خبر يتمسك بالذاكرة -معاريف

الساعة 10:31 ص|07 مارس 2012

يتمسك بالذاكرة -معاريف

بقلم: عوفر شيلح

        (المضمون: نتنياهو هو أب جملة "السنة هي 1939، ايران هي المانيا النازية وهي تتسلح بسلاح نووي". هذه جملة تدعي الضحية وتجعل دولة ذات سيادة جمهورا عديم الحماية، وعدو مصمم هو القوة الشريرة الافظع في التاريخ - المصدر).

        الاستخدام التهكمي او الهستيري بالكارثة أصبح رياضة وطنية واسعة الانتشار عندنا جدا لدرجة انه في الغالب بات صعبا الانتباه اليه. ولكن حتى الاذن الاثقل لا يمكنها أن تفوت لحظة الدرك الاسفل الذي حمل اليه رئيس الوزراء هذه العادة قبيل صباح أمس في مؤتمر ايباك. وحتى نسبيا لنتنياهو، الذي يستخدم الكارثة مثلما يستخدم الناس الاخرون ذكريات الطفولة، كانت هذه لحظة مثيرة للحفيظة على نحو خاص.

        رئيس وزراء اسرائيل، دولة ذات جيش بحجم لا يوجد اليوم الا القليل من القوى العظمى، وحسب منشورات اجنبية، كما درج على القول عندنا، بمناسبة الغمز، ذات ترسانة نووية لمئات القنابل ووسائل متنوعة لاطلاقها، يلوح أمام جمهور اليهود المتحمسين في المدرج بوثائق من العام 1944، ناشد فيها اسلافهم الادارة في حينه لقصف اوشفتس. "السنة ليست 1944 بل 2012"، قال نتنياهو، وهتاف كبير من الموافقة صعد عن القاعة. وبعد كل شيء، فان الغاية الحقيقية لهذا الفعل كان تزلف رئيس الوزراء لجمهور متبرعيه، معاونيه، مضيفيه والطالبين لمحاضراته: ها هم، اسلافكم عرفوا الحقيقة واجتهدوا امام الادارة الشريرة لفرنكلين روزفلت؛ ولكنه لم يأبه، واليهود ماتوا.

        نتنياهو هو أبو الجملة: "السنة هي 1939، ايران هي المانيا النازية، وهي تتسلح بسلاح نووي". هذه ايضا هي جملة التظاهر بالضحية تقشعر لها الابدان، تحول دولة ذات سيادة الى جمهور عديم الحماية، وعدو شرير، ايديولوجي ومصمم، لقوة الشر الافظع في التاريخ. ولكن فيه على الاقل منطق ما، في كل ما يتعلق بتفسير النوايا المحتملة للايرانيين. الان تحرك رئيس الوزراء خمس سنوات الى الامام في الزمن. آلة الذبح باتت تعمل بكامل قوتها، اليهود يسفرون بعشرات الافهم ويعدمون في ذات اليوم، والسبيل الوحيد للعمل هو قصف معسكر الابادة، مهما قتل من ضحايا، المهم تدمير المحارق. هذه هي الاستعارة التي يستخدمها قائد دولة ذات سيادة، مواطنوها يمولون كل سنة بضرائبهم بمعدل 50 مليار دولار (ومواطنو الولايات المتحدة بثلاث مليار دولار اخرى) احد أجهزة الامن الاغلى في العالم، والولايات المتحدة تزوده بمنظومات سلاح لا توجد لاي واحد آخر.

        ايهود باراك، الذي ليس واضحا احيانا اذا كان يفهم أي زبون بالضبط يجلس امامه في مكتب رئيس الوزراء (واحيانا يخيل أنه يعرف بالضبط ولهذا يتصرف كما يتصرف)، درج على القول انه حتى لو حققت ايران سلاحا نوويا، حتى اذا ما هرب شيء ما من كوريا الشمالية او الباكستان، لا تزال تبقى اسرائيل الدولة الاقوى في المنطقة. باراك ايضا، في المرحلة النظرية الحالية، يعبر مؤيدا الهجوم في ايران، وهذا بالطبع موقف مشروع. ولكنه يتحدث الى شخص يمسك في يد قدرة ابادة اكبر بكثير مما يوجد أو سيوجد للايرانيين، في كل سيناريو مهما كان، دعما دوليا شديد القوة، وبالاساس كبرياء ذاتي لدولة، منذ 63 سنة يفترض أن تكف عن أن تكون جالية خائفة تصرخ "النجدة".

        باراك مسؤول عن الجملة البائسة "وصلنا الى هنا متأخرين خمسين سنة"، والتي قالها في اوشفتس، بمعنى انه لو كانت توجد في 1944 وحدة هيئة الاركان لكانت رتبت مرة واحدة والى الابد كل هذا الموضوع مع الالمان. ولكنه على الاقل لا يضعنا في اوشفتس 1944 كي يجند شرعية وتأييد لخطوة من يعارضها يفعل ذلك هو ايضا لاعتبارات مصلحة اسرائيل.

        يجدر بالذكر ان قليلا من الدول تعطي نفسها حرية عمل كاسرائيل. في الثلاثين سنة الاخيرة غزونا دولة أجنبية وحاولنا تغيير نظامها بالقوة، قصفنا في أرجاء الشرق الاوسط من ليبيا وحتى العراق وفي كل انواع الاماكن التي تذكرها باسمها المصادر الاجنبية وحدها، قتلنا أناس اينما شئنا ومتى شئنا. احيانا كان في هذا منطق ومنفعة واحيانا لم يكن؛ ولكن دوما، من بيغن وحتى نتنياهو سنجد من علق السبب للفعل بالكارثة. والان، عندما جلبنا رئيس وزراء اسرائيل نفسه الى 1944، فاننا وصلنا الى القاع.