خبر طيور الجنة....علي عقلة عرسان

الساعة 12:54 م|02 مارس 2012

طيور الجنة، هكذا يسميها الناس، لها ريش قصير ملون بألوان أقواس قزح، يجعل منها فراشات ربيعية عجيبة، تطوف على أزهار رائعة وترسم في الفضاء ملامح الجمال المشتهى في مشاهد جميلة يرى فيها الناس الجنة المنشودة.. ويستروحون في غدوها ورواحها ريح الجنة ويسرهم منظرها الجميل وتبعث فيهم التفاؤل.. لكن طيور الجنة من حولي اليوم ذات ريش ملوث بالدم، وأجنحة قانية، ومناقير سود، ولحركتها حفيف يشبه حشرجة من هم في النزع الأخير، وترسم في الأفق معالم الجحيم؟! ما الذي حدث لطيور الجنة في جنة بلادي؟! ومن الذي غيب عن ناظري الجنة لكي لا أرى إلا الجحيم؟!

لا أسأل العقلاء ولا أبحث عن المناطقة وسدنة علم الكلام وأصول الفقه، ولا أخاطب الساسة ولا تجار السياسة، وأحاذر المثقفين، وأتهيب الإعلاميين، وأتحاشى المناضلين، ولا أقترب من زعماء الأحزاب والأحياء، وأتجنب العصابات والوحدات المسلحة ما استطعت إلى ذلك سبيلا.. إنما أحمل مصباح ديوجين في الضحى وأبحث عن الإنسان في تربة بلادي وفي مجاهل وطني الكبير، وأتوجه بأسئلتي المرة وخطابي الحزين إلى عشب الأرض في صباح من صباحات أوائل الربيع، وهو  يتفتح على الطبيعة بنهم وخوف، ويخترم خرماً في ثوب الثلج ليرى النور ويتدفأ بالشمس ويَرى ويُرى ويزيِّن الوجود.. لماذا أيها العشب الطفل لا تجد من حولك، كما لا أجد من حولي، إلا من يشبعك رعباً ويهرسك هرساً ويدفنك في كفن الثلج أو يبقيك في العراء من دون كفن، ويحرمك من النور والشمس والدفء والحياة؟!.. أخاطبه بحسرة مأساوية وأسأله عن حبيبتي سورية الغارقة في بؤسها ويأسها ودمها.. أقول: متى تصحو تلك الجميلة الأصيلة وتنضو عنها شر ما هي فيه؟! متى تشرق الشمس على هذه العروس الجميلة وتستعيد لون فَراش الربيع وسعيه النبيل وتشكله البديع، وتتزين للدنيا فتزيِّن الدنيا، وتعطي الدنيا اليوم شيئاً من الجمال والحكمة كما أعطتها بالأمس: الحرفَ والنبوة وبعض منجزات الحضارة والعقل؟! هل ضاق بها العالم على رحابته فضاقت بكل شيء؟ أم ضمرت فيها ضمائر وإرادات وعقول وسواعد وانحسر فيها حتى مدُّ الخصب والعطاء اللذين كانتهما وكاناها على الزمن؟!

أسأل ولا أكل ولا أمل.. ولكن، أصدقكم القول: إن العشب لا يجيبني، ويدفن نفسه في التراب خوفاً مني، وربما أصبح لا يحبني ولا يطيقني.. فأنا السوري أصبحت بنظر العشب اليوم قاتلاً أو قتيلاً.. مسلحاً يطارد مسلحاً، وداعية ينعق بالتسلح ويسحب الموت على الحياة.. ومن يتسلح ويدعو إلى التسلح يغدو بنظر العشب الحياة: داعية قتل ومشروع قاتل أو قتيل، وكلاهما بنظره يهرق دم الحي ونسغ الحياة، ويهرس الأشياء الجميلة بحذاء أو بجنزير دبابة.. لا فرق.. فكما قيل: "تعددت الأسباب والموت واحد.".. والعشب الربيعي الفتي لا يريد الموت بل يطلب الحياة.. فإلى من أتوجه بأسئلتي المشروعة لتطمئن نفسي الحائرة وأنا أحرص على ديني ودنياي، وعلى أن أخرج من ابتلائي وبلاي ؟! وأين أجد ملامح بلدي التي غيبها الشتاء القطبي وغابت عنها الشمس طويلاً، وانتشرت الذئاب في سهولها ووديانها.؟!

أصغي وأصغي حتى لأكاد أسمع دبيب النمل وأنا أنتظر دبيب الحياة في عقول وضمائر وإرادات وفي أجساد تطلب الحياة وتحرص عليها.. وأصغي إلى من حولي في مدى الرؤية والصوت فإخال أن كل الأصوات والحركات البشرية من حولي تقول لي: أنت مخطئ، أنت لا تسمعنا، أنت لا ترانا فقد أغلقت بصرك وقلبك من دوننا.. أنت لست معنا.. كن معنا تسعَ وترشَد.. نحن أجوبة أسئلتك، وتهدئة نفسك، ونحن حلمك ومستقبلك وأملك.. و.. وحين أدقق في من حولي وما حولي يتراءى لي كل من يخاطبني يتمترس في متراس وراء موقف أو رأي أو فئة أو مذهب، بأمر من نفسه والنفس أمارة بالسوء أو بطلب من عدو في زي صديق، ولا يكون العدو صديقاً ولن يكون، يتمرس حاملاً السلاح ويطلق النار، ويشيع فيَّ وفي من حولي الرعب والموت.. ومن خلال الرصاص والرعب والموت لا أستطيع أن أتبين صوت الحياة، ولا منابت العشب، ولا ضوء الصباح، ولا الفراش الربيعي الملوَّن، ولا سورية الحبيبة الجميلة، ولا نوافذ الأمل..!! لا أكتمكم أنني أشعر بأن المواطن أخي يصرخ في أذني ويقول لي قل: "إنني تعبت، بل أرهقت، بل.. فقد طرقت أبواباً كثيرة.. ناديت، وناشدت، وهتفت، وغنيت، وهلَّلت، وكبَّرت، وبكيت، وصليت.. ولكن وجعي ازداد، وقلقي لم يهدأ، وصوتي بح ولم يصل، ولكن أسئلتي لم تلق أجوبة شافية ومقنعة، ومناقع الدم من حولي تزداد وتتسع، وشمسي تتكاثف فوقها الغيوم، وما زال الكابوس جاثماً على صدري.. إنه ليس كما كان منذ عام بل أصبح في وضع يشتد وطأة علي وعلى من يطلبون الحياة وينتظرون رؤية بساط من العشب الربيعي.."، وأنا وكثيرون غيري بلغنا حدود الرَّهق ولم نبلغ حدود اليأس بعد.. فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة.

أنا في بوحي وبثي هذان لكم لا أطمح إلى أن أغير الأنفس بل بعض ما فيها، ولا أستجدي العطف بل أستحث الخير في أهل الحكمة والخير، لكي يروا رؤية ينيرها الإيمان وتحيا بها الروح ويزداد حب الإنسان للإنسان، تمتن أواصر الأخوة والمحبة والقربى والشراكة في الوطن والمصير، في الشرط الإنساني والمصير الإنساني.. لكي تكون هناك إرادات تنطلق من عمق المسؤولية، وليكف عن النفخ في النار من ينفخ فيها، ولينهى القادرون على الحل والعقد عن ذلك كله، للضلال دروب وللرشاد درب.. ومن يمنع التحشيد والفوضى وتجييش حميا الرأس والجسد على حميا لعقل والمنطق يفتح أبواباً للشيطان ويغلق باب الرحمن.. لأن من شأن فعل التجييش والتحشيد والتسلح والفتك المتبادل أن يأتي على مزيد من الأرواح والعمران والإرادات والعلاقات، ويؤسس لما هو أشد من ذلك بين أبناء البلد الواحد، وبما هو أشد على بلاد وعباد تربطهم علاقات تاريخية ومصائر ومصالح لا حصر لها، ولأنه سيزرع في الأنفس ما يشقيها ولا يبقيها، ويضع البلدان على مشارف الخراب.. وليس في هذا مصلحة لمؤمن أو مسلم أو إنسان عاقل حكيم يشعر بالمسؤولية الإنسانية حيال الآخرين ويهمه أن يصلح بين أخويه كما أمر الله، وألا يثير فتنة وقودها الناس والحجارة، تفضي إلى فتنة أشد وأهوال لا تحد، ولا يستفيد منها سوى أعداء الأمة والدين، أعداء الإيمان والإسلام والعروبة في هذه الأرض، أرض الرسالات والشمس والمحبة والحياة.. في وقت يهددون فيه المقدسات وينفذون خططهم ضد الوطن والشعب والدين في أرض العرب والمسلمين. 

ألا إن صوتي في شبه فراغ، وحراكي من ألم ممض، " والديك يرقص مذبوحاً، من الألم"، وقلقي رَهق، وأشعر أنني ما أوصلت صوتي في خضم الضجيج على الرغم من أنني هززت قيثارتي وأنشدت من أجل الوطن والناس والحقيقة وطيور الجنة، جنة بلادي، وليس لي إلا ما وهب الله لي من قدرة، وهو المستعان على كل أمر.. فيا فرج الله اقترب.. الناس في المحنة والبلد في الامتحان، وبين المحنة والامتحان ركام هم وألم وأكاذيب، وزبد قول وسيول دم تغمر أبواباً كثيرة قد يأتي منها الفرج.. وليس لأمرك راد ولا لقدرتك حدود: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ      ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ       ﭙﭚ  ﭛ   ﭜ  ﭝ    ﭞ  ﭟ  ﭠﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧﭨ   ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭼ يونس: ١٠٧ وليس للخلق سوى فرج الخالق، وهو المستعان على كل أمر وفي كل حال من الأحوال.

 

         دمشق في 2/2/2012