خبر بان كي مون والأسرى وزيارته لغزة_ عبد الناصر فروانة

الساعة 10:16 ص|08 فبراير 2012

بان كي مون ، الأمين العام للأمم المتحدة ، شخصية مهمة ، تمثل مؤسسة  دولية ذات أهمية بالغة ، وزيارته لغزة دائماً مُرحب بها لما تمثله الأمم المتحدة من مكانة وقوة دولية ، ودائماً سيجد غزة تفتح ذراعيها لإستقباله واحتضانه بكل سرور .

 ولا شك بأننا بحاجة لتلك الزيارات من قبل مسؤولين دوليين رفيعي المستوى ، وسبق لـ " بان كي مون " أن زار غزة في مارس / آذار من عام 2010 وإلتقى خلالها عدداً من ممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص وبعض الشخصيات الوطنية الذين سلموه شفهيا وخطيا رسائل عديدة وفي غاية الأهمية وبالنيابة عن الجميع.

ولكن شخصية مهمة كـ " بان كي مون " كان من المفترض أن يكون حيادياً وأن ينصف الضحايا ، و يعترف بمعاناة الأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم ، كما سبق وأن التقى واعترف بمعاناة عائلة شاليط أكثر من مرة .

ولكن في حال أن يرفض " بان كي مون " أو غيره من الشخصيات الدولية وبشكل صريح وفظ ومع سبق الإصرار لقاء ممثلي أمهات وأهالي أسرى غزة الممنوعين بشكل جماعي من زيارة أبنائهم وبقرار اسرائيلي صادر من أعلى الجهات السياسية منذ منتصف عام 2007 . و ( لا ) يرغب سماع صرخات لينا وأخواتها ، وآهات كريم ورفاقه القدامى ، أو الإطلاع على معاناة خضر عدنان ومئات الأطفال و المرضى ، الذين يتعرضون للتعذيب الممنهج والعزل الإنفرادي والمعاملة القاسية واللا إنسانية ، يجب أن يُعامل وهكذا عُومل على انه شخصية غير مرغوب بها في غزة ، وغير مُرحب به على الإطلاق لطالما لم يُغير موقفه .

وهذا ما عبّر عنه أهالي الأسرى صراحة خلال استقبالهم له أمام معبر بيت حانون " ايرز " شمال قطاع غزة ، حيث صب الأهالي جم غضبهم واستيائهم عليه وقذفوه بـ " الأحذية " .

في مشهد يجب أن يشكل أساساً في التعامل مع كل الشخصيات الدولية رفيعة المستوى التي ترفض صراحة وتُصر مع سبق الإصرار على عدم لقاء أهالي الأسرى أو من ينوب عنهم .

 

 وهي رسالة  يجب ان تكون مائلة أيضاً أمام كل من يأتي الى غزة من الشخصيات الدولية ذات المكانة الرفيعة .

ولم يكن موقف الوفد الفلسطيني المكون من ممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص والشخصيات الوطنية الذي كان من المفترض أن يلتقيه بعد تجاوزه للاستقبال المهين ، على عكس موقف أهالي الأسرى .

 ولم نكن نتوقع على الإطلاق من شخصيات وطنية ، صاحبة سجل نضالي طويل ، أن تتخذ موقفا غير ذاك الموقف الوطني الذي اتخذته ، والمتمثل بالإمتناع عن لقائه رداً على رفضه إدراج ممثلين عن أهالي الأسرى ضمن وفدهم ، وإصراره على تجاهل معاناتهم ، و عدم الاعتراف بمعاناة الأسرى وذويهم ، وعدم تجاوبه مع جهودهم الحثيثة بهذا الصدد ، خاصة انه سبق وان التقى عدة مرات بعائلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، ويحضرني هنا ما قاله أحد أعضاء الوفد ( نخسر بان كي مون ولن نخسر أهالي الأسرى ) .

موقف طبيعي من شخصيات فلسطينية نعرفها جيداً ونكن لها جُل احترامنا وتقديرنا ، واعتدنا على مواقفها الوطنية ، واهتمامها العالي والدائم بالأسرى وعائلاتهم .

 

 وقد عبرنا في أكثر من مناسبة عن تقديرنا لهذا الموقف ، كما وصدر عن لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية وعن بعض المؤسسات المعنية بالأسرى مواقف وتصريحات تشيد بالوفد وموقفه الوطني الرائع المتمثل بمقاطعة " بان كي مون " والإمتناع عن مقابلته .

 

وأرى بأن رفض الإلتقاء به دون ممثلي أهالي الأسرى إنما يُشكل انتصارا لقضية الأسرى ، وان مقاطعة الوفد للمقابلته قد أوصلت الرسالة التي كنا نرغب بايصالها للأمم المتحدة التي يُمثلها " بان كي مون " وربما بشكل أقوى ، والتي عبر عنها الوفد خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان للإعلان عن قرار المقاطعة وأعربوا خلالها عن استيائهم الشديد لموقفه برفض لقاء ممثلين عن ذوي الأسرى ، وتأكيدهم بأن قضية الأسرى تحتل مكانة مميزة لدى الشعب الفلسطيني ومؤسساته المختلفة ، وأن معاناة أسرانا لا تقل عن معاناة عائلة " شاليط " بل تفوق آلاف المرات حيث يقبع قرابة خمسة آلاف معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي بينهم النائب والوزير والقائد السياسي والطفل والمرأة والمريض والمعاق ، وجميعهم يحتجزون في ظروف قاسية ولا إنسانية ، تتنافى وكافة المواثيق والأعراف الدولية .

وكما قال وزير الأسرى والمحررين عيسى قراقع في مقالته : " على زرد السلاسل يقرأ خضر عدنان مئات القرارات الدولية وأحكامها ونصوصها التي تدعو إلى تطبيق القانون الدولي الإنساني على الأسرى في سجون الاحتلال، هذه القرارات التي لم تجد إرادة دولية لتنفيذها، تصطدم بالجدران الاحتلالية في دولة فوق القانون، تنتقم من الأسرى وتحشرهم وقودا لقوانينها وإجراءاتها العسكرية الظالمة " .

انتهت الزيارة بما سبقها وواكبها وتلاها من جدل واسع وآراء متباينة وانتقادات كثيرة ، وبشكل مختلف عن سابقاتها ، وعاد " بان كي مون " الى مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك الأمريكية دون أن يجد من يلتقيه من الشخصيات الفلسطينية بغزة دون أهالي الأسرى مما أثار غضبه واستيائه .

 فيما أهالي الأسرى ومن يمثلهم كانوا في قمة سعادتهم وفخرهم بأعضاء الوفد ، وقد عبرَّت عن ذلك الحاجة " أم ابراهيم " والدة الأسير " ابراهيم بارود " الذي يقبع في سجون الاحتلال منذ 26 عاماً ، وإبتسامتها تملأ وجهها والسعادة تغمر عيناها ، عقب انتهاء حديث خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان والذي أعلن خلاله أ.راجي الصوراني مقاطعة لقاء الأمين العام للأمم المتحدة ، قائلة : " أريد أن أقبلكم واحدا تلو الآخر .. فأنتم فخرنا وسندنا وموقفكم سيبقى محفوراً لدينا " .

 

و السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل سيؤسس هذا الحدث لمرحلة جديدة ونوعية في التعاطي مع قضية الأسرى وطرحها على طاولة اللقاءات ؟ أم سيبقى الأمر لمجرد حدث عابر ؟

 

وأنا هنا بالمناسبة لست بصدد زج قضية الأسرى في كل اللقاءات والمناسبات ، أو إلزام ممثلي المجتمع المدني والجهات الرسمية باصطحاب أهالي الأسرى أو ممثلين عنهم في كل اللقاءات العربية والدولية ، لكن لا بد وأن يكون للأسرى أو ممثلين عنهم وعن عائلاتهم وأمهاتهم حضور على أجندة اللقاءات الهامة ومع الشخصيات الإعتبارية والدولية ذات المكانة الرفيعة.

 

ثقتنا كبيرة بممثلي المجتمع المدني وشبكة المنظمات الأهلية وبالشخصيات الوطنية والحقوقية ذات الحضور القوي واللافت على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية ، في المساهمة في جعل قضية الأسرى أكثر حضوراً في لقاءاتهم مع الوفود الأجنبية والشخصيات وممثلي المؤسسات العربية والدولية داخل وخارج الوطن كما حصل في مناسبات سابقة عديدة .