خبر إقرأوا السلام على السلام الجديد -هآرتس

الساعة 09:28 ص|09 فبراير 2012

بقلم: أري شبيط

(المضمون: مات السلام القديم وبخاصة بعد أحداث الربيع العربي لكن هذا ينبغي ألا يفضي الى يأس من السلام بل يجب العمل على اقتراح سلام جديد أكثر تواضعا وواقعية - المصدر).

        أصبح واضحا الآن ان السلام القديم مات. في البدء أُصيب السلام القديم اصابة طفيفة. بعد ان سلمت اسرائيل الفلسطينيين قطاع غزة انفجرت حافلة اولى في ميدان ديزنغوف. وبعد ان سلمت اسرائيل الفلسطينيين نابلس ورام الله انفجرت حافلات في مركز القدس ومركز تل ابيب. وبعد ان اقترحت اسرائيل على الفلسطينيين انشاء دولة ذات سيادة في أكثر المناطق المحتلة ردوا بهجوم ارهابي. وحينما هاج مخربون منتحرون في شوارع مدننا تسللت الى القلب فكرة أنه ربما يوجد عيب ما في وعد السلام الكبير.

        بعد ذلك أُصيب السلام القديم اصابة متوسطة. فبعد ان انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان أُنشئت في لبنان قاعدة صواريخ شيعية تهدد كل نقطة في البلاد. وبعد ان انسحبت اسرائيل من غوش قطيف أُنشئت في غزة دولة لحماس مسلحة هاجمت الجنوب. ان الانسحابين الجريئين من طرف واحد – والمحقين – أثمرا نتائج صعبة. حينما سقطت صواريخ القسام في سدروت وسقطت صواريخ غراد في أسدود وأصابت صواريخ الفجر حيفا بدأ يثور في الأحشاء خوف مما يتوقع لنا بعد الانسحاب الكبير.

        بعد ذلك أُصيب السلام القديم اصابة شديدة. جلست تسيبي لفني الى أبو العلاء سنة كاملة لكن أبو العلاء لم يوقع على شيء. وعرض اهود اولمرت على أبو مازن القدس لكن أبو مازن اختفى. ان حقيقة ان الفلسطينيين الأشد اعتدالا أداروا ظهورهم لاقتراحات السلام الاسرائيلية الأكثر سخاءا أثارت ريبة غامضة في نواياهم. أهم مستعدون حقا لتقسيم البلاد لدولتين لشعبين تعيشان بسلام بعضها الى جنب بعض؟.

        بعد ذلك أُصيب السلام القديم اصابة خطيرة. فبعد ان تلقى اسرائيليون عقلانيون ومعتدلون ما لا يحصى من الضربات فقدوا ايمانهم بالمصالحة. وبرغم أنهم كانوا ما يزالون مستعدين للخروج من المناطق ولتقسيم القدس، فقد شعروا بأنه لا يوجد من تُسلم اليهم المناطق ولا يوجد من تُتقاسم القدس معهم. ولهذا ضاقوا ذرعا ببرنامج العمل السياسي واتجهوا الى برنامج العمل الاجتماعي الاقتصادي. وقد فقدوا الحماسة التي مكّنتهم في الماضي من مكافحة اليمين والمستوطنين. ان اليأس الاسرائيلي من السلام صفع السلام بقدر لا يقل عن صفع الرفض الفلسطيني إياه.

        لكن السلام القديم مات الآن. مات. فالثورة الاسلامية في مصر تسلب وعد السلام مرساته الجنوبية. والقمع الفتاك في سوريا يسلب وعد السلام أفقه الشمالي. والتقارب التدريجي بين فتح وحماس يسلب وعد السلام محوره المركزي.

        ان كل انسان عيناه في رأسه، ينظر في الواقع الذي ينشأ حولنا، يفهم اليوم ما لم يُفهم تماما قبل سنة وهو ان اليقظة العربية أماتت المسيرة السياسية. لن يكون في السنين القادمة لأي زعيم عربي معتدل ما يكفي من الشرعية وما يكفي من القوة ليوقع على اتفاق سلام مع اسرائيل. ان ما أملنا به منذ سنة 1967 وما آمنا به منذ 1993 لن يقوم ولن يوجد. ليس الآن. وليس في هذا العقد.

        ان موت السلام القديم النهائي هو من النتائج الخطيرة لسنة 2011. فبغير أمل سلام يزداد خطر التدهور في المنطقة الفلسطينية. وبغير مسيرة سلام يعظم خطر اشتعال في الشرق الاوسط. وبغير أفق سلام يقوى الاحتلال ويثبت ويهدد بأن يدفننا جميعا.

        لهذا فان موت السلام القديم يوجب تفكيرا خلاقا في سلام جديد. سلام لا يكون فورا بل على مراحل. سلام لا يكون نهائيا بل يكون جزئيا. سلام لا يكون قائما بالضرورة على اتفاقات موقع عليها. سلام يستخلص دروسا من فشل السلام القديم ويلائم نفسه مع الواقع التاريخي الجديد العاصف.

        لن يكون السلام الجديد سلام حلم. ولن يكون سلام نهاية الصراع بل لن يكون سلام نهاية الاحتلال. ولن يكون سلام أخوة وتقدم وقيم سامية. لكن السلام الجديد المتواضع ربما يُمكّننا من ان نشق طريقنا في العاصفة الكبيرة ومن ان نُدير الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ونخفف من حدته. وربما يمنح السلام الجديد المركز واليسار في اسرائيل برنامج عمل سياسيا ذا صلة. فبعد ان مات السلام القديم يجب ان يحل محله سريعا سلام جديد وواقعي.