خبر فلسطين: هل تذكرون؟ .. فهمي هويدي

الساعة 06:13 م|11 مارس 2012

يوم الجمعة الماضى (9/3) شنت إسرائيل غارتين على قطاع غزة أسفرتا عن قتل أربعة فلسطينيين بينهم الأمين العام للجان المقاومة الشعبية الشيخ زهير القيسى (أبوإبراهيم) وهو خبر لم أجد له أثرا فى الصحف المصرية التى صدرت فى اليوم التالى (أمس السبت). ولم يكن التجاهل متعمدا فى الأغلب، لأن صحف القاهرة بدت منكفئة على الداخل. ومشغولة بالانتخابات الرئاسية المصرية التى احتلت المساحة الأكبر من اهتمامها. أما حظوظ الشأن الخارجى فقد كان التركيز فيها منصبا على متابعة أخبار الانتفاضة الشعبية فى سوريا، وتطورات العلاقة المتوترة بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

 

الملاحظة ليست جديدة، ولكنها تكررت خلال الأشهر الماضية على نحو يسلط الضوء على حقيقتين مهمتين: الأولى أن الاهتمام بقضية فلسطين تراجع بشكل ملموس فى العالم العربى، وهو هدف ظلت تسعى إليه إسرائيل على الأقل منذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر فى عام 1979، بل قبل ذلك أيضا، منذ ألحَّت على اعتبار الملف الفلسطينى مجرد مشكلة «داخلية» بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وليست هما عربيا ولا تهديدا للأمن القومى العربى، الأمر الذى «نسخ» الفكرة التى سادت حينا من الدهر داعية إلى اعتبار  الفلسطينية بمثابة «قضية العرب المركزية». لكن أجواء ما بعد توقيع اتفاقية السلام استنطقت أصواتا شجعت الانكفاء على الداخل وانسحاب مصر من المشهد العربى. واستخدمت فى ذلك شعارا خبيثا تمثل فى عبارة «مصر أولا». وتمثل الخبث فى الإيحاء بأن مصر حين خاضت حربها ضد إسرائيل فإنها كانت تدافع عن الفلسطينيين وليس عن أمنها القومى، بالتالى فإنها ضحت من أجل غيرها وليس من أجل خيرها، وكان ذلك على حساب رفاهية الشعب المصرى وتسبب فى تدهور أوضاع البلاد الداخلية، وهو الشعار الذى انكشف أخيرا، حين مارست مصر عزلتها عن القضية وعن محيطها العربى طوال ثلاثين عاما،  إذ لم تطلق رصاصة ولم تخض حربا من أجل الآخرين، وكانت النتيجة أنها صغرت وتراجعت واستمر تدهور أوضاعها، الأمر الذى استفز الشعب المصرى ودفعه إلى الثورة فى يناير من العام الماضى (2011).

 

لم يقف الأمر عند ذلك الحد، وإنما عمدت الأبواق الإسرائيلية والأمريكية ــ وبعض العربية للأسف ــ إلى إقناع المصريين والعرب بأن الخطر الذى يتهددهم حقا ليس إسرائيل، وإنما مصدره إيران. وقد نجحت تلك الخطة حتى قرأنا تعليقات صريحة فى بعض وسائل الإعلام العربى وقعت فى الفخ. وانتهى بنا الأمر إلى أننا أصبحنا نعبر عن القلق  المشروع النووى الإيرانى وأهدافه العسكرية المحتملة، فى حين نغض الطرف ولا نبدى قلقا يذكر  إزاء التسلح النووى الإسرائيلى، الذى تأكدت شواهده ولا تشوبه أية ظنون كما هو فى الحالة الإيرانية.

 

خلال السنة الأخيرة طفت على السطح أحداث الربيع العربى، التى هزت العالم العربى وقلبت أولوياته رأسا على عقب. الأمر الذى ضاعف من توجيه الاهتمام إلى شئون الداخل، بقدر ما ضاعف من الانصراف عن مجمل الشأن الخارجى، وكانت قضية فلسطين من ضحايا ذلك التحول.

 

الحقيقة الثانية المهمة أن إسرائيل لم تضيع وقتا وهى ترصد الابتعاد التدريجى فى العالم العربى عن «القضية» وتزايد التركيز على الشأن الداخلى داخل كل قطر عربى، وإنما ضاعفت من جهود تصفية القضية وإغلاق ملفها عبر مساع عدة. فأسرعت من معدلات الاستيطان وكثفت من إجراءات التهويد الذى كانت القدس هدفا أساسيا له. وتحدثت التقارير مؤخرا عن التركيز على مدينة عكا، وإلى جانب هذا وذاك فإنها لم تتوقف عن استهداف عناصر المقاومة فى غزة والضفة الغربية. (للعلم: استمرت غارات إسرائيل أمس على غزة وارتفع عدد القتلى إلى 12 شهيدا) وكان ولا يزال التنسيق الأمنى بين أجهزة السلطة فى رام الله وبين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خير معين لها على ذلك.

 

صحيح أن إسرائيل ليست سعيدة بالتحولات الحاصلة فى العالم العربى التى أدت إلى سقوط بعض «أصدقائها» مما أثر على «كنزها الاستراتيجى»، إلا أنها لم تكف عن ممارسة الاستقواء، سواء بتعزيز مصادر قوتها أو بالضغط لإضعاف الأطراف التى تتوجس منها (إيران مثلا). وفى تقريرها الاستراتيجى للعام الأخير مراهنة على بطء التحول الديمقراطى فى العالم العربى، وشكوك حذرة من تداعيات يقظة الشعوب العربية واستعادتها لصوتها وبعض عافيتها.

 

لقد تحدثت الصحف العبرية أخيرا عن أن أغلبية الإسرائيليين نسوا أن هناك قضية اسمها فلسطين، وهم محقون فى ذلك وربما كانوا معذورين. وأخشى أن يحدث ذلك عندنا أيضا، رغم أنه لا عذر لنا، لأننا بذلك نفرط فى أهم مقومات أمن مصر القومى.