خبر الفرق بين خضر عدنان وحسني مبارك

الساعة 06:31 م|17 فبراير 2012

كتب رئيس التحرير د. ناصر اللحام
فيما تتتسابق كاميرات الفضائيات لالتقاط صور السجين حسني مبارك بالبدلة البيضاء وهو في قفص الاتهام او زنزانة السجن ، لم يتسابق احد لتصوير الاسير خضر عدنان الا بعد ان تمكن من مفاجئة الجميع وتجاوز 50 يوم اضراب عن الطعام .. فلا تلبث جنين تعلمنا المزيد من دروس الكرامة والعزة والتحدي ، فبعد معركة مخيم جنين التي فاقت بصمودها وبطولتها معارك عواصم العرب ، وسجلت انتصارا للارادة العربية اكثر من الحكام الذين لم يصمدوا لساعات معدودة ، فسقطوا مثل دمى تالفة . بعد معركة المخيم . جاء الاسير خضر عدنان بن قرية عرابة ليصفع المتخاذلين والصاغرين بكف الكبرياء ويعيد للاعلام العربي بوصلته ويرفع سقف الخطاب المنخفض الى كبد السماء .
ومن بطن حكايا العرب ، يحكى ان الحجاج بن يوسف الثقفي كان يسير في الصحراء ، ومرّ بأعرابي نفذ منه الطعام والشراب يواجه الموت المحتوم بلا حول ولا قوة ، ومن باب الشهامة نزل الحجاج عن حصانه – وكان الحجاج حينها معلما يدرس الصغار القران الكريم – واطعم الرجل واسقاه وقاسمه الشراب وحرص على انقاذ حياته ، وبات يقدّ الزاد بينه وبين الرجل الملهوف ، ولما استرد الاعرابي عافيته سرق سيف الحجاج في غفلة منه وسرق ما تبقى من زاد وشراب ، وسرق حصان الحجاج وفرّ هاربا وتركه يواجه خطر الموت .. وفي هذه اللحظة نادى الحجاج على الاعرابي وقال له : يا هذا لا تخبرك احدا بما فعلت بي . وسأله الاعرابي بدهشة : ولماذا ؟ فاجاب الحجاج بكل هدوء : اخشى ان سمع الناس بما فعلت ان تذهب المروءة من بين العرب .
وحتى لا تذهب المروءة من بين الناس ، لن نكتب عن حكايا ومواقف "الذين اهانوا فلسطين وحاولوا بيعها على الهواء مباشرة لكل من يشتري وبأرخص الاثمان وتحت شتى الشعارات " لان المروءة ستذهب من بين الناس ، ويصبح الوعي الجمعي في خطر ، فالمجتمعات كالاطفال الابرياء تأخذ الحكايا على انها عرف دارج والمواقف العابرة على انها برهان علمي على اتجاه حركة الاخلاق .
بل سنكتب عن قصة الاسير عدنان خضر والتي تذكّرنا مرة اخرى ان سقف التضحية أعلى بكثير من ان يكون مجرد مشروع او ورشة عمل بدعم غربي او منطق نفعي نستلهمه من قاعات البورصة ، فسقف البطولة والتحدي لا يمكن ان يكون الا هكذا وعلى الطريقة الفلسطينية ، على طريق الاسير الشهيد علي الجعفري وراسم حلاوة والراحلون ياسر عرفات وابو علي مصطفى واحمد ياسين ومئات مثلهم . وان البطولة الفلسطينية هي الاوضح والاعظم والاقوى والاطهر لانها على خط النار ومع اشرس احتلال على وجه الارض. ومهما ناح النائحون ونعق الناعقون فان صمود اهل فلسطين في ارض فلسطين أعلى بكثير من ان تأكله الاخبار العاجلة هناك او هناك او حتى هناك .
ولا ننكر ان الاسير خضر عدنان قد فاجأنا وفاجأ الاسرى والقيادة وقيادة الجهاد الاسلامي وقتح وحماس واليسار ، وظهر فجأة بين اخبارنا ، وان كانت وكالات الانباء الاجنبية لم يعجبها في البداية ، وان كان الاعلام الاسرائيلي اهمله لمدة 55 يوما ، الا ان عدنان تعملق وتعمّشق على جدار البطولة وزرع رايته على منارة الكبرياء وهو يدخل الشهر الثالث مضربا عن الطعام .
ونقارن بين صورته في قفص الاحتلال وصورة مبارك وغيره من الزعماء في قفص الاتهام ... فنقول طوبى للاسرى وطوبى لكل فلسطيني رضع التحدي والمقاومة ....ونعترف اننا كصحافة فلسطينية غير معتادون على الطريقة الايرلندية في الاضراب عن الطعام وانما معتادون على الطريقة الفلسطينية ، ولكننا لم نستغرب اجتراحه لهذا التحدي ،وفي مذكرات جيفارا ، كتب يقول ان فيدل كاسترو طلب من رفاقه في الاحزاب الاخرى المشاركة معه في الهجوم على العاصمة هافانا لتحرير كوبا من ذيول الاستعمار ، ولكنهم اعتذروا وقالوا له ان الامر يبدو انتحارا .... فقال كاستروا وقد اكتفى بجيفارا الى جانبه : حين يختار الانسان ان يموت فهو لا يحتاج الى رفيق ...
ويبدو ان خضر عدنان حين قرر ان يعيد تسطير صفحة التاريخ ... لم يكن يحتاج الى رفيق .