خبر مهمة عنان .. فرصة ضائعة أم سلالم نجاة..علي عقلة عرسان

الساعة 11:37 ص|09 مارس 2012

تشكل مهمة المبعوث "العربي ـ الأممي" كوفي عنان إلى سورية التي تبدأ يوم السبت 10 آذار/مارس 2012 خشبة نجاة لبعض أطراف الأزمة، ممن يغرقون ولا تريهم المكابرة أنهم في دوامة الغرق، وفيها لمن صعدوا إلى أعلى الشجرة ويصعب عليهم النزول، سلماً للنزول الآمن وحفظاً لماء الوجه، على الصعد الفردية والجماعية والعربية والدولية، وهي تشكل بالضرورة مخرجاً مناسباً لمن يريد للشعب السوري ولسورية الخير، ويحرص على إخراجها من أزمتها ومن دائرة العنف الدامية إلى مساحات السلم والأمن والرؤية السليمة للواقع بأبعاده الراهنة وآفاقه المستقبلية، عن طريق حل سياسي مفتاحه الحوار والتفاهم والتعاون، داخلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، لوضع حل لأزمة لم تعد تعني سورية وحدها بل تعني المنطقة ودوائر دولية أوسع منها بكثير.

لا أقول إن كوفي عنان يملك عصا سحرية، ولا أزعم أن لديه مفاتيح الجنة، ولا أنه يملك من الأوراق ما يمكنه من فرض رأي ورؤية على المعنيين بالأمر، وربما كان نداؤه الموجه للأطراف المعنية، طالباً منها مساعدته على التوصل إلى حلول للأزمة، خير معبر عن حقيقة ما أنه لا يملك أن يفرض حلاً، وليس بحوزته أوراقاً ذات ثقل سياسي ـ عسكري ـ اقتصادي مؤثر،  قادرة على فرض حل تقف وراءه الأسرة الدولية بقوة وصدق وحسن نوايا.. ولكنه رجل ذو مكانة وخبرة، يلجأ بحنكة إلى المنطق المفضي بالحكمة إلى واقعية سياسية مسؤولة تجعل كل معني بالأمن السلم والبلد يفكر بها ويتبين الطرق إلى الأمن والسلم والخير والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

لا أريد أن أذهب إلى القول بأن مهمة عنان هي، بالموافقة الغربية ـ العربية عليها على مضض، مجرد فرصة ضائعة ومآلها الفشل، بل هي وقت يستثمر فيه الطرفان الغربي ـ العربي ومن معهما، والسوري ومن يعاضده، كلٌ على طريقته وحسب قدرته، من دون توقف كلي عند المهمة بوصفها وصفة مناسبة للحل.

ـ فهي لمن يستهدفون سورية بخطط عدوانية، من تحت الطاولة ومن فوقها، ويعملون على كسب وقت لتمكين القوى القادرة على جعل الصراع الدامي يستمر، وقت لاستكمال خطط التسليح والتدريب والتضييق، وفرصة للقول للعالم ولمن يحول دون غطاء دولي للتدخل العسكري في الشأن السوري ـ أي لروسيا والصين تحديداً ـ بأننا قدمنا كل الفرص وآخرها فرصة الموفد الدولي عنان، لكن لا أحد يستجيب في دمشق، ولا توجد منافذ للحل السياسي، إذن لا بد من قرار من مجلس الأمن الدولي على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يغطي التدخل العسكري وفرض رؤية وسياسة ونظام.. وهذا بتقديري لسان حال الولايات المتحدة الأميركية وشركائها، تلك التي أعلنت عن وضع خطط شاملة للتدخل العسكري في سورية، تنتظر أمر التنفيذ من الرئيس أوباما، ولسان حال أطراف مباشرين في الأزمة، تقف معهم ويقفون معها،          يقول مع جون ماكين أو من خلاله بتوجيه ضربات جوية إلى سورية وبتسليح يؤدي إلى حرب تحسم الأمر بالقوة، وتهلك الجميع بالنار.

ـ وهي لسورية ومن يقف معها، ويحول دون التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، ويطالب بحل سياسي سلمي ضمن البيت السوري، على أساس الحوار والتفاهم بين أبناء الشعب الواحد والبلد الواحد، فرصة لوضع مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها والرأي العام العالمي، أمام حقيقة ما يجري على الأرض في سورية، بعيداً عن التجييش السياسي والأمني، وعن التشويه والحرب الإعلامية التي تستبيح كل شيء، وعن الادعاءات العريضة بالحرص على الشعب السوري، بينما يتم خنقه وخنق سورية بأشكال من العنف والعقوبات والمخططات، والزج بالبلد والناس في أتون محارق ومجاهل طرق ومصير، تنفيذأ لمطامع وأهداف وطموح بلا حدود، ولخطط تغيير وتدمير تشمل المنطقة وقد تحرقها.

إن مهمة الوساطة السياسية تعتمد على فهم المشكلة وتعقيداتها وتفاصيلها بدقة، وتذليل الصعوبات وخلق مناخ يعزز الثقة بين الأطراف المعنية لفتح طريق الحوار بغية التوصل إلى تفاهم وتعاون واتفاق، ووجود سند قوي وراء الوسيط يدعم توجهاً متفقاً عليه، أو أهدافاً رئيسة ينبغي تحقيقها بوسائل سليمة، مع استعداد لتقديم مختلف أشكال الدعم للوصول إلى ذلك كله. وعنان ومن يشاطرونه الحرص على نجاح مهمته الصعبة، يدركون حقيقة وجود خلل في كثير من هذه المعطيات ومعظمه يتأتى من عدم وجود اتفاق تام بين أطراف السند القوي للوسيط على النوايا والأهداف والغايات الوسائل، ووجود عقبتين كأداوين في طريق المهمة والحل هما:

•       رفض أطراف معارضة سورية، معتمَدة خارجياً بوصفها معارضة تمثل الشعب، لأي حوار مع الطرف الرسمي السوري، والوقوف عند حدود طلب يتلخص بجملة واحدة: "إسقاط النظام"، وبعد اسقاطه، واشتراط اسقاطه على الوسطاء، يحاورون أو يفاوضون من..؟ وعلى ماذا..؟! الأمر موضع سؤال.

•       استمرار الجهات الرسمية السورية باعتماد الحل السياسي وبسط الأمن الداخلي، مع الاستمرار بالإصلاح والدعوة إلى الحوار، والكف عن التدخل الخارجي في الشأن السوري بأي شكل من الأشكال، الذي يضع الأمر كله في دائرة المؤامرة الكبيرة.

فما الذي، ومن الذي، يساعد عنان على فتح ثغرة في الجدارين السميكين المتقابلين، لينفذ منها إلى رؤية تنير طريق الطرفين إلى الحل؟ وأمامه معادلة غير قابلة للحل، كل من طرفيها في نهاية المطاف يريد رأس الأخر لا التفاهم معه.

لا أظن أن من يقف خلف "المعارضة المعتَمَدَة" مستعد للضغط عليها لكي تنبذ القوة وتقبل الحوار مع الطرف السوري الرسمي، لأن من يقف وراءها لا يريد ذلك الطرف الرسمي ولا يقبل سياسته.. ومن ثم فتلك المعارضة وحلفاؤها يعتمدون أهدافاً وسياسة ومنهجاً وأساليب لا تأخذ بحل يبقى النظام ويحقق الإصلاح المنشود بأبعاده المتفق عليها.

ولا أظن أن من يقف مع الطرف الرسمي السوري، موقفاً يؤكد " أنه موقف مبدئي يتصل بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والوضع الدولي العام وبولادة عالم جديد لا يسيطر فيه طرف وحيد على سياسته وشؤونه."، لأنه يرى أن ذلك لا يمس بسورية فقط وإنما بمبدئيته ومصالحه وبالوضع السياسي ـ الاستراتيجي الدولي العام.

إذن الأزمة السورية أصبحت ذات أبعاد دولية واضحة ومؤثرة ومستمرة، ومن يتابع المواقف والتصريحات المتبادلة بين تحالفات ودول كبرى وأخرى معنية، ويقرأ مضامين تلك المواقف والتصريحات ودلالاتها قراءة سياسية ونقدية متكاملة يدرك ذلك، ويدرك أبعاد الصراع وآفاقه المستقبلية. وأظن أنه قبل الشروع في تذليل عقبات الأزمة السورية ينبغي الشروع في تفاهم دولي على المستجد من الخطط والاستراتيجيات والصراعات والمصالح، ابتداء من الطاقة ولا سيما النفط وخطوط الغاز العالمية، وانتهاء بالأسواق والمال والنفوذ و.. و.. إلخ فهل يتوجب على كوفي عنان أن يخوض في ذلك الأمر العام الصعب لكي يفلح في مقاربة الأزمة السورية مقاربة تفضي إلى الحل؟ أم أن على الدول المعنية بالأمر الخاص والعام، أي بالأزمة السورية والوضع الدولي الأشمل الذي ترهص به، أن تتحاور وتتفاهم وتتعاون لترسخ الأمن والسلم الدوليين على أسس العدل واحترام الآخر والاعتماد المتبادل، وتحافظ على القانون الدولي مرعيَّ الاحترام والتطبيق من دون خروق وتسخير وتجيير سياسي من أي نوع، وعلى المنظمة الدولية ومؤسساتها، وعلى سيادة الدول، وحقوق الشعوب، وحقوق الإنسان كرامته وحرياته، من دون تحويله وتحويلها إلى بضائع وذرائع سياسية؟ ولا أظن أن مهمة عنان تقارب ذلك أو تتطلع إلى مقاربته أو تسمح بتلك المقاربة، ولو أنها قد تلمح إلى تلك الحقائق والوقائع والمعطيات التي يدخل إليها عالمنا اليوم، بعد سيطرة قطب وحيد الطرف على شؤونه منذ عقدين من الزمن على الأقل.

نتمنى أن ينجح الموفد الكبير في هذه المهمة الكبيرة، ونتمنى أن يلتفت من يعنيهم أمر سورية وأمنها ووحدة أرضها وشعبها إلى ما يعنيه استقرارها ووحدة شعبها على الصعد الداخلية والعربية واسلامية.. وإلى ما تعنيه سورية بوصفها قوة عربية لقضايا وحقوق سورية وعربية، وما يعنيه دورها المرتجى في صراعات طويلة وتطول مع المحتل والعنصري الصهيوني ومع الطامع والمستعمر والطامح.. وأن يشكل كل ذلك سبيلاً لانتصاراً العقل والضمير والمسؤولية السياسية والوعي العربي ـ الإسلامي والإنساني، لكي ندلف إلى الحل الذي يبقي ويبني ويحقن الدم، ويجنب المنطقة ويلات الحروب والكوارث، ويجمع أبناء البيت الواحد على ما يحميهم وينقذهم ويفضي بهم إلى ديمقراطية سليمة بلا ضفاف، وإلى أمن من جوع وخوف، وإلى محبة وتفاهم وتعاون على أسس من الثقة والاحترام.. فقد تحمل الناس في هذا البلد الحبيب أكثر مما يحتملون، ووصل البلد إلى مزالق يصعب النجاة من أضرارها وأخطارها إذا ما ستمر الانخراط في صراع مر دام لا ينفع ولا ينقذ ولا يبني.

والله من وراء القصد