خبر الدكتور/ أيوب عثمان يكتب : « الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين » إلى عامها الرابع والأربعين

الساعة 09:59 ص|22 فبراير 2012

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

 

حينما وقعت كارثة الهزيمة التي زلزلت كيان العرب في يونيو 1967 فضاع كل ما كان قد تبقى من فلسطين، ما كان للسرطان الصهيوني إلا أن يتمدد في كل اتجاه من الجسد العربي حتى أضحى الوطن العربي كله – بدءاً من فلسطين ومصر وسوريا ولبنان والأردن – نهشاً لهذا التمدد السرطاني. وبعد هزيمة العرب في حزيران 1967 بعامين، وعلى أنقاضها، انطلقت أول قوة عسكرية ماركسية تحت مظلة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي أعلن القائد المؤسس الرفيق نايف حواتمة عن قيامها في مثل هذا اليوم 22 فبراير، من العام 1969، منذ 43 عاماً، لتبقى شعلة نضال وطني مقاوم منفتح على كل السبل ومتصاعد في كل اتجاه وعلى كل الصعد.

في مشوارها النضالي المتواصل على مدار 43 عاماً، سلكت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مسلكاً نضالياً ميزته ديمقراطية الوثوق والتأمل التي أنتجت من خلاله إرثاً يعد مدرسة في الفكر الديمقراطي التقدمي المنفتح، بعيداً عن الديماغوغية والكمالية والعدمية.

لقد كان للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين شرف المساهمة الواضحة في نقل القضية الفلسطينية إلى مصاف حركات التحرر العالمية المعاصرة. أما  في سياق الثوابت الوطنية الفلسطينية، وهي إقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس، وحق العودة، فقد كان نضال الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نضال ثبات ووعي ورسوخ وريادة وجسارة، وما يزال. أما في سياق نضالها من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، فقد ظلت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تواصل فعلها النضالي دون انفصال عن منظمة التحرير، ودون خروج عليها، بل ظلت مندمجة فيها، منخرطة في كل مكوناتها وجزئياتها، باعتبارها الإنجاز الوطني الفلسطيني المؤسسي المعبر عن آمال الشعب الفلسطيني وطموحاته، والممثل لأهدافه الوطنية وغاياته القومية.

إن أبرز ما تميزت به الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في نضالها هو 1) إيمانها الذي لا حد له بالإجماع الوطني، أو التوافق الوطني، على الأقل، حتى أن تاريخنا الوطني الفلسطيني لم يسجل عليها أي خروج أو انحراف عن السياق الوطني 2) تبنيها لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية على أي جزء يتم تحريره من أرض فلسطين 3) طرحها برنامجها النضالي المعروف ببرنامج "النقاط العشر"، داعية منظمة التحرير الفلسطينية إلى تبنيه باعتباره برنامجاً نضالياً بديلاً يشكل دمجاً بين النهج الاستراتيجي والنهج التكتيكي، ما شكل أساساً للبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي اعتمده المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة عام 1974، والذي حقق للقضية الفلسطينية كسباً على المستوى الدولي، كما حقق على المستوى العربي اعترافاً بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، الأمر الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى عنوانها الحقيقي باعتبارها قضية شعب يسعى إلى التحرر الوطني والعودة إلى دياره التي شرد منها عام 1948 بقوة البطش الإسرائيلي، بعد أن كانت قضية لاجئين فقراء مشردين يعيشون على بطاقات التموين. ينبغي لنا – في هذا السياق – أن نشير إلى أن الأمم المتحدة كانت قد أقرت بأن قضية فلسطين هي من قضايا التحرر الوطني، وأن الشعب الفلسطيني هو شعب واقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما أنها (الأمم المتحدة) قد أصدرت اعترافها الشهير بفلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، ما أدى إلى قيام رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات – بناء على دعوة من المنظمة الأممية – بإلقاء خطابه الشهير في الأمم المتحدة، حاملاً غصن الزيتون في يد والبندقية في يد. 4) سعيها الحثيث الذي لم يتوقف لبعث روح الوطنية من جديد في أعقاب الانقسام الفلسطيني الناشئ في 14/6/2006ٍ بين الضفة الغربية وقطاع غزة. 5) انتباهها اللافت إلى مخاطر الانزلاق نحو المفاوضات والتوهان في سراديبها دون توفر شروط نجاحها، وفي صدارتها وقف الاستيطان وتحديد المرجعية السياسية للتفاوض وسقفه الزمني وجدول أعماله، وكل ما يضمن تحقيق الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وإلا فإن البديل الممكن هو الانسحاب من التفاوض العبثي مع اعتماد استراتيجية بديلة تجمع بين الانتفاضة ونيل الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية المستقلة، والعمل على نزع الشرعية عن إسرائيل بصفتها دولة احتلال ومحاكمة قادتها على جرائمهم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني 6) تأكيدها على أهمية استنهاض المقاومة الشعبية وتحذيرها من محاولات افتعال أي تعارض بين حركة المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة، انطلاقاً من إيمانها بأن المقاومة بكل أشكالها هي حق مشروع للشعب الفلسطيني بصفته شعباً واقعاً تحت الاحتلال، وذلك استئناساً  بموقف الإجماع الوطني الذي صاغته وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى 2006) واستناداً عليه. 7) اهتمامها العالي بصون الحريات العامة، مسلطة الضوء على خطورة التدهور المتسارع في حالة الحريات العامة والحقوق المدنية والديمقراطية في الضفة وغزة، لاسيما في ظل الانقسام القائم والمتواصل لمدة قاربت على اكتمال أعوام خمسة. 8) أما النقد الذاتي الذي تمارسه الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فهو أمر من الظلم للجبهة الديمقراطية ألا يشار إليه وألا يؤكد عليه، لاسيما ونحن الآن نحتفي بذكرى انطلاقتها الرابعة والأربعين. وليس أدل على ما نقول مما قرأته – أثناء كتابتي لهذه المقالة – في الكتاب الرابع والعشرين من سلسلة "الطريق إلى الاستقلال" تحت عنوان: "استراتيجية فلسطينية بديلة" الذي كتبه أربعة من قادة الجبهة الديمقراطية (قيس عبد الكريم وفهد سليمان وتيسير خالد ومعتصم حمادة)، حيث تقول الجبهة  الديمقراطية لتحرير فلسطين في كتابها هذا: "لقد سبق للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهي تتناول ضرورة قيام مقاومة شعبية، أن قدمت العديد من أوراق العامل لرسم الهياكل والتشكيلات وأساليب تنظيم المقاومة الشعبية...  غير أن هذا كله لا يعفي الجبهة الديمقراطية من الوقوف أمام المساءلة الذاتية... ونعتقد أن حجم المسألة لفصيل يساري كالجبهة الديمقراطية يجب أن يرتقي بمستواه، من حيث الجدية، وحجم المسؤولية (التي تتحملها الجبهة عن قيام مقاومة شعبية) إلى المستوى الذي تقدم به الجبهة نفسها، وتقدم فيه رؤيتها لطبيعة المقاومة الشعبية وهياكلها وأساليب عملها. ولعل أول ما يمكن ملاحظته في هذا السياق هو المسافة الواسعة التي تفصل بين طروحات الجبهة ومواقفها من جهة، وبين دورها وأدائها من جهة أخرى. فالأداء مازال حتى الآن دون هذه الطروحات، ودون القدرة على الاستجابة لها والتفاعل معها...".

وارتباطاً بالنقد الذاتي الذي تمارسه الجبهة الديمقراطية والذي دللنا عليه من خلال أحدث إصداراتها الذي أشرنا إليه آنفاً، فإنه لا ينبغي لنا – ونحن نحيي مع الجبهة الديمقراطية ذكرى انطلاقتها الرابعة والأربعين ونحيٍِّيها – أن نغفل أو نتغافل عن الأهمية الكبرى على المستوى السياسي والوطني والثقافي والتاريخي، لما أنتجته الجبهة الديمقراطية وتنتجه وستظل، بإذن الله، تنتجه من إرث سياسي ووطني وثقافي وتأريخي هائل عبرت عنه وما تزال تعبر عنه في المئات والمئات – وليس العشرات – من النشرات والإصدارات والكتب والمطبوعات والتقارير والمجلدات، والتي أشرنا إلى كتاب منها يحمل الرقم 24 في سلسلة "الطريق إلى الاستقلال"، كما نشير إلى كتاب آخر يحمل الرقم (6) في سلسلة "من الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر" تحت عنوان "قضايا نظرية: في الاشتراكية، أزمة الرأسمالية، والعلمانية".

وبعد، ففي مثل هذا اليوم، الثاني والعشرون من فبراير لعام 2012، اليوم الذي تكمل فيه الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ثلاثة وأربعين عاماً، عابرة إلى عامها الرابع والأربعين من عمرها النضالي المتجدد والمديد، لا نملك إلا أن نقول لها: عشت وعاشت فيك فلسطين.