خبر لا طريق للعودة.. معاريف

الساعة 09:21 ص|27 يناير 2012

بقلم: نداف ايال

(المضمون: رغم تأييد قسم كبير من الاسرائيليين للخيار العسكري ضد ايران الا ان العقوبات الاوروبية الامريكية في هذا الاسبوع شكلت تطورا دراماتيكيا لا رجعة عنه في الصراع ضد النظام الايراني النووي - المصدر).

اليكم عرضا ماليا من طهران. الفائدة على حسابات التوفير في البنوك الايرانية تبلغ 21 في المائة، يا للهول. المواطن الايراني الجريء الذي لم يسارع الى استبدال امواله بالدولارات او الذهب يمكنه أن يحظى بمبالغ وافرة. ولكن هناك مشكلة واحدة: ليس من المؤكد أن "الريال" يساوي شيئا ما. وان حكمنا على الامور من انهيار العملة (15 في المائة في الاسبوع الماضي وحده) فان هذه الفائدة العالية جدا تعتبر تعويضا متواضعا. متواضعا تقريبا مثل محاولات السلطات اخفاء الواقع وتزييفه – على سبيل المثال من خلال شطب كلمة دولار من كل الرسائل التي ترسل من طهران في الاسابيع الاخيرة.

هناك من سيرون الانتصار على المشروع النووي الايراني فقط إن تعالى الدخان من القواعد النووية في قم واصفهان. انصار النهج العسكري لن يشعروا بالرضى حتى ان رفع الايرانيون اياديهم واقترحوا استبدال أجهزة الطرد المركزية بمستودعات للاسماك وان دعوا شبيبة الليكود لمراقبة المنشآت. من يتمسك بهذا الموقف سيدعي وربما عن حق انه ليس من الممكن الوثوق بالنظام الحالي في طهران. حتى وان كان ذلك تنازلا مزعوما – هذه في نظرهم محاولة للخداع كذلك.

ولكن بالنسبة للمتبقين، كان الاسبوع الاخير هاما جدا. وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي اتخذوا في هذا الاسبوع احدى الخطوات الاكثر عنفوانا التي يقدم عليها الاتحاد في أي وقت من الاوقات. الاوروبيون رغبوا في خيالهم بان يتراجع النظام الايراني تحت وطأة الضائقة الاقتصادية وان يتنازل عن سلاحه النووي حتى يعود الى أسرة الشعوب. "نحن نأخذ منهم حتى يكون لدينا ما نعيده"، قال  مراقب اوروبي لصحيفة "معاريف". هذا الامل يبدو بعض الشيء بلا أساس سياسي. المشروع النووي الايراني يحظى بالاجماع في طهران، تقريبا مثل ديمونا بالنسبة لاسرائيل. الى جانب الحاجة الاستراتيجية الواضحة هناك ضرورة لقيمة وطنية عليا – قيمة تمنع تدخل الدول العظمى الاجنبية وتقوم على اساس الافكار القومية الشوفينية القديمة – الجديدة. من الصعب الاعتقاد بان الزعيم الايراني سيلقي خطابه المأمول الذي يقول فيه ان ايران لن تطور القدرة النووية المستقلة. واحتمالية تأثير العقوبات بصورة تجريدية على طهران ليست عالية. خصوصا عندما تكون هذه العقوبات جزئية. وهذا ليس بذنب من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. فآسيا المتعطشة للوقود ليست مستعدة للانضمام الى الغرب في خطواته الحادة ضد طهران.

كما يبدو للوهلة الاولى هذه هي صورة الفشل. الا أن مغزى العقوبات في هذا الاسبوع اكثر عمقا. دراماتيكية الحصار الذي فرضه الاتحاد الاوروبي لا تنبع فقط من الضغط الهائل الذي يمارس على الاقتصاد الايراني ويتسبب بانهياره في الواقع وهذه الدراماتيكية لا تكمن أيضا في السيناريو الخيالي جدا الذي ينتهي بتراجع النظام الايراني طوعيا. الدراما الدولية تكمن في الطريقة التي تفقد فيها ايران الدولة التي تقف على اعتاب الذرة شرعيتها الدولية وتتحول الى دولة ملوثة تدخل في اطار مجموعة الملاعين العصاة على المستوى الدولي.

هيا بنا نفترض للحظة ان ايران، كما يقدر رئيس الوزراء ستواصل تطوير الذرة. وهيا بنا نفترض أن الغرب سيزيد من شدة عقوباته ردا على ذلك. المغزى بعيد المدى هو أن ايران ستتحول الى الدولة الاكثر عرضة للمقاطعة في العالم. هي ستمتلك "القدرة النووية" الا ان الثمن الذي ستدفعه سيكون تحطيما اقتصاديا دائما. هذا الوضع التصعيدي سيزداد حدة لان الاوروبيين والامريكيين لن يسلموا بوضع تربح فيه آسيا وجنوب امريكا من العقوبات. في آخر المطاف كل الثقوب التي تتملص من خلالها ايران ستغلق.

هذا الوضع المتطرف يمكن ان ينتهي بحرب حقيقية: مثلا على خلفية اغلاق مضيق هرمز. ويمكن ايضا ان ينتهي بحدوث تغيير سياسي داخلي في ايران يتبعه تراجع النظام أمام مطالب الغرب (كما حدث في صربيا إثر قصف الناتو).

هناك أمر واحد لن يحدث إثر التطورات في هذا الاسبوع: الاتحاد الاوروبي لن يرفع حصاره طالما واصل الايرانيون تطوير الذرة. الولايات المتحدة لا تستطيع أن تخفف حياة الايرانيين ان لم ترى تقدما حقيقيا في عملية نزع السلاح في طهران. العقوبات هي مسألة واقعة والتزام سياسي شديد القوة. ليس هناك رجوع عن هذه الخطوات. الحكاية الايرانية كانت حتى الان احاديث ولكن من بداية هذا الاسبوع اصبحنا مزروعين عميقا في لعبة سياسية فتاكة خلاصتها: من الذي سيرمش اولا. هذه لعبة يمكنها أن تقود الى التصعيد والتصادم او التراجع. ليس هناك خيار وسطي. هذه اللعبة الجديدة هي السيناريو الاكثر سلبية بالنسبة للايرانيين. هم فضلوا أحد خيارين آخرين: اجراء مفاوضات مخدرة الى أن يصبح الرأس المتفجر جاهزا او هجوم يتيح الوحدة الداخلية. هذان السيناريوهان لم يحدا. الايرانيون حبيسون بين اقتصادهم وبين المقاطعة، بين الذرة وبين السياسة الداخلية. الايرانيون في المصيدة.

* * *

وهذا ما كتبه نيوت غينغرتش في عام 2005 الذي اصبح اليوم المرشح الجمهوري المتصدر في الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة "ان تواصلت الحرب (المجابهة الاسرائيلية – العربية) فان الاسرائيليين سيواجهون تهديدين وجوديين: اولا خطر العزلة الدولية المتزايدة نتيجة للهيمنة العسكرية الاسرائيلية التي ستظهرها كعربيد قمعي... جيل جديد من اعمال الرد العسكرية المبررة ردا على قتل الابرياء على يد الارهابيين قد يحول اسرائيل الى دولة معزولة بصورة خطيرة... وثانيا، هناك احتمالية بان يحصل اولئك الذين يريدون ابادة اسرائيل على سلاح الابادة الجماعية".

تمييز نقي وواقعي جدا. غينغرتش قال خلال حملته كما نقل عنه بان الشعب الفلسطيني هو "شعب مختلق". غريب. المواقف التي عبر عنها في مقالة طويلة ومفصلة بصورة مدهشة قبل ست سنوات  كانت معتدلة مثل حمامة السلام البيضاء. أجل هو مؤيد صارخ لاسرائيل وهو يطرح اشتراطات حادة قبل استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. من الناحية الاخرى جزء من مواقفه يذكر بمواقف زهافا غلئون اكثر مما يذكر بمواقف تسيبي لفني.

غينغرتش يتحدث مرارا وتكرارا عن الشعب الفلسطيني المبتدع في نظر المرشح الامريكي اليوم. هناك أيضا ثناء: "الفلسطينيون هم... بدرجة معينة من الشعوب العالمية الاكثر تطورا في العالم العربي". وايضا يتطرق لتشجيع الشتات الفلسطيني على الاستثمار في ارض الاباء على حد قول غينغرتش. ويوضح ايضا القيود التي يتوجب على واشنطن ان تفرضها على اسرائيل. "... بناء الجدار الفاصل لا يشكل اطلاق يد اسرائيل لتوسيع المستوطنات الاسرائيلية ومصادرة الاراضي. على حكومة الولايات المتحدة ان تكون الدرع الواقي للشعب الفلسطيني الذي يكفل له كمية مناسبة من الارض حتى يكون هناك تواصل اقليمي وامكانية تنقل بين المناطق الفلسطينية المختلفة. تطلع جزء من الاسرائيليين لاستخدام الامن كذريعة لانتزاع المزيد من الاراضي الفلسطينية يجب أن يقمع من قبل واشنطن، حسب رأيه، حتى ان تطلب الامر ممارسة ضغط اقتصادي او غير ذلك لاجبار الحكومة الاسرائيلية على التصرف بصورة منطقية في قضية المستوطنات. هذا ضروري لمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الاوسط كله حيث يتوجب ان تصر واشنطن على وضع نهاية للتوسع الاقليمي الاسرائيلي. كما ان الامر ضروري من ناحية الالتزان الانساني تجاه الشعب الفلسطيني حيث تدافع واشنطن عن الجانب الضعيف في وجه الجانب القوي...". فرض ايقاف توسيع المستوطنات؟ ضغط اقتصادي امريكي؟ "السلام الان"، لم تكن لتقول ذلك بصورة افضل من غينغرتش.

كل هذا كان في عام 2005. موقفه ذكر حينئذ بموقف حكومة ريغن التي عمل غينغرتش فيها والتي يرغب في أن يكون شبيها لها. على مدى السنين تحول غينغرتش الى شخص أكثر يمينية وتشددا. المتبرع الاكثر سخاءا في حملته الحالية كما تفيد وسائل الاعلام الامريكية هو شيلدون ادلسون، صديق نتنياهو المقرب. مواقف ادلسون السياسية المتشددة معروفة. موقع الانترنت الليبرالي الهام "ديلي بست" الامريكي تساءل في هذا الاسبوع في مقالة طويلة دارت حول العلاقات بين الاثنين، عن الطريقة التي تغيرت فيها مواقف غينغرتش عبر السنين. عنوان "ديلي بست" كان بسيطا.. "هل دفع ادلسون ثمن موقف غينغرتش المتشدد بصدد فلسطين؟" هذا سؤال شرير بلا شك.