خبر إخوة في الدم -يديعوت

الساعة 10:34 ص|07 فبراير 2012

بقلم: امنون شيموش

كنت طفلا في السابعة في مدينة حلب حينما حصلت سوريا على بدء استقلالها. فعلى أثر اضراب عام سمحت السلطة الفرنسية الانتدابية للسوريين بانشاء حكومة واختيار مجلس شعب باعتباره خطوة اولى الى استقلال كامل. وامتلأت أمي قلقا واستلقى أبي في سريره مقطوعا عن العالم وابتهج أخي اسحق.

أُرسل الأخوان اللذان هما أكبر منه الى المكسيك قبل ان أولد ليُعدا لنا ارض لجوء. وكان الأخوان اللذان هما أصغر منه صهيونيين متحمسين وكانا قد هاجرا الى البلاد وبنيا بيتهما في تل ابيب. وكان اسحق الذي هو أكبر مني بـ 17 سنة مشاركا حتى عنقه في السياسة وكان ينوي ان يطور حياة مهنية في هذا الاتجاه بعد ان اختاره حزب البعث الذي كان ما يزال في مهده، باذن من الطائفة اليهودية واحدا من الممثلين اليهود الاربعة في أول مجلس شعب سوري.

درس اسحق الحقوق في جامعة القدّيس يوسف في بيروت وانشأ مكتب محاماة ناجحا في المدينة وتابع ناس الحزب باهتمام ما ينشره في شؤون الأدب والاجتماع في المجلات المهمة في سوريا ولبنان ومصر. وأراد الحزب الذي كان قائداه عفلق النصراني والبيطار المسلم أراد اليهودي الشاب والمثقف والفصيح بين صفوفه.

في تلك السنة تماما 1936 قُتل في أحداث في تلبيوت في القدس استاذ الجامعة الذي درس اللغة والأدب العربيين في الجامعة العبرية. وبحث رئيس الجامعة ي. ل. ماغنس وش. د. جوتين في الشرق الاوسط عن يهودي يحل محله. وعثرا على مقالات اسحق التي كتبت بلغة عربية غنية لامعة وانشآ صلة به وعرضا العمل عليه.

كانت الحيرة شديدة وقد تابعتها في أهبة. فقد شعرت بأن مصيري ايضا معلق بالقرار. وكان الاغراء تعيينا مضمونا لاسحق وجميع المتعلقين به، وكان مما أفرحني جدا ان استقر رأيه على الهجرة الى البلاد.

ألصق البعث بأخي اسحق راعيا مسيحيا أكبر منه سنا وذا منصب في الحزب ظل على اتصاله به وهو في القدس ايضا. وكان يأتي الى بيته مرة في السنة على الأقل الى أن أُغلقت الحدود في 1948، وقد دعا أخي "أخونا" وهكذا أصبح اسمه على ألسنتنا "أخونا". وكان فيه تأثر وحب لليهود عامة وللصهاينة "أبناء الشيطان" خاصة. وقد آمن ان التعاون بين سوريا المستقلة وبين الصهيونية ويهود العالم سيؤدي الى نمو الشرق الاوسط كله. وقد تابع باهتمام تقدم الاستيطان العبري وناقش أخي في اقتراحات مختلفة عن احتمالات تعاون سياسي واقتصادي واجتماعي بل ثقافي. وكان أخي الذي كان مقربا من "بريت شالوم" (حلف سلام) شكاكا لكن أذنه بقيت صاغية لعضو البرلمان السوري صاحب الأحلام.

قال لأخي في زيارته الثانية: نستطيع ان نتقدم معك ومع رفاقك من "بريت شالوم" لكنني أعلم أن بن غوريون هو صاحب القرار لا أنتم، وقال له أخي: لي أخ شاب وهو طالب في المدرسة الداخلية في هرتسليا ومن اعضاء حركة شباب نشأت بمبادرة من بن غوريون فلنستدعه ونُشركه في الأحاديث. وهكذا دُعيت الى الأحاديث السياسية الساخنة مع أخينا وسمعت منه عن حزب البعث وعن وزنه ونجاحاته.

كان أحد الاشياء التي أثارت غضب الفتى الشاب الموالي لبن غوريون زعم أخينا ان السوريين والعراقيين واليهود إخوة يملكون المورثات الجينية نفسها وهم من أصل واحد هو آرام. وقال ان المصريين والسعوديين هم أبناء عمومتكم لكننا نحن السوريين إخوتكم بالدم والمورثات الجينية. وأنت تدرس الكتاب المقدس. من أين أتى آباء الأمة العربية وأمهاتها؟ جميعهم من آرام. آرام صوبة وآرام دمشق وآرام ما بين النهرين. إقرأ الكتاب المقدس يا صديقي الشاب.

وسمعت اشياء مشابهة بعد ذلك بعشرات السنين في باريس من طالب سوري مسلم في جامعة السوربون طلب مساعدتي. وقد كان ينوي ان ينشيء حينما يعود الى سوريا بعد انتهاء دراسته قسما في الجامعة لتاريخ اليهود في سوريا ودرس من اجل ذلك العبرية واستعان بي وبكتبي. وقد أكد اللغة الآرامية التي أصبحت لغة التخاطب ولغة تلمود "إخوتنا اليهود".

لو أن أخي اسحق ما يزال حيا لاحتفل الآن بيوم ميلاده المئة. توفي زمن زيارته الاولى لباب الخليل في 1967. ليكن ذكره مباركا.