خبر « غزة تكتب مجدها »

الساعة 02:35 م|13 مارس 2012

فلسطين اليوم - الاعلام الحربي"

عندما تغيب الثورة في نفوس أبناء الأمّة، وتغيب الرّجولة على امتداد المعمورة، وعندما تعيش الشعوب بشكل يوميّ على مذبح مِن مذابح الديمقراطية التي تتغنى بها دول العالم المتحضرة كما تدّعي؟! لا تجد من يصدّ عنها هذا السّكّين البشع؟! ولا من يُلبي لصرخاتها التي ما وقفت يوماً؟! 

وفي الوقت الذي تقف فيه أنظمة الجور والخزيّ أمام ملايين الضحايا من شعوب الأمّة صامتة صمت الميّت ولا تُحرك ساكناً، وفي الوقت الذي تذرف فيه دموع الثكالى والأرامل والأيتام في كلّ بيت مِن بيوت الفقراء والمساكين، ولا تجد من يمسح عنها هذه الدموع، ولا من يُخفف عنها آهاتها وآلامها؟!.. 

وعندما تبقى صرخات نساء الأمّة تُدويّ ولا تجد لنخوة المعتصم وعنفوانه مِنْ مُجدد، تقف سرايا القدس بعنفوان وثورة في أعلى قمة للجبل والذي تخلّى عن صعوده من تخلّى بعد نزول مريب!، تقف سرايا القدس مُلملمة قوّتها من معاناة وصرخات المظلومين والمقهورين، لتقذف بها في اللحظة المحسومة في وجه رمز الشّرّ في هذا العالم، ولتُرسل برقيّة يسكنها الغضب الذي جمعته من دماء أبناء الأمّة، والتي تُسفك في كلّ ساحة من ساحاتنا على امتداد الوطن، أنّ هذا الذي تُقدّسونه وتعبدونه من دون الله، لا يفهم إلاّ لغة واحدة وهي لغة القوة والتي يجب أن تشتعل ثورة في وجهه القبيح.

وبهذا العمل البطوليّ الذي مثلته سرايا القدس والصادقين من أبناء شعبنا في معركتها المميزة مع هذا العدو لتنوب به عن كلّ أبناء الأمّة، حيث أنّها قدمت خيرة أبنائها في معركتها الخالدة والمباركة، لا يسعنا نحن شعوب العالم الفقيرة والمستضعفة والمسحوقة، إلاّ أن نتقدم من مقامهم المبارك بالحبّ والوفاء، لنحضن جهادهم وتضحياتهم ودماءهم النّازفة ونحفظها في قلوبنا وعقولنا، لتتدارسها أجيالنا في حكاياتهم ونشيدهم اليوميّ، ولنصنع من دمهم أُعزوفة ولحناً لأهازيجنا الصباحيّة، ولنكتبها بحبر الحريّة في مقالاتنا وأشعارنا، ولنجعل منها ملحاً لطعامنا اليوميّ، حتى لا تُنسى كما الروايات المقدّسة..

غزة اليوم تبكي دماً، فترتوي الأرض وتنبت رجالاً كما الشهداء ليحملوا سيوف الحقّ في وجه كلّ طواغيت الأرض.. 

غزة اليوم تدفع فاتورة العشق للحريّة، والوقوف بجانب الحقّ الذي افتقده كلّ من يدّعون حريّة الديمقراطيّة، فتصبح نبراس الثّوار الذين يسلكون طريقهم نحو المجد المقدس..

غزة.. يا قبلة الصّادقين الذين نذروا حياتهم دفاعاً عن الأمّة وجدارها الأخير، يا طير أبابيل في وجه طواغيت الزّمان..

فيا دمنا المسفوح من الوريد إلى الوريد، لن ننسى عهدك، عهد الشّهداء الذين رسموا لنا طريق النّجاة المعبّدة بورود الحياة الممتدة منذ سميّة وعمّار وعشق الثّوار .

 يا دمنا.. يا عشقنا.. يا حبّنا.. دلّنا على دمنا، علّنا نستلهم من رائحة طهركِ شارة النّصر لنسافر به نحو السّماء، حيث المهرجان الملائكي يشع بنور الدّم الذي سُفك، ليعلو على سيف الباطل الذي يستبيح كلّ شيء جميل في حياتنا..

 

ففي هذا المقام الذي تتسع فيه بقعة الدّم، وينزف كلّ شيء على وجه الأرض، لا تُسعفنا كلّ الكلمات والتي أصبحت لغة الضّعفاء العاجزين عن وقف الألم المستديم والمليء بجراحات يصعب تداويها..

فالدّم هو عشق الثّوار الذين ينتظرون لحظة المعركة، ليسطّروا بثباتهم أجمل لحظات النّزال ليُحدثوا زلزالاً لا يحمل في طيّاته سوى رسالة سماويّة، بأنّ الحقّ لا يسكن إلاّ رجال كالجبال يعشقون سحابة الإيمان لتُمطر نصراً مؤزراً، حققه الدّم المسفوح في شوارع الوطن وأزقّته الفقيرة، وينتظره المستضعفون لكي تُشفي جراحهم التي أدمت قلوبهم، وتُغرد به أرواحهم لتباهي به ملائكة الكون في عرس يشهده أهل السّماء، لكي يُلقوا بظلاله في كامل الوطن الذبيح، ليضيء عتمة القلوب بعد ليالِ القلق والخوف، فينتج أشجار الجمال، غصونها مليئة بالحب والعشق، فتقذف برائحة الشّهداء المسكيّة، فتتمايل في ربوع الوطن لتُلقي بثمارها أهازيج النّصر المنبعث من شرايين الفقراء والمذبوحين لكي يتزين بها كلّ الكوّن، ففيها حريّة وحبّ وحياة مليئة بالسعادة ..

ففـي زمـن الترحال اليومي نحـو المجد والحريـة نستنشق ورودك يا فلسطيـن مـن قصـة الإسراء الجميلة لتعيننا علــى المُضيّ قُدماً نحـو عشقنـا الأبـديّ والذي يحـاول البعض أن يُفسد علينـا رائحة المسك المنبعثة مـن سر رحلـة المعـراج الطويلة والتـي كانت انبعاث الروح نحـو الأجمل والأطيب.. 

فهذا عهدك يا فلسطين.. هذا عهد الشهداء.. هذا عهد الفقراء.. وهـذا عهـدنا يا رب ألا نحيد عن انحيازنا للمنكوبين والمقهورين والمسحوقين..

ولن يكون ترحالنا إلا نحو الطُهر الذي يقودنا للحرية المفقودة والمأسورة في سيـاط الجلاد.. ولن نعشق إلا محبوبتنا –فلسطيـن- التاريخ والحاضر والمستقبل.. ولن نتطلع إلاّ إلى نور السماء ففيه البوصلة الحقيقية، وفيه الخلاص والمجد والكرامة.. 

بنداء الواجب نواصل مشوارنا لنرسم بسمة على شفاه المحرومين، ليكسوها عبق الشهداء الذين رسموا في أيامنا أمل النصر القادم من عنبر دمائهم المتناثرة على جدران الوطن.. فهم عنواننا الكبير نحو المجد والعشق، مُحصّنون في أعماق قلوبنا، لن ننساهم كما النّاسون!.. ولن نخذلهم كما المتباكون على الوفاء لأرواحهم التي جعلت منّا عنواناً للأمة.. هم نداؤنا.. وهم عشقنا.. هم فرح المنكوبين والصابرين، وهم نجوم ومصابيح ليالينا.. 

بنداء الواجب نزرع سنابل الزيتون على ربوع الوطن المستباح، ليُضيء بسراجه نفق التائهين العاشق للقتامة المنبعثة من سواد لياليهم.. وليعطي للفقراء طعماً جديداً لخبز الطابون الذي ملأ حياتهم كدحاً وشوقاً وعشقاً.. فهو عزّ أيامهم.. وكرامة حياتهم.. ومنه نشتم مسك الزعفران لتفوح رائحته أزقة وشوارع من عشقوا جراحهم.. وعزفوا بها لتكون نشيداً صباحياً يشدوا به كل من عشق الوطن، وسار نحو هذه المحبوبة التي شغفت قلوبنا حباً، لنعرج بعشقنا متلألئين بنجوم أرواحنا التي نمت على هدي محمّد، وشربت لبن المجد، لنرسم فطرة الحياة في قلوب من ضلوا وفرّقتهم أوهامهم..     

فلا يمكن لأيّ عاشق أن يبتعد عن محبوبته التي امتلكت كلّ شيء في دُنياه، والتي صاغت حياته اليومية لتُعيد له كرامته.. لا يمكن لأيّ عاشق أن يلهو عمّن عشق ويسبح في ملاهي الدنيا وشهواتها ليُشبع رغبات تملّكت قلبه ووجدانه.. إنّ الذي يُحب وطنه ويعشقه لا بدّ وأن يركب خيل كرامته وعزّ ماضيه المبجل، وأن يبقى صامداً فوق جبل العزة والكرامة لا أن يتخلّى عنه!.. ولا بدّ بأن يلبس لباس المقاتل الذي لا يعرف للراحة سبيلا.. هذا هو العاشق الحقيقي لما زُرع ونُقش في أعماق قلبه.. أمّا الذي لا يستطيع النزول عن أفخم المركبات والتي يُحيطها أصحاب الربطات الملوّنة، لا يكون عاشقاً ولا يسكنه شوقاً لهذه المحبوبة "فلسطين" ولعشق الوطن استحقاقات من لم يستطع أن يُلبيها فليبتعد وليترك المجال للذي يعشق بصدق ويحب بصدق ويمتلكه شوق بصدق..