خبر منطق مجنون -يديعوت

الساعة 09:38 ص|12 مارس 2012

بقلم: اليكيم هعتسني

يدعونا بنيامين نتنياهو الى ان نزن تهديدا ايرانيا ذريا دائما بازاء أخطار حرب ردعية له. لكن أي معطيات عندنا كي نحكم؟ وانه ليوجد بين الناس العالمين بالأسرار اختلاف في الرأي حتى ان رئيس الموساد السابق مئير دغان أجرى لقاءا صحفيا في برنامج "60 دقيقة" ليخالف رأي رئيس الحكومة ووزير الدفاع مباشرة. وهذا في حد ذاته فضيحة لكننا لن نفرط في الجدل الجوهري لأن الجميع يؤيدون استنفاد كل وسيلة ضغط ممكنة قبل الهجوم ماديا. فما الفرق اذا؟.

في الاثناء ظهر طرف صخرة اختلاف ستصبح بعد ذلك جبلا كبيرا: فقد سُئل السؤال الأبيقوري ألا يجب بدل مهاجمة ايران الذرية أصلا احتواؤها والعيش في ظل تهديد ذري دائم، فهكذا تعايش الشرق والغرب سنين عن جانبي السور الحديدي، وهكذا يتعايش العدوان اللدودان الهند وباكستان.

تتجسد دعوى المحتوين في الأحرف الاولى MAD (الابادة المتبادلة المؤكدة) – لأنه اذا علم الطرف أ بأن الطرف ب يستطيع حتى بعد ان يتلقى ضربة ذرية استباقية ان يرد بالسلاح نفسه، فان الابادة ستكون متبادلة فان الطرف أ لن يهاجم. وذلك بالطبع مع افتراض ان تقديرات الطرفين معقولة ومنطقية. ولا يكون الامر كذلك اذا كان أحد الطرفين مجنونا أو متطرفا بجنون. والسؤال هو هل يجب ان يُعد نظام آيات الله بنظرته الى اسرائيل مثل منتحر شيعي جمعي؟.

كان النظام السوفييتي عقلانيا في حذره المفرط الذري. وتتصرف باكستان ايضا بمسؤولية ذرية مع الهند.

بل ان هتلر عرف كيف يرد بصورة عقلانية فهو لم يستعمل الغازات على أعداء كانوا يستطيعون ان يردوا عليه ولم يمس بأسرى حرب بسبب قلق عقلاني لمصير الأسرى الالمان. أما جنونه فانفجر أساسا في معاملته لليهود (والغجر)، وفي نظريته العرقية وتنفيذها بالفعل. وقد نجح في ذلك تقنيا لأن أيدي ضحاياه كانت فارغة، ولم تكن لهم وسائل للتهديد بابادة متبادلة. فلو كان لليهود قدرة على ارسال الالمان الى غرف الغاز ردا على اوشفيتس أفكان هذا التفكير العقلاني يردعه؟.

لم يخضع الحاكم العسكري الالماني لباريس لأمر هتلر العسكري باحراق باريس. ولم ينفذ وزير تسلحه البرت شفار أمر تحويل مدن المانيا التي ستُخلى الى ارض محروقة، فقد كانا عقلانيين. ولم يكن الفهرر كذلك فقد تم تحويل قطارات حيوية لتحميل الذخائر الى الجبهة لنقل اليهود الى غرف الغاز وهنا انتهت العقلانية.

ان ايران الذرية تهدد جيرانها جميعا، ومع كل ذلك فان تهديدها لاسرائيل مختلف، وهدد هتلر العالم كله لكن تهديده لليهود كان فريدا في نوعه، ولهذا كان لنتنياهو تسويغ خالص لاستلال مراسلة من ايام الحرب العالمية وفيها توسل اليهود ان تقصف الولايات المتحدة القطارات الى اوشفيتس ورفض روزفلت.

لكن لم يُذكر في هذه المراسلة سبب الرفض الحقيقي وهو الخوف من ان تعتبر الحرب "حربا يهودية" ويتضرر باعث الجنود الامريكيين على القتال. أما الجيش اليهودي في المقابل فلا يخشى من كون الحرب "يهودية".

عُدنا الى لب الاختلاف العقائدي فاليسار المتطرف يعارض استخلاص دروس المحرقة. وبحسب تصوره لذاته يرى اسرائيل نسخة جديدة لم تعد تشبه المنسوخ عنه اليهودي السابق. وهو يرى ايضا ان التهديدات لاسرائيل جرى عليها تحول ولم تعد غير عقلانية، ومن هنا يأتي استنتاج ان رئيس الحكومة كان عديم الحيلة وعديم الأدب إذ ذكر المحرقة لاوباما في مواجهة المشروع الذري الايراني. فعليه ان ينتظر الى أن يستقر رأي الولايات المتحدة واوروبا على العمل اذا عملتا أصلا. واذا فضلتا احتواء ايران الذرية والعيش مع القنبلة فعلينا ان نقبل هذا ايضا.

قال مئير دغان في برنامج "60 دقيقة" ان ايران عقلانية، فهل قصد ذلك؟.