خبر بدأ علماء الآثار يكشفون عن أسرار إيلياء كابيتولينا- هآرتس

الساعة 09:37 ص|19 فبراير 2012

بقلم: نير حسون

(المضمون: انحصرت جهود علماء الآثار الاسرائيليين في الماضي في الكشف عن آثار الهيكل الثاني لكن حدث في العقد الاخير تغيير اتجاه وبدأ يُكشف عن المدينة الرومانية التي أُنشئت بعد خراب الهيكل الثاني وأنها كانت قاعدة مركزية للقدس المعاصرة - المصدر).

        يثير النظر في خريطة المدينة القديمة في القدس تساؤلا: ففي حين ان الأكثرية المطلقة من شوارع المدينة القديمة هي على صورة "سباغيتي"، أي أنها قصبة مكتظة من أزقة متعرجة، يوجد عدد من الشوارع المستقيمة كالمسطرة تشق المدينة من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب. والمعروفة بين هذه الشوارع هي: بيت هباد وهغاي اللذان يخرجان من باب العامود، وشارع داود من باب الخليل وطريق الآلام.

        مثل سائر شوارع المدينة القديمة، الشوارع المستقيمة ضيقة لكنها بخلاف الاخرى تحافظ على هيكل تاريخي يقوم في أساس المدينة القديمة المعاصرة. وقد نشأ هذا الهيكل كما يتفق على ذلك أكثر علماء الآثار لا في الفترات البطولية في القدس – تحت حكم اليهود أو المسيحيين أو المسلمين – بل في عهد المدينة الرومانية إيلياء كابيتولينا خاصة التي أُسست على أنقاض القدس بعد خراب الهيكل الثاني في سنة 70 للميلاد. ان شوارع المدينة الاستعمارية والوثنية التي لم تُخلف للقدس المعاصرة تراثا حضاريا في ظاهر الامر هي التي أورثت المدينة البنية الهيكلية التي بقيت حتى هذا اليوم.

        ان إيلياء كابيتولينا في تاريخ القدس اليهودية تعتبر فترة أشد سوادا من السواد. فالمدينة الرومانية هي تجسد الهزيمة والخراب، والأم الوالدة للشتات والتذكير بذُل هدم الهيكل واقامة الهيكل الوثني بدلا منه. وهذه الصورة أبعدت عن أيلياء كابيتولينا ايضا آباء علم الآثار الاسرائيلي الذين اجتذبتهم على نحو طبيعي المدينة اليهودية المجيدة التي سبقتها. "لم يُخف أحد إيلياء كابيتولينا لكننا أردنا الحديث عن الهيكل الثاني"، يقول عالم آثار في سلطة الآثار، الدكتور عوفر شيئون. "كانت إيلياء كابيتولينا مدينة ملعونة، مدينة طُردنا منها. وكان أشد مثالية ان نحفر عن الهيكل الثاني".

        لكن إيلياء كابيتولينا عادت في العقد الأخير لتبرز من بين الأنقاض الأثرية في جميع أنحاء القدس. والمعلومات التي اجتمعت تجعل كثيرين من الخبراء يفكرون مجددا في المدينة الرومانية. ان كل خبراء الآثار الذين يشتغلون في إيلياء كابيتولينا تقريبا يستعملون تعبير "مدينة متملصة". فايلياء كابيتولينا بخلاف قدس عهد الهيكل الثاني التي سبقتها والقدس البيزنطية التي تلتها لم تكشف عنها بوضوح اعمال الحفر الكثيرة التي تمت في المدينة منذ 1967.

        لم يُخلف سكان إيلياء كابيتولينا وراءهم نصوصا مكتوبة مثل كتب يوسيفوس فلافيوس من فترة الهيكل الثاني وكتب الرحالة النصارى في الفترة التي تلت ذلك. ومن المعلوم ان المدينة الرومانية انشأها القيصر ادريانوس بين سنة 130 الى 140 للميلاد. وبعد تمر باركوخبا (سنة 135 للميلاد) حُظر على اليهود دخول المدينة وأصبح أهم الناس فيها هم جنود الفيلق العاشرة الذين نزلوا في القدس مدة 200 سنة. على أثر موجة اعمال الحفر الاخيرة التي بدأت في منتصف التسعينيات صار علماء الآثار أكثر اقتناعا بأن إيلياء كابيتولينا كانت مدينة أكبر وأهم مما اعتقدوا وان تأثيرها في تطور قدسنا المعاصرة كان حاسما. بزغت إيلياء كابيتولينا من جديد وعلى نحو مهم بما لا يقل عن اربع اعمال حفر كبيرة أُجريت في منطقة المدينة القديمة وفي عدد من اعمال حفر اخرى في أجزاء اخرى من القدس. ان أكثر اعمال الحفر هي اعمال حفر انقاذ من قبل سلطة الآثار ترمي الى التمكين من التطوير والبناء بحيث قد تعود إيلياء كابيتولينا بعد بضع سنين الى الاستخفاء تحت مبان جديدة. في القسم الخلفي من باحة حائط المبكى، في المكان الذي ينوي صندوق تراث حائط المبكى ان ينشيء مبنى كبيرا اسمه "بيت هليبه"، كشفت الباحثة شلوميت فاكسلر – بدولح، عن شارع روماني فخم واسع مبني أروع بناء مع حوانيت عن جانبيه. وهو الجزء الشرقي منه الذي بُني فوق مساره بعد ذلك شارع هغاي.

        على مبعدة 300 متر الى الجنوب من هناك، كشف باحث آخر من سلطة الآثار هو الدكتور دورون بن عامي عن المكان الذي انتهى فيه كما يبدو الشارع الروماني. وتقع زاوية الشارع قرب موقف سيارات جفعاتي في سلوان في المكان الذي تخطط فيه جمعية العاد لانشاء مركز زوار كبير. وفي عمل حفري انقاذي كبير تم في هذا المكان في السنين الاخيرة، كشف بن عامي عن قصر روماني كبير فخم لا يشبه أي مبنى آخر من ذلك العصر في البلاد. "يتحدث الجميع عن الثورة الرومانية لكن لا أحد فكر في عظمة بناء كهذا"، يقول بن عامي. ويُقدر ان القصر الذي كشف عنه هو بيت حاكم أو مركز آخر من مراكز الحكم.

        وفي عمل حفري آخر في أنفاق حائط المبكى أعادت فاكسلر – بدولح وعالم الآثار الكسندر أون التاريخ من جديد لجسر كبير أفضى الى جبل الهيكل (المسجد الاقصى). وتبين في هذه الحالة ايضا كما في حالات مشابهة سابقة ان الحديث عن جسر روماني لا جسر من عصر الهيكل الثاني. وهناك مثال آخر هو حمام وبركة سباحة رومانيان كشف عنهما شيئون قبل نحو من سنة ونصف. "هذا حمام عظيم، كانتري كلاب"، يقول شيئون وهو يقارن الحمام بمنشآت مشابهة كُشف عنها في مناطق اخرى من الامبراطورية الرومانية.

        ان المكتشفات الرومانية المتكاثرة تقوي تصور ان جبل الهيكل حتى بعد الخراب لم يبق فارغا واستُعمل لعبادة وثنية. لكن ليست المدينة القديمة والمناطق المجاورة لها فقط هي التي كشفت عن مكتشفات جديدة من إيلياء كابيتولينا. ففي اعمال حفر تمت قبل بضع سنين في منطقة مباني الأمة، من اجل توسيع فندق "كراون بلازا"، تم الكشف عن قرية قدور كبيرة استُعملت مصنعا مركزيا لأدوات خزف وقرميد للفيلق الرومانية. وعلى طول مسار القطار الخفيف كُشف عن بقايا مصنع الماء الكبير للفيلق وكُشف في منطقة شعفاط عن بلدة يهودية من ذلك العصر.

        ان اعمال الحفر الاخيرة تُمكّن علماء الآثار من ان يخططوا صورة إيلياء كابيتولينا بصورة أفضل كثيرا مما كان يمكن ان يفعلوا قبل نحو من عشر سنين. ان جميع الخبراء متفقون على ان الحديث عن مدينة مخططة بصورة رائعة بُنيت بحسب طراز مدن ملكية بأمر جاء من القيصر مباشرة. وقد أُنشئت فيها شوارع واسعة وأبواب فخمة ومعابد ومنشآت بنى تحتية بل نشأت فيها نخبة جديدة من ضباط الجيش والجنود المسرحين وجعل كل هؤلاء إيلياء كابيتولينا مدينة متمدينة زاهرة.

        "حينما بدأت الاشتغال بتاريخ المدينة الرومانية كان ذلك الامر حقلا غير مفلوح"، يقول البروفيسور يورام تسفرير، وهو من قدماء علماء الآثار في البلاد. "من الواضح اليوم ان مخطط الهيكل المدني للقدس هو لايلياء كابيتولينا". ويصف تسفرير مسارا حلت فيه بعد العصر الروماني بهائم الحمل محل العجلات وأخذت السلطة المركزية تضعف وانتقلت الشوارع الى "خصخصة". وهذا المسار يخطط خريطة القدس كما نعرفها اليوم.

        "كما استمرت فترة الانتداب البريطاني 31 سنة فقط لكنها أثرت كثيرا في القدس الحديثة من جهة انتاج لغة العمارة، كذلك أورثت الفترة الرومانية لغة جديدة ملكية ما زالت تؤثر حتى اليوم"، يلخص الدكتور غي شتيبل. ويشير شتيبل ايضا الى سخرية التاريخ: "ان قرار ادريانوس خاصة ان ينشيء ايلياء كابيتولينا هو الذي ينقذ القدس. فهو يبرزها من جديد فوق مسرح التاريخ. انها تعود مثل طائر العنقاء".