خبر الأعداء الجدد للربيع العربي ..أيمن خالد

الساعة 08:49 ص|25 فبراير 2012

ليس غريبا أن تطل مجموعة لا باس بها من المثقفين العرب إضافة إلى مؤسسات ودول هدفها التشكيك بفكرة الحراك الشعبي العربي، هذا بعمومه نتاج طبيعي لمرحلة ميزت نفسها فيها هذه النخب، وظلت النظرية القديمة البائسة تتردد أصداؤها إلى عهد قريب والتي تصف النخب المثقفة نفسها بأنها الرافعة التي تعمل على رفع مستوى وعي الشعب ليصل بدورة إلى مستوى هذه النخب غير أن الشعب تجاوز هذه النخب، من أحزاب وقيادات سياسية ودينية وغيره، وتحرك هذا الشعب ليس وراء طوابير النخب، ولكن وراء بائع خضار مسكين كل ما كان يرجوه أن ينال لقمة خبز بلا ذل.
أظن أن الشعوب التي قاتلت الاستعمار عبر التاريخ ولدى مختلف الأمم والأديان والأعراق لم تكن سبب ثوراتها قراءتها للبرامج السياسية والتي غالبا يأتي بها المتأخرون.فأصل الثورات تبنيه قاعدة البحث عن الكرامة، بمعنى أن أي ثورة في التاريخ، هي فطرة إنسانية تقوم على رفض الظلم وطلب الكرامة. ويمكن أن يكون للمثقف أو الفيلسوف دوراً نظرياً مهماً، لكن الناس تختزل فكرة الكرامة في حراكها ولا تحمل كتب مثقفيها إلى ميدان المعركة.
أغلبنا كمثقفين أخطــــأنا في فهم شعوبنا، وتهنا أمدا بين غلبة التمايز وتفلسفنا باختراع الحلول وكنا نظن أن أصل الثورة فكرة تقتضيها الحاجة، وقد لا يخطر بـــبالنا أنها تشخيص فطري، يشبه حاجة الناس للماء والطعام، غير أن هذا التشخيص الفطري هــــو عــــمل يتأتى (بشكل جماعي) يفقد قدرته على التحقق بشكل فردي.
فإذا قام الأفراد بالبحث عن كرامتهم أمام سياط الظلمة تحولوا إلى أبطال في المعتقلات أو شهداء تذكرهم الناس، وهذا هو سر الربيع العربي ونجاحه أنه عمل جماعي اختفت فيه أو تكاد ملامح العمل الفردي، وهو ما أشكل على بعض المثقفين فهمه، فهم يريدون قائداً على شاكلة فلاسفة بعض الثورات حتى يقتنعوا بهذا الربيع العربي.ولعل العرب هنا من خلال ربيعهم أضافوا مأثرة للتاريخ، علينا أن نعيها وهي فلسفة العمل الفطري الجماعي الذي تختفي فيه أسطورة القائد ويتحول فيه كل فرد إلى أسطورة.
أظن أن الثورة الفرنسية وعموم الغرب ظلوا يأكلون لحم بعض حتى انتهوا من الحرب الكونية الثانية وعندما اكتشفوا أن الزعيم هو موظف بدور بشري وليس معجزة زمانه وليس أسطورة كونية عندها ارتفعت عندهم قيم الإنسانية وقيم حقوق الإنسان وأبدعوا، وعلى نقيض ذلك فالإبداع المحمي بالقمع هو الذي أنهى حكم الشيوعية، فالظلم مؤذن بالخراب ليس عند ابن خلدون والعرب فقط، ولكنه حقيقة إنسانية.
الأعداء الجدد للربيع العربي دورهـــم مؤذي، لأنهم لا يمهلون الناس لالتقاط أنفـــاسهم، ويتحولون إلى معارضة صادقة في نقدها وفي سعيها الدءوب للكشف عن مواضع العجز لا الخلل، لكنهم أنفسهم الصامتون بالأمس، وبتقديري إن بعض الفوضى تحت وطأة الحرية ومنهج يسعى يوميا لالتماس خطى العدالة هي أمر طبيعي، فانتظام الأمور تحت سياط الجلاد فوضى الحرية خير منها.

' كاتب فلسطيني