خبر السلطة الفلسطينية كابوس.. لكن لمن؟ ..ماهر رجا

الساعة 07:23 ص|06 مارس 2012

لا تستقيم التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن وضع السلطة الفلسطينية ككيان، مع تصريحات فلسطينية كثيراًَ ما صدرت عن رام الله.

هذه السلطة التي تشهد أحياناً ، وللأسف ، تسابقاً للجلوس في عرباتها الأمامية في رحلة سعيدة إلى الجحيم، كان هناك من كرر عبر السنوات الماضية مفتخراً بتوصيفها بأنها أحد أهم إنجازات الشعب الفلسطيني.. وعلى الجهة المقابلة كانت تل أبيب تحافظ على صمت يخفي خلفه غبطة عارمة  إزاء تصريحات كهذه،  إذ لم يكن يزعج الصهاينة طبعاً ان يكون هناك من يعتبر هزيمته انتصاراً، فيما واصلوا في العالم تكريس الانطباع بأن "إسرائيل تقدم تنازلاً تاريخياً" بموافقتها على قيام سلطة فلسطينية على أرض في الضفة والقطاع، معتمدين بإرساء المقولة على قصر ذاكرة المفاوضين الذين يصعب عليهم، كما يبدو، أن يتذكروا سلسلة من التصريحات الصهيونية المغايرة، قد يكون اهمها ما قاله شمعون بيريز من أن  اتفاق اوسلو وما ترتب عليه هو ولادة ثانية لإسرائيل.. (بمقلوب الكلام، نكبة فلسطينية ثانية).

لكنّ، في نفس الوقت، في الكيان الصهيوني من يخشون من هذا الاستعراض الإسرائيلي المستمع بالرقص فوق الرمال المتحركة. إذ فيما يبدو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واثقاً وهو يتحرك في خطا انتصاريه مغتنماً عامل الوقت للتهويد والاستيطان، بغطاء عملية سياسية غائبة حاضرة ، تصدع أصوات صهيونية أخرى بالمخاوف ، وتتوالى تحذيرات تحاول لفت نظر المستوى السياسي إلى خطورة نقل العلاقة مع السلطة الفلسطينية إلى الصراع عند حافة الهاوية، وتدعوه إلى الإسراع في التقاط الفرصة التاريخية للانتهاء من مأزق إسرائيل الوجودي عبر العودة العاجلة إلى التسوية السياسية، وعدم حشر قيادة السلطة وخياراتها في الركن الأخير.

بيد أن مأزق هذه الأصوات من الداخل الصهيوني، انها ظلت خارج جدران صانع قرارات السياسة ، متحركة في هامش الصحافة وتباين- وليس خلاف- الأجندات في الحراك الحزبي وطريقة إدارة المعركة السياسية مع الفلسطينيين. وفوق ذلك، سبحت تلك التحذيرات مع الحكومة الصهيونية في بحيرة التواطؤ في إخفاء مغانم إسرائيل الاستراتيجية من وجود السلطة الفلسطينية أو/ و مغارمها من انتهائها في مناحي متعددة، ولم يغادر هذا السياق سوى استثناءات قليلة..

من بين تلك الاستثناءات ما نشرته يديعوت أحرونوت قبل أيام مطلع مارس الجاري، بقلم محلل الشؤون الأمنية والعسكرية في الصحيفة أليكس فايشمان، وهو قال إن حل السلطة الفلسطينية سيكون أحد أكبر كوابيس إسرائيل. ويشير فايشمان إلى حسابات فعلية أمنية واقتصادية تم إجراؤها في مؤسسات رسمية في الكيان الصهيوني، وقد خلصت التقديرات إلى أنه في حال تم حل السلطة ، سيكون على تل أبيب أن تتحمل عبء ثلاثة مليارات وخمسة وعشرين مليون دولار سنويا، إلى جانب عودة الاحتلال إلى مجابهة مخاطر أمينة في الضفة تتكفل بها السلطة اليوم، وهي مخاطر يشير إليها التقرير بتوصيف " تبعات أخرى".

بحساب الأوراق القديمة، نتذكر أن كثيرين من المسؤولين الصهاينة عددوا بعد اتفاق أوسلو وإقامة السلطة، فوائد إسرائيلية استراتيجية في معرض دفاعهم عن الاتفاق: فقد تحدثوا عن  إلقاء الأعباء الأمنية لمنطقة ساخنة على سلطة ملزمة باتفاق بإشراف دولي.. وذكروا أيضاً المكسب الصهيوني التاريخي المتمثل بتطويق الحلم الفلسطيني بالأرض وتدجينه وحصره في حدود بانتوستونات معزولة وسلطة غير قابلة للحياة، كما تباهوا بأن أوسلو  دفع منظمة التحرير إلى التخلي عن الكفاح المسلح، وقالوا أيضاً إن من أهم الفوائد ثنائية ظهور إسرائيل أمام العالم بمظهر من يعمل من اجل السلام وإنهاء الاحتلال في حين أنها تحتفظ بحضورها على الأرض ككيان محتل .. ثم يأتي الأقل أهمية ربما، أي  التخلص من أعباء الاحتلال الاقتصادية، بحيث يتحول الاحتلال الصهيوني للضفة وغزة إلى أرخص احتلال في التاريخ على حد توصيف محمود عباس وبكلماته...

على ان كل تلك الفوائد الإستراتيجية كانت تقترن في الخطاب السياسي الإسرائيلي المعلن بالزعم أن الثمن كان "تنازلات مؤلمة" لا بد منها. وكان السياسيون من المفاوضين والمستوى الأعلى، يحرصون في تصريحاتهم ولقاءاتهم مع الجانب الفلسطيني، على رفع شكوى "الخسارة الاستراتيجية" وربما الوجودية أمام مناقشة أي بند من قضايا التفاوض مهما  كان صغيرا.

في ضوء ذلك يمكن تقدير الأهمية الحقيقية لما نقله أليكس فايشمان في يديعوت أحرونوت- الرجل المتصل دوماً بمراكز القرار العسكري والاستخباري في الكيان الصهيوني. ونحن نتحدث هنا عما يبدو أنه على الأغلب، أول كشف إسرائيلي موثق وصريح لبعض مفردات وتبعات الهاجس الحقيقي الذي يتملك من يقررون السياسات في الكيان الصهيوني حيال مستقبل السلطة الفلسطينية، في إشارة إلى قناعة مضمرة لدى المؤسسة الرسمية الصهيونية بأن السلطة الفلسطينية حاجة إسرائيلية، وربما بصورة ملحة في هذا الوقت بالذات.

مع ذلك، فإن قادة الكيان الصهيوني يفضلون الآن الاستمرار بارتداء قناع الوجه الباسم على المسرح السياسي، بنظرة ماكرة وإشارة ثقة، مواصلين غالباً إظهار سياسة اللامبالاة حيال مخاوف من حل السلطة. والتقدير الأرجح أنهم  مطمئنون إلى حد بعيد على الرغم من العواصف المندلعة من حولهم إقليمياً، ذلك أنهم يعتقدون أن أصحاب السلطة لن يقدموا على حلها بأي حال، والسبب الأساسي قناعتهم بأن الطرف الآخر في رام الله يرى في وجود السلطة وجوداً له وفي غيابها غياباً لحضوره السياسي، ما يجعل الخطوة انتحارا في هذا الحساب..

هل بهذا يرمي نتنياهو قطعة النقد في المثلث الرابح ؟؟.. يبدو ذلك صحيحاً ، بالنظر إلى أن قيادة السلطة الفلسطينية لم تجرؤ على الاستمرار في بدائل أقل كلفة على مر الأشهر الماضية حين كان بوسعها أن تفعل ذلك، واكتفت بالخطوات الناقصة التي تستهلك البدائل وتحبطها برميها في منتصف الطريق.. هكذا كان حال وعيد التوجه إلى مجلس الأمن للحصول على اعتراف بدولة فلسطينية، إذ اكتفت الدولة بخطاب أبي مازن في الامم المتحدة.. قليل من الضجيج، ثم غاب كل شيء، بعد أن لحظ السياسي الفلسطيني احمراراً في العين الأميركية.. وبالنتيجة يستمر الوضع السكوني، ليصبح أكبر كوابيس إسرائيل كابوساً فلسطينياً.