خبر في اسرائيل السوفييتية في هذه الاثناء -هآرتس

الساعة 10:47 ص|15 فبراير 2012

في اسرائيل السوفييتية في هذه الاثناء -هآرتس

بقلم: دمتري شومسكي

        (المضمون: المجتمع الاسرائيلي يزداد تطرفا ويمينية على مر الزمن بحيث أصبحت أجزاء كبيرة منه ترضى عن حزب مهاجرين ذي عقلية وتفكير سوفييتيين شموليين كحزب "اسرائيل بيتنا" الذي يقوده افيغدور ليبرمان - المصدر).

        حدث شيء في اسرائيل الروسية. فقد نشر موقع اخباري روسي اسرائيلي ذو شعبية "بولوسا" في 27/1 قصة قصيرة بقلم ميخائيل يودنين – وهو أديب روسي اسرائيلي يسكن في الولايات المتحدة – عن موت ولد فلسطيني بقصف سلاح الجو الاسرائيلي. واستصوبت أسرة تحرير الموقع على الانترنت ان تقدم بين يدي النشر ملاحظة توضيح بقولها لم نشأ منذ البدء ان ننشر النص لكن استقر رأينا بنصيحة من زملائنا الصحفيين الاسرائيليين على فعل ذلك، ولهذا أظهروا أيها السادة من فضلكم "التسامح" "التسامح" "التسامح".

        ظهرت كلمة "التسامح" باللغة العبرية مع غمزة ساخرة شيئا ما ولاهية في محاولة كما يبدو لارضاء القراء سلفا عن فرض ان أكثرهم لا ينوون التسامح مع النص. وكان فرض أسرة التحرير صادقا كليا لكن غمزتها رُفضت في امتعاض لأن القراء الغاضبين لم يكتفوا بالتنديد بالمؤلف الذي أُعلن أنه تعوزه صورة الانسان بل انقضوا ايضا على أسرة التحرير لمجرد نشر النص وطلبوا بتهديد بالقطيعة إزالته من الموقع على الانترنت.

        خافت أسرة التحرير. ونزل سيرجي هيرشفيلد، المحرر الرئيس للموقع بجلاله وعظمته الى الشعب ليهديء جأشه وقال: لم أنشر النص أيها الاصدقاء إلا مع أمل "ان يعبر الشعب علنا عن اشمئزازه... موقفي يشابه موقفكم. حاولوا ان تتفهموا منطقي".

        نحن نشهد هنا واحدا من الفروق المركزية بين اسرائيل الكبرى واسرائيل ما بعد السوفييتية في كل ما يتعلق بالخطاب الاعلامي. ان صحيفة "مكور ريشون" (مصدر أول) غير المعروفة بتأييدها للنضال المدني للأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل في مواجهة صبغة اسرائيل المتركزة حول ذاتها، لم تُجر لقاءا في المدة الاخيرة مع المحامي حسن جبارين المدير العام لمنظمة عدالة كي يعبر قراؤها عن اشمئزازهم منه، كما أن صحيفة "هآرتس" غير المعروفة بتأييدها لمشروع الاستيطان، لا تمنح متحدثي المستوطنين منبرا دائما على أمل ان يؤجج هذا الامر الكراهية لهم بين القراء.

        ان الهدف في الحالتين هو إسماع صوت معارضين فكريين وفوق كل شيء – تصديق مجرد حقيقة شرعية وجود هذا الصوت مهما يكن عدم الاتفاق معه عميقا. وليس الامر كذلك في الاعلام الاسرائيلي الروسي الذي يحمل في أكثره صبغة تراث التفكير الشمولي السوفييتي ويقول انه ينبغي ألا يُعطى المعارض السياسي الحق في الكلام إلا تمهيدا لمحاكمة ميدانية علنية بقصد ان يتم التسويغ بذلك سلب صوته شرعيته.

        مثل كل مرض اجتماعي اخلاقي فان تراث التفكير الشمولي السوفييتي ليس مرضا موروثا. ينبغي ان نفترض ان هذا المرض كان سيختفي في غضون جيل أو اثنين في مجتمع مدني سليم لكن هناك شك في ان يستطيع المجتمع الاسرائيلي الحالي الذي يتحول من يوم الى يوم الى أكثر تمزقا وقومية، ان يقدم علاجا مدنيا للمصابين بمرض الوعي هذا. والمرض أخذ يتفشى خارج "فقاعة" المجتمع الروسي. والدليل على ذلك ان "اسرائيل بيتنا"، وهو حزب مهاجرين في الأصل أساسه أسس التفكير الشمولي بهدي من ارض المنشأ، يستوعب في صفوفه بنجاح الاسرائيليين القدماء ويتمتع بدعم لا يستهان به من الجمهور الاسرائيلي القديم.

        حينما يتحول مجتمع مستوعب للمهاجرين في جزء منه الى مجتمع يستوعبونه هم فانه يجدر مضاءلة التوقعات. اذا لم يكن المجتمع الاسرائيلي قادرا على مساعدة أجزاء لا يستهان بها من بين مهاجري الاتحاد السوفييتي السابق على التغلب على مرض شمولية الوعي فينبغي ان نأمل على الأقل ان يعرف هو نفسه كيف يطور مضادات للمرض لئلا يصبح وباءا اسرائيليا شاملا. ولهذا يحسن بالجمهور الاسرائيلي ان يصغي بين الفينة والاخرى الى الاصوات ما بعد السوفييتية في داخله.