في التصدي لاطلاق الصواريخ، نجحت بشكل كبير في تجنب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين الاسرائيليين، و لكنها لم تعالج المشكلة الجوهرية في اطلاق الصواريخ، الا وهي شل الحياة الطبيعية لاكثر من مليون اسرائيلي، و اذا ما تم استخدام الصواريخ الاخرى سيصبح اكثر من ثلاثة مليون اسرائيلي في مرمى النيران.
القبة الحديدية التي وفقا لما تقولة اسرائيل حققت نجاحا يصل الى 85% لم توفر الامن و الامان لاكثر من مليون اسرائيلي شُلت حياتهم بشكل شبه كامل على مدار خمسة ايام.
رابعا: كان احد اهداف عملية الاغتيال و ما تلاها من غارات للطيران الاسرائيلي هو اعادة " صيانة" قوة الردع الاسرائيلية التي تعتقد انها حققتها نتيجة عملية "الرصاص المصبوب". نتيجة هذة الجولة هي عكسية تماما، قوة الردع الاسرائيلية ليس فقط لم يتم صيانتها وفقا للتعبير الاسرائيلي، بل تم تآكلها. الضغط و من كل الاتجاهات الذي تم ممارسته على الفصائل الفلسطينية، خاصة الجهاد الاسلامي، تشير الى خشية اسرائيلية من توسيع دائرة الصدام بشكل لم يكونوا جاهزين له.
خامسا: لا احد في اسرائيل يدعي ان هناك حلول سحرية لهذا الصداع الدائم الذي اسمه غزة. هناك اصوات كثيرة تدعوا الى اعادة احتلال الشريط الحدودي بين غزة و مصر، و هناك اصوات تهدد بأعادة احتلال كامل للقطاع بهدف القضاء على الفصائل المسلحة ، و هناك من يدعوا الى تكثيف عمليات الاغتيال لقيادات الفصائل. كل هذا تم تجريبة في السابق و لم ينفع.
بعد كل هذه التضحيات، و بعد كل هذه المعاناة، أليس من العيب ان تعاني غزة واهلها من استمرار انقطاع التيار الكهربائي؟ أليس من العيب ان يكون ضوء القنابال التي تمزق اجساد الناس هي الضوء الوحيد هناك؟ حلوا مشكلة الكهرباء على الاقل لكي لا يضطر الناس للملمت اشلاء ابنائهم في الظلام.