خبر سياسة النووي- معاريف

الساعة 11:46 ص|02 مارس 2012

سياسة النووي- معاريف

بقلم: نداف ايال

(المضمون: التطرف في خطاب وفعل طهران ينبع أساس من ضغط داخلي قبيل الانتخابات اليوم. يمكن الامل بالهدوء قريبا - المصدر).

الانتخابات اليوم في ايران توفر فرصة استثنائية للنظر في السياسة الداخلية، الخفية، معظم الوقت. ايران، من هذه الناحية، هي دولة منفتحة نسبيا؛ صحيح أن المرشحين رفضهم بجموعهم "مجلس خبراء" النظام، ولكن اولئك الذين ينتخبون – يدخلون المجلس، تنشر اسماؤهم على الملأ وهكذا ايضا اراؤهم. وينتظر الغرب هذه الانتخابات ليس لانه يؤمن بتغيير عميق في طهران – النظام تأكد بان هذا سيكون متعذرا هذه المرة – بل بسبب القدرة أخيرا على رؤية صورة القوى الحقيقية. هذا هو جوهر الازمة في التصدي للنظام الايراني: العمى. فمنذ ثلاث سنوات تقريبا وموازين القوى الداخلية في ايران ليست واضحة. واذا اقتبسنا عن هيلاري كلينتون "فلم يعد الغرب يعرف من يسيطر في ايران". صعب بعض الشيء حل أزمة بحجوم عالمية عندما لا يكون واضحا من هو الشريك. المنافسة الحقيقية هي بين الزعيم الروحي علي خمينئي، الموالين للرئيس احمدي نجاد ومراكز قوة مستقلة ولكن حرجة – الحرس الثوري والبسيج. "الجبهة الموحدة هي على ما يبدو البرنامج السياسي الاوسع، وهي ترتبط بالزعيم الروحي، وان كانت تتمتع بدعم واسع نسبيا. جبهة المعارضة ترتبط بالموالين للرئيس، غير أنه هو، بشكل ذكي، يدفع برجاله الى المنافسة اساسا من خلال قوائم محلية لا تتماثل مع فصائل وطنية معروفة. وهكذا يكون أصعب على رجال الزعيم الروحي تطهيرهم من قائمة المرشحين. التيار المتماثل مع الزعيم الروحي اكثر من غيره – على الاقل بزعمه – هو "الصمود". آية الله الخاص باحمدي نجاد، يزدي، ترك مؤخرا رجال جبهة المعارضة وبات اليوم يتماثل بالذت مع الزعيم الروحي. ليس واضحا ماذا يعني هذا بالضبط في علاقاته مع الرئيس.

التوقع الواسع هو ان يتعرض الرئيس الى ضربة قاضية في هذه الانتخابات. هذه هي المرة الاولى التي تجري فيها المنافسة منذ الانتخابات المزيفة في 2009. منذئذ، نهر من الدم الفاسد تدفق بين الزعيم الروحي وبين الرئيس احمدي نجاد. كيف نفهم لماذا، يجدر بنا أن نتذكر ما هي الشخصية السياسية لاحمدي نجاد، فضلا عن شخصيته الشريرة التي نراها نحن هنا في اسرائيل. الرئيس الايراني، ولعله بشكل مفاجيء من ناحيتنا، يعتبر جهة اصيلة وعلمانية داخل اليمين الايراني. خلافا لاسلافه فهو ليس رجل دين. خلافا لاسلافه، مواقفه من مسائل اجتماعية تثقل على الجمهور الايراني هي مواقف ليبرالية نسبيا. احمدي نجاد يتخذ مواقف منفتحة نسبيا حول دمج النساء، ومسؤول عن حل لجام حرس العفة في طهران. الموقف الاساس الذي يعرضه يضفي على الثورة الاسلامية طابعا قوميا ايرانيا. ايمانه بـ "تصدير الثورة" (الاسم السري للاعمال الارهابية والاعمال الثورية في الخارج) لم يثبت ابدا. ويعتبر الرئيس الايراني من أبناء الطبقة الجديدة التي نشأت في أعقاب الثورة – طبقة البيروقراطيين، المتدينين ولكن ليس رجال الدين، البرغماتيين، القوميين اكثر مما هم متدينين. هذا لا يعني أنه اقل خطرا على اسرائيل، بالطبع؛ ولكن هذه هي شخصيته السياسية الايرانية. خاتمي، بالمقابل، قد يكون يتمتع بعلاقات عامة ممتازة في الغرب، ولكنه كان آية الله بالتأكيد، والبرنامج النووي في عهده تطور على الاقل مثلما تطور بعده.

محاولات احمدي نجاد لان يصبح مركز قوة مستقل لا يرتبط بالزعيم الروحي تحدت المبنى السياسي الثوري وأدت الى رد فعل مضاد عنيف. خمينئي يبذل الان جهدا اعلى للسيطرة من جديد على المجلس، مع الموالين له. ومقارنة بالرئيس الايراني الذي يعتبر برغماتيا (داخل ايران) بالنسبة للبرنامج النووي، فان خمينئي اكثر تطرفا منه بكثير. بينهما يعمل بحذر وسطاء القوة، الحرس الثوري. وسيكون من قبيل التقدير المبسط ادخالهم في احد المعسكرين؛ فهم يرقصون في كل الاعراس، يكسبون المنافع من كل صفقة، مهمون لكل طبقة، فوق السياسة وفي داخلها تماما ايضا.

هذه الانتخابات ساهمت في موجة تطرف في ايران. التطرف في الخطاب النووي والتطرف في الاعمال خلف البحار، وكذا بالمس بالدبلوماسيين الاسرائيليين وبالاساس في محاولة الاغتيال الفضائحية للسفير السعودي في الولايات المتحدة. بعد المنافسة اليوم، من المتوقع لايراني أن تهديء اللهيب قليلا. السياسة الداخلية ستخلي مكانها لادارة الازمة. هذه هي النظرية المتفائلة، بالطبع.

* * *

العصبة ضد التشهير في نيويورك اتخذت هذا الاسبوع خطوة نادرة: فقد نددت، للمرة الثانية، بمرشح جمهوري للرئاسة. هذه العصب هي بالاساس شخص واحد، أيف فوكسمان. وهو يحظى بصدى كبير في الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وهذه المرة، مثلما في المرة السابقة، هذا الصدى وجه نحو ريق سنتوروم. بالنسبة للاسرائيليين، وبالاساس في اليمين المتطرف، سنتوروم هو حلم؛ من داخل مواقفه الدينية المسيحية ينبع رفض تام للفلسطينيين وحقوقهم الوطنية. بالنسبة لليهود في الولايات المتحدة، كما يتبين، يبدو هذا الحلم مثل الكابوس قليلا.

ما أزعج فوكسمان، ولعله ينبغي أن يزعجنا جميعا، هو التصريحات المتطرفة لسنتوروم ضد فصل الدين عن الدولة في الولايات المتحدة. سنتوروم – الذي خسر هذا الاسبوع في ميشغن واريزونا، ولكنه لا يزال قويا في السباق – قال ان الخطاب الشهير لجون كندي الذي تحدث فيه عن "الفصل المطلق" بين الكنيسة والدولة، دفعه لان "يرغب في التقيؤ". هذا الاسلوب المتخلف تتميز به المحافل الهاذية في الحزب الجمهوري، ولكن قول سنتوروم سار شوطا ابعد بكثير يتجاوز طبيعة الحديث. للرئيس كندي ولسنتوروم توجد ميزة مشتركة، واحدة فقط على الاقل، كلاهما كاثوليكيان. كندي حاول أن يهدىء روع امريكا، التي قلقت من أنه لاول مرة في تاريخها سيقودها ابن أقلية دينية ترتبط بكنيسة عالمية، مرجعيتها العليا توجد في روما. الاباء المؤسسون الامريكيون كانوا بعيدين جدا عن الكاثوليكية، اذا قلنا هذا برقة، وكندي اضطر الى ان يتصدى لمعاني هويته الدينية. وقد فعل ذلك من خلال العودة الى اسس الجمهورية والوعد الواضح بان امريكا بقيادته هي بلد لا يتشاور فيها الرئيس مع رجال الدين، والمدارس الدينية فيها لا تتلقى تمويلا من الدولة، وموظف الدولة لا يعين أو يرفض بسبب دينه. امريكا التي ليست يهودية، بروتستانتية أو كاثوليكية، بل جمهورية. خطاب كندي كان خطابا عظيما؛ فقد نجح في أن يعطل المعارضة له ويعتبر حجر أساس في المفهوم الامريكي من علاقة الدين بالدولة. ما ينساه الكثيرون هو أنه في خطوته لم يتنكر كندي لضميره. فقد قال بوضوح انه اذا اصطدمت المصلحة الوطنية مع ضميره الشخصي (والديني) فانه سيضطر الى الاستقالة من منصبه. فقد كان هذا قولا شجاعا جدا.

سنتوروم أراد "ان يتقيأ" من الخطاب لان كندي، بزعمه، حاول ان يكنس الايمان من الساحة العامة ويسكت قدرة "المؤمنين" على التعبير عن رأيهم. بل انه تحدث بشكل اكثر حدة: "أي دولة هذه تقوم ان الناس غير المؤمنين فقط يمكنهم أن يدلوا بحجتهم في الساحة العامة؟". بالطبع هذا تشويه تام لاقوال كندي الذي لم يعرب عن اعتراض على أن يصل المؤمنون الى الساحة العامة. فقد رأى نفسه شخصا مؤمنا، كاثوليكيا، الامر الذي يرفضه سنتوروم بالطبع وذلك لان كندي كان ليبراليا فيما انه هو محافظ متزمت.