خبر امضغ ما تشرب واشرب ما تمضغ

الساعة 01:53 م|14 فبراير 2012

فلسطين اليوم

 صحيح أن عملية مضغ الطعام بسيطة وسهلة، وبرغم ذلك يمضغ حوالي40% من الأولاد حول العالم بطريقة خاطئة، والكبار ليسوا بأفضل حالاً منهم. مع أن خبراء التغذية يشيرون إلى أن جهدًا بسيطًا كهذا مفيد جدًا لصحتنا.

(امضغ ما تشرب، واشرب ما تمضغ).. قد يبدو هذا القول غريبًا بعض الشيء، إلا أنه صحيح مئة في المئة. (امضغ ما تشرب..) لأنه حتى السوائل ينبغي أن تبقى قليلاً في الفم قبل بلعها، كي نشعر بطعمها ونقدّر تركيبتها، ثم (.. اشرب ما تمضغ)، يذكرنا القول بأمر نعرفه جميعنا لكننا ننساه غالبًا: لا ينبغي ابتلاع الطعام بسرعة كبيرة، أي قبل أن يهرس الأكل جيدًا بين الأسنان، وبين الخدين واللسان ويغمسه اللعاب.

لماذا المضغ أولاً؟

- المضغ أول مرحلة من مراحل هضم الطعام، حيث يعمل على تفتيت الطعام إلى قطع صغيرة، وذلك بهرسها بالأسنان لكي يسهل هضمها لاحقًا في القناة الهضمية. ولهذا يسبب المضغ الرديء للطعام إرهاقًا للأجهزة الهضمية كافة، وعسرًا في الهضم.

- لا تستطيع أن تنتج طاقة إذا لم تمضغ طعامك.. فكلما مضغت، حفز كل سن من أسنانك فقرة من فقرات ظهرك، كما أن الجهاز العصبي بأكمله يحفز بالضغط بواسطة الفقرات.. هذا الضغط ينشط الدورة الدموية تبعًا لنشاط العضلات التي تحرك الفكين, حيث يوجد 15 زوجًا من العضلات متصلة بالفك.. إذًا فثلاثة أجهزة رئيسية في الجسم (الهضمي, العصبي, الدموي) تعزز بشدة من زيادة المضغ.

- يقوم المضغ بتحفيز الغدد اللعابية على إفراز اللعاب المنظف الذاتي للفم، كما يخلط المضغ الطعام باللعاب مما يكسبه قوامًا عجينيًا. ويحتوي اللعاب أيضًا على مخاط لزج يليِّن الطعام حتى يكون سهل الابتلاع.

- يتفاعل اللعاب كيميائيًا مع الطعام، حيث يحتوي على أنزيم (البيتالين) الذي يحول النشويات المعقدة إلى سكر بسيط. ولا يستطيع البتالين أن يخترق الحبوب غير الممضوغة جيدًا، وبالتالي لا يتحول محتواها الداخلي من النشا إلى سكر بسيط، كما أن المعدة لا تفرز عصارة بإمكانها هضم وتفكيك تلك الكربوهيدرات المعقدة.. فالحال هنا شبيه بعملية تخمر فاشلة، إذ لا يمكن أن تتم هذه العملية ما لم تمتزج الكربوهيدرات بالبيتالين، أما النتيجة فشعور بالانزعاج داخل المعدة، إضافة إلى فائض من الغازات.

- يحتوي اللعاب أيضًا على إنزيم (الليباز) الذي يفكك الدهون. وبالإضافة إلى ذلك يحتوي اللعاب على (بيكربونات الصودا) وغيرها من الأملاح التي تخفف الأحماض والقلويات، التي قد توجد في بعض الأطعمة والمشروبات. يذكر أن نوعية اللعاب تختلف باختلاف الأطعمة وتتكيف معها.

- العديد من العناصر الغذائية (البيتاكاروتين، الأحماض الأمينية) يصعب هضمها عندما تبتلع سريعًا وبدون مضغ كاف، فالمضغ يمهد الطريق أمام عملية الهضم، حيث يعطي وقتًا كافيًا للدماغ كي يحلل كل قضمة، ويرسل عدة إشارات بغية تهيئة القناة الهضمية لاستلام الطعام.

- ينشط المضغ الجهاز الهضمي مما ينعكس إيجابًا على سائر مراحل الهضم في القناة الهضمية, فالنشاط في الفم والفكين ينشط بدوره المعدة والأمعاء ومختلف أعضاء الجهاز الهضمي، كما يفرز البنكرياس مزيدًا من العصارة الصفراوية المسئولة عن هضم الدهون.

- يزيد المضغ مذاق الطعام لذة, فكل لقمة تحتوي على ثلاثة مذاقات مختلفة: مذاق البداية، ومذاق الوسط، ومذاق النهاية, ويمكنك أن تميز تلك المذاقات الثلاثة بفضل المضغ الجيد.

- من حسنات المضغ أنه يحد من التجشؤ، وقد أظهرت دراسات عديدة بأن الأطفال الذين يميل لسانهم إلى الأمام، يمضغون الطعام ويغلقون فمهم بطريقة خاطئة، حيث يستخدمون لسانهم ليستنشقوا الهواء ويبتلعون الأطعمة في نفس الوقت.

- يساعد المضغ الجسم على الاسترخاء، الذي بدوره يساعد على الهضم، كما يؤمن المضغ الاسترخاء على الصعيدين النفسي والجسدي. بل تساعد عملية المضغ على تفريغ شحنة الغضب والعنف الموجودة بداخلنا.

- يشير الاختصاصيون إلى أن الرابط السني (مجموع الأنسجة التي تربط السن بعظم الفك) يتعرض للتلف لدى الأشخاص الذين يمضغون بطريقة خاطئة أو غير كافية.. في هذه الحالة نلمس أهمية المضغ الصحيح الذي يحافظ على أسنان ثابتة في اللثة. خاصة عند اختيار الأطعمة متوسطة القساوة ومضغها لوقت كاف. فضلاً عن ذلك فخلال مضغ طعام قاسٍ، تنظّف الأسنان نفسها تلقائيًا، لكن إذا كان الطعام لزجًا أو طريًا جدًا سيلتصق بها ويحفز ظهور طبقة البلاك والجير.

- 40% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12-16 سنة يعانون من خلل في نمو عظم الوجه، وفي وضعية الأسنان كالحنك الضيق والفك المتراجع إلى الخلف والأسنان البارزة للأمام، ويعاني عدد كبير منهم أيضًا من مشاكل في المضغ (الأطفال الذي يحبون المص).. إن المضغ يعتبر من أفضل الوسائل لتحفيز نمو العظام بطريقة سليمة، وبما أنه ينسق عمل الأسنان واللسان والوجنتين، فهو من أفضل الوسائل لنمو المجاري الأنفية والفمية بصورة جيدة.

- المضغ الجيد يجعل الجسم أكثر شبابًا, حيث ينشط المضغ الغدة النكافية لإفراز هرمون (الباروتين) الذي تمتصه الأوعية اللمفاوية في الفم أثناء المضغ، ويصل بعدها لمجرى الدم، أما إذا وصل هذا الهرمون المعدة تدمره العصارة المعدية، وينشط هرمون (الباروتين) عملية التحول الغذائي، مما يؤدي إلى تجدد خلايا الجسم، والتمتع بالحيوية والنضارة.

- هرمون (الباروتين) يؤثر تأثيرًا مباشرًا على الغدة الصعترية (غدة صماء قرب العنق) لحثها على إنتاج الكريات اللمفاوية الضرورية واللازمة لمكافحة جميع أنواع الالتهابات. وقد تبين أن الغدة الصعترية لها دور مهم في تقوية جهاز المناعة.

- كلما مضغنا زاد اختلاط الطعام باللعاب الذي يحتوي على خصائص ومواد معقمة. فالبكتيريا العنقودية والكروية لا تستطيع مقاومة خصائص اللعاب المعقمة إلا جزء يسير يستطيع أن ينجوا منه, بالتالي فإن زيادة مدة المضغ تقلل من نسبة إصابتك بالأمراض المعدية، فضلًا على أن حمض الهيدروليك الذي تفرزه المعدة لا يستطيع اختراق الطعام الذي لم يمضغ جيدًا.

- عندما يكون لدينا أقل من 21 سنًا، يصبح خطر تعرضنا للبدانة أكبر بمعدل ثلاثة أضعاف، إذ نشعر بميل إلى تناول أطعمة لزجة، طرية، غنية بالمواد الدهنية وبالسكر. لكن مما لا شك فيه أن عملية المضغ تؤدي دورًا كبيرًا في الحفاظ على وزن جيد عبر التخفيف من الشعور بالجوع. فبحسب الاختصاصيين، يوجد في الدماغ مركز يُعنى بعملية المضغ، وهو متصل بالمركز الذي يعطي الشعور بالشبع. من هنا كلما مضغنا جيدًا، أصبح الدماغ على علم بمحتوى فمنا، بذلك سيتمكن من إعلام جسمنا بذلك بشكل أفضل. ويُشار في هذا السياق إلى أن طعامًا تم مضغه جيدًا يجعلك تقدر طعمه بشكل أفضل. ويرى الاختصاصيون أنه عندما نبتلع الطعام بسرعة، لا نشعر بكثير من المتعة والرضا. لذلك سنشعر برغبة في تناول المزيد.

- جرت مؤخرًا دراسات تمت فيها مقارنة الوضع الغذائي لأشخاص مسنين يستعملون طقم أسنان بديل، مع الوضع الغذائي لأشخاص خضعوا لزراعة الأسنان. وخلصت الدراسات إلى أن الفئة الثانية كانت تتمتع بتوازن غذائي أفضل، لأنها قادرة على مضغ الطعام بسهولة أكبر. يُشار إلى أن مسنين كثر يعتمدون نظامًا غذائيًا لا يشتمل على عدد كبير من الأطعمة المتنوعة، عندما تكون أسنانهم بحال سيئة، وينتهي بهم الأمر إلى الاكتفاء بتناول أطعمة طرية، خالية من أي طعم، ولا تمد الجسم بأي فوائد غذائية.. هكذا يتعرّضون لسوء تغذية، لذلك يصر الأطباء على أن يستمر هؤلاء في تناول اللحوم الطرية والبقول غير المطبوخة لئلا يواجهوا مشاكل في التغذية.

- من المحتمل أن يكون لعملية المضغ الفضل في الحفاظ على قوة الذاكرة مع تقدم العمر، حيث يقول أحد الاختصاصيين في أمراض الشيخوخة في كلية الطب في (جامعة أدنبرة): إن المضغ يرسل إشارة إلى منطقة (الهيبوكامبوس) بالمخ، التي بدورها تخفض من مستوى هرمون التوتر في الدم، وإذا قلل المسنون المضغ بسبب تساقط أسنانهم، فإنه من المرجح أن يرفع ذلك هرمون التوتر إلى درجة تسبب تدهورًا في ذاكرتهم على الأمد القصير.