خبر بعد 26 عاما: « سينما القدس » تعود من جديد في المدينة المقدسة

الساعة 06:41 م|29 فبراير 2012

فلسطين اليوم

على بُعد خمس دقائق من أسوار القدس القديمة، عادت "سينما القدس" لبث الأفلام بعد توقُّف استمر 26 عاما منذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، معيدة لشارع الزهراء بعض حيويته المفقودة بفعل الاحتلال وإجراءاته في المدينة المقدسة.

مبنى السينما الذي يتسع لواحد وثمانين مقعدا اكتظ في يوم افتتاحه بالحضور الذين لم يجدوا أماكن للجلوس بعد أن امتلأت جميع المقاعد، فاضطر كثيرون للجلوس على الدرج ليشاهدوا فيلمين من إنتاج فلسطيني للمخرجين إيناس المظفر وأحمد حبش.

رحلة إعادة أمجاد "سينما القدس" إحدى ثلاث سينمات مغلقة في المدينة المقدسة، انطلقت عام 2007 عندما قرر مركز يبوس الثقافي إعادة تأهيل وترميم المبنى الذي سكنته الفئران والقطط لأعوام طويلة.

المبنى الواقع في شارع الزهراء أقيم في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي ليكون دار عرض سينمائي لأهداف تجارية، ومع حلول الانتفاضة الأولى أغلقت هذه السينما أبوابها بسبب الأوضاع التي سادت القدس وعزوف المواطنين عن الحضور لمشاهدة الأفلام وكذلك التكاليف العالية لتشغيل السينما دون أن يكون مردود من ورائها.

مؤسسة يبوس التي تأسست في القدس عام 1995 قررت أن تجعل من مبنى سينما القدس مركزا ثقافيا يليق بالمدينة "المنسية"، ويعيد إليها شيئا من ماضيها التليد، بعد أن فقدت هذه المدينة المراكز المؤسسات الثقافية والوطنية الهادفة لحفظ الهوية وتكريس التراث بفعل الاحتلال وسياسة التضييق والتهويد التي تتعرض لها القدس.

تقول رانية الياس مديرة مؤسسة يبوس الثقافية في القدس، إن الهدف من ترميم مبنى سينما القدس وتحويله إلى مركز ثقافي يهدف إلى تعزيز القيم الثقافية والوطنية والإنسانية في مدينة القدس، وربطها بالبعد الثقافي المحلي والعربي والدولي.

وتؤكد الياس أن مؤسستها واجهت صعوبات مالية في سبيل تحقيق "الحلم" بتحويل سينما القدس إلى مركز ثقافي وطني في قلب القدس، إلا أنه بجهود ودعم العديد من الجهات نجحت المؤسسة في تأهيل وترميم الجزء الأكبر من المبنى.

وتشير إلى أنه يضم ثلاث قاعات هي: قاعة السينما وهي مجهزة كأي سينما في العالم، وقاعة مراكش التي سميت بهذا الاسم تعبيرا عن الشكر للمغرب التي قدمت دعما كبيرا لجزء من المشروع من خلال وكالة بيت مال القدس الشريف، وهي قاعة متعددة الأغراض لإقامة المعارض والعروض الفنية ولتدريب فرقة الدبكة والعروض الموسيقية وتتسع لمائة شخص، أما القاعة الثالثة فهي قاعة فيصل الحسيني وهي القاعة الرئيسية تتسع لـ 420 شخصا وما زالت قيد الترميم وبحاجة إلى دعم مالي.

وتعرض سينما القدس حاليا الأفلام العربية والعالمية إلى جانب المهرجانات والأسابيع الثقافية وهناك أيضا أفلام هادفة موجهة للأطفال وطلبة المدارس.

وعلى مدخل المركز الثقافي يواليك "مقهى فيروز" وهو عبارة عن مقصف صغير يجلس فيه المثقفون ورواد المركز لارتشاف فنجان من القهوة أو مشروب خفيف، كما تجد صالون "محمود درويش" وهو عبارة عن قاعة فسيحة تشتمل على معارض كان آخرها معرض "مصر إعادة تعبئة" اشتمل على صور من ميدان التحرير والثورة المصرية، وهناك مكتبة صغيرة وقاعة اجتماعات ضمن حدود المركز.

ولمواجهة سياسة دولة الاحتلال الهادفة لاجتثاث الوجود الفلسطيني بكافة أشكاله في القدس، قالت الياس "عملنا كل الإجراءات كي لا نعطي أي ذريعة لإغلاق المبنى، فاتبعنا الإجراءات المطلوبة للعمل في مدينة القدس، وبعبارة أوضح المركز تطلّب إجراءات قانونية وإدارية تفرض على المقدسيين في المدينة ونحن أجبرنا على عملها".

وتعاني مدينة القدس من الإغلاق المبكر قبل حلول المساء، ولا يجد سكان المدينة أماكن للترفيه والجلسات العائلية، فالشوارع مساء تغدو خالية من المارة باستثناء بعض السيارات والقليل من الناس، الأمر الذي يجعل تلك الشوارع مسرحا للقطط والفئران تسرح وتمرح كيف ما تشاء.

وتحرم سلطات الاحتلال غالبية فلسطينيي الضفة الغربية من دخول مدينة القدس، ولا تسمح سوى لعدد محدود من العمل بالوصول الى المدينة بتصاريح عمل لا تسمح لهم التجول في كل انحاء المدينة، والأمر الذي زاد من عزل القدس جدار الضم والتوسع الذي أقامته السلطات المحتلة لعزل الضفة الغربية وضم المزيد من أراضيها لأراضي عام 48.

وتعتبر فكرة إعادة افتتاح سينما القدس وإلى جانبها المركز الثقافي بكل مكوناته إحدى المحاولات الرائدة لإعادة الحياة للقدس، وهو الأمر الذي تحقق منه بعض الشيء، لا سيما وأن هناك حركة بدأت تلاحظ في شارع الزهراء من خلال رواد المركز والقادمين لمشاهدة عروض السينما.

وتقدِّر مديرة مؤسسة يبوس أعداد الحضور في السينما بمائتي شخص يوميا بينما يحضر لعرض كتاب أو نشاط فني آخر بضع عشرات والعدد في ازدياد ملحوظ.

وتؤكد أن شهر آذار القادم مليء بالفعاليات الثقافية بشكل شبه يومي، ومن أبرز تلك الفعاليات سيكون هناك "اسبوع ليالي الجاز في القدس وعمان"، والذي سيقام في المدينتين بالتعاون مع مسرحيين أردنيين.

وترى الياس أن التحدي الأكبر بعد البدء بقطف ثمار 15 عاما من العمل الدؤوب هو الحفاظ على هذا المشروع وإبقاء ديمومته فهناك ما زال جهد كبير على عاتق الجميع للاستمرار لا سيما من ناحية العمل والنفقات المالية المتعاظمة.

وتؤكد أن الاعتماد على النفس واجب على الجميع، فالحركة الثقافية والفنية كانت نشطة في القدس ويجب أن نأخذ زمام الأمور ونعيد للمدينة مجدها ولا ننتظر بعضنا البعض ونتبادل اللوم فيما القدس تنحدر في دهاليز الضياع وفقدان الهوية التي تمثل أساس الصراع، كما رأت أن من واجب الجميع أن يقدروا قيمة العمل الثقافي ويجعلوا منع حافزا لاستمداد القوة في مواجهة سياسات التهجير والطرد والتهويد.