خبر الفلسطينيون والتفاوض: تتبع الذرائع .. إسرائيل اليوم

الساعة 10:04 ص|03 فبراير 2012

بقلم: دوري غولد

(المضمون: يتعلل الفلسطينيون بعلل كثيرة لرفض التفاوض مع اسرائيل ورفض نقاش حاجات اسرائيل الامنية في الضفة الغربية وغور الاردن - المصدر).

نُشر في الاسبوع الاخير في صحيفة "معاريف" تقرير صحفي في الصفحات الاولى عن محادثات اسرائيلية – فلسطينية، جاء فيه ان اسرائيل تنوي التخلي عن طلبها سيادة في غور الاردن وأنها مستعدة للاكتفاء بـ "ترتيبات أمنية". وأنكر ديوان رئيس الحكومة هذا الامر وقال انه يقوم على تسريبات مُحرفة من المحادثات. وقال الفلسطينيون ان موقف اسرائيل كان أنها ستحتاج الى وجود عسكري على طول نهر الاردن عشرات السنين في المستقبل. ولم يصدق حتى هم أن أُثيرت قضية السيادة الاسرائيلية.

على حسب التقارير حينما سمع رئيس فريق التفاوض الفلسطيني، صائب عريقات، بحاجات اسرائيل الامنية قال ان وجود الجيش الاسرائيلي في غور الاردن ليس مأخوذا في الحسبان.

خلال السنتين الأخيرتين أصر الممثلون الاسرائيليون على أن قضية الأمن يجب ان تكون المرحلة الاولى في محادثات التسوية الدائمة قبل البدء في مواجهة قضية الحدود والسيادة.

وكان منطق هذا التوجه انه اذا قبل الفلسطينيون مبدأ نشر قوات الجيش الاسرائيلي في أجزاء من الضفة الغربية فان هذا الامر سيُمكّن اسرائيل من جهة نظرية من مرونة أكبر تتعلق بمطالبها المناطقية في التفاوض بعد ذلك.

لهذا وقبل ان تستطيع اسرائيل ان تزن تخليا عن سيادة في منطقة توجد فيها شوارع استراتيجية أو محطات إنذار أو مناطق استعداد، يجب عليها ان تعلم أنه ستبقى لها قدرة على وصول هذه المناطق من اجل حاجاتها الامنية.

يجب ان نؤكد أنه اذا وافقت اسرائيل في المستقبل على فصل الحاجات الامنية عن مطالبها للسيادة في الضفة الغربية فانها ستخاطر.

أولا، كلما تقدم التفاوض، قد يقترح طرف ثالث أنه من اجل دفع المسار الى الأمام يجب ان يُستبدل بوجود الجيش الاسرائيلي في دولة فلسطينية وجود قوات دولية. وبرهنت تجربة الماضي على أنه لا يمكن الاعتماد على هذه القوات في أكثر الحالات. والمثال الواضح هو اليونفيل الذي لم تمنع قواته نشوب حروب في جنوب لبنان والذي لا يفعل اليوم شيئا لمنع نقل سلاح حزب الله جنوبي الليطاني وهو أمر يعتبر اخلالا صريحا بالقرار 1701.

هناك مشكلة اخرى مع اقامة وحدات من الجيش الاسرائيلي داخل دولة فلسطينية وهي أنه على مر الوقت سيصبح اضعاف وجودها أسهل لأنها قد تُرى مسا بسيادة الفلسطينيين الذين سيعملون على ابعادها.

من الصحيح الى الآن ان هذا التحليل كله نظري تماما لأن عريقات وفريقه التفاوضي رفضا امتحان الموقف الاسرائيلي. وحينما ضم رئيس فريق التفاوض الاسرائيلي اسحق مولخو عميدا اسرائيليا للمحادثات في الاردن لم يُمكّن عريقات الضابط الاسرائيلي حتى من دخول الغرفة.

اذا رفض الفلسطينيون مناقشة الترتيبات الامنية الاسرائيلية وطلبوا ألا يبقى مع الاتفاق الدائم أي اسرائيلي في الدولة الفلسطينية فلن يكون للمفاوضين الاسرائيليين في المستقبل مفر سوى الاصرار على سيادة اسرائيلية في جميع الاماكن التي لاسرائيل فيها مصالح أمنية حيوية في الضفة الغربية ومنها غور الاردن.

هناك موضوع آخر يطرحه مفاوضون فلسطينيون بصورة شبه آلية في كل مرة يقف فيها التفاوض مع اسرائيل وهو المستوطنات. ان تصريحات في الفترة الاخيرة تشك في سؤال هل قضية المستوطنات تشكل قلقا فلسطينيا حقيقيا أم أنها ذريعة فقط للتهرب من التفاوض. في الثالث من تشرين الثاني 2011 مثلا أُجري لقاء مع صائب عريقات باللغة العربية في محطة مذياع "الشمس". وبدأ في مرحلة ما يتحدث عن المستوطنات لكنه أكد ان المنطقة المبنية التي تشمل كل المستوطنات في الضفة الغربية، بحسب أدلة من صور تلقاها من اوروبا، مع الأحياء اليهودية في شرقي القدس، تشكل 1.1 في المائة من مساحة المنطقة.

واعترف بعد ذلك بأن "النسبة الدقيقة للمنطقة الآهلة لا معنى لها". واستعمل أبو مازن ايضا معطى الـ 1.1 في المائة في حديث أجراه مع البروفيسور برنارد افيشاي نشر في صحيفة "نيويورك تايمز" في 13 شباط 2011.

اذا كانت المنطقة الآهلة من المستوطنات كلها تشكل 1.1 في المائة من الضفة الغربية فانه حتى لو سلم أبو مازن للزيادة الطبيعية للسكان اليهود فسيكون معنى الأمر زيادة كسر صغير في المائة وبصعوبة. هل يُسوغ هذا ايضا وقف التفاوض مع اسرائيل؟.

والى ذلك فاوض الفلسطينيون في الماضي حكومات اسرائيلية بنت هي ايضا في المناطق، فتجميد المستوطنات لم يشتمل عليه اتفاق اوسلو الأصلي في 1993 أو اتفاقات التطبيق التي جاءت بعد ذلك.

أصبح الحديث فجأة عن طلب ضروري

في لقاء تم في شتهام هاوس في لندن في 17 تشرين الاول 2011، أوضح المبعوث الخاص السابق للولايات المتحدة السناتور جورج ميتشل ارتيابه من طلب الفلسطينيين تجميد المستوطنات. وذكر انه أجرى هو نفسه تفاوضا في تجميد البناء في الضفة الغربية واعترف بأن الفلسطينيين اشتكوا من ان التجميد الذي عمل عليه كان "اسوأ من كونه بلا فائدة".

قال ميتشل ان الفلسطينيين رفضوا مدة تسعة اشهر العودة الى مائدة المباحثات واجراء تفاوض، ثم أعلنوا فجأة في الشهر العاشر انه ينبغي تجديد التجميد الذي رفضوه هم أنفسهم وقال ان "ما كان اسوأ من عدم الفائدة قبل بضعة اشهر أصبح ضروريا".

ان رفض الفلسطينيين اجراء نقاش في حاجات اسرائيل الامنية ووسواسهم العام بشأن المستوطنات يشهدان على أنهم لا يريدون ببساطة مفاوضة اسرائيل.

ان قرارات استراتيجية اخرى اتخذوها تعزز هذا الاستنتاج: فقد تم اتفاق المصالحة بين أبو مازن وحماس واستقرار رأيه على طلب الاعتراف من الامم المتحدة في ايلول الاخير بقصد منع التفاوض لا من اجل دفعه الى الأمام، ولكي يكون للمحادثات في الاردن احتمال ما، سيجب على الفلسطينيين ان يباحثوا بجدية نظراءهم الاسرائيليين وان يزنوا افكارا جديدة لا ان يتلوا فقط تعلاّت مهترئة للتخلي عن المحادثات.