خبر التيار القومي بدايات للتذكر..علي عقلة عرسان

الساعة 08:42 ص|27 يناير 2012

 

كانت الشدائد وما زالت تدفع الأفراد والجماعات والشعوب والأمم إلى الإبداع في وسائل المقاومة والدفاع لترسيخ البقاء ودرء الخطر وإثبات الذات والمحافظة على الهوية والحقوق والمصالح ومقومات الحياة.

وفي ظل الشدائد التي واجهها العرب في العصر الحديث بحثوا عما يعصمهم ويقويهم ويعبر عن انتمائهم ويدفع عنهم الأخطار فوجدوا في القومية العربية والدعوة إلى الوحدة غاية ووسيلة ومعتصَماً، فكان ذلك رأس أهدافهم في مرحلة من تاريخهم الحديث، وراحت طلائعهم تدعوا إلى الوحدة والعمل العربي المشترك اللذين يقيمان لهم قواماً بين الأقوام ويحفظان لهم شخصية وثقافة ومنزلة ويوفران قوة، لا سيما في ظل الطغيان الطوراني في العهد العثماني الذي مارس اليهود الدونما "المهتدون؟" دوراً بارزاً في إظهاره وانتشاره وشدته، وفي ظل حملة التتريك التي كانت عنواناً للاستبداد والتعصب القومي الطوراني، ومقدمة لمحاولات محو الشخصية العربية بدءاً من محاولة محو اللغة العربية التي تابعها الاستعمار الغربي بأساليب مختلفة. ويمكن القول إن نشأة الفكر القومي بالمفهوم السياسي المعاصر وقيام التنظيمات والحركات القومية عند العرب مثل العربية الفتاة والنهضة بدأ في نهايات القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين رداً على سياسة التتريك التي أخذت بها عناصر من جمعيتي "الاتحاد والترقي" و" تركيا الفتاة".

كانت أسرة محمد علي باشا تحكم مصر، وتقيم علاقات خاصة مع بريطانيا وفرنسا، وتحصنت في إطار جغرافية القطر المصري بعد أن تراجع إبراهيم باشا عن ضم بلاد الشام وانتهت حربه على الباب العالي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وبعد سيطرة الاستعمار الإنكليزي 1882 على البلاد أخذ يؤسس لدعوات منها مصر فرعونية، وقومية مصرية منقطعة الصلة عن محيطها العربي، ومصر جزء من أوربا ولا علاقة لها بالعرب.. ولكن الدعوة المناهضة لهذا التوجه ومن تبنوه من المصريين بقيت حية ومؤثرة لدى مفكرين وتنظيمات مصرية بقيت قائمة ومستمرة في عملها أو أنشئت وأخذت تعمل في إطار رؤيتها العربية الإسلامية. وجاء تأثير كل من ثورة أحمد عرابي 1919 وسلبيات معاهدة عام 1936 وحصار بعض قطع الجيش المصري في الفالوجة ونتائج حرب 1948 المدمر وقيام الكيان الصهيوني ليؤسس بمجمله لحركة مصرية عربية واعية لأهدافها وأغراضها ومحيطها، متأثرة بكل ذلك الكم من الأحداث العربية عامة والمصرية خاصة ومؤثرة فيه.

وفي السودان كانت ثورة المهدي 1881 ـ 1882 التي قتلت الحاكم البريطاني غوردون تقوم بجهاد تحريري، واستمر النضال ضد الاستعمار البريطاني ومن ذلك ثورة 1924 وكان النضال ضد الاستعمار مشوباً بتداخل العلاقة المصرية الرسمية مع ذلك الاستعمار من جهة وتواشج حركة التحرير السودانية مع الشعب المصري ومناضليه وتنظيماته الوطنية ذات الأفق الأوسع من جهة أخرى.

والمغرب العربي كان في دوامة المواجهة مع الاستعمار بعد أن احتلت فرنسا الجزائر عام 1830 وأخذت تمد نفوذها نحو مناطق أخرى فيه، ولم تستطع الخلافة العثمانية أن تتدخل تدخلاً حاسماً للمحافظة على استقلاله أو لإبعاد حملات الغرب العدوانية عليه [ حملات اسبانية وإيطالية وفرنسية..إلخ]. وقد امتد الضعف العثماني ثم النفوذ الاستعماري على معظم دول المغرب إلى العقد الثاني من النصف الثاني للقرن العشرين. وفي هذه المدة كانت ثورات في كل أقطار المغرب العربي من ثورة عبد القادر الجزائري وأحمد باي والثورة الجزائرية الكبرى لاحقاً، إلى ثورة عمر المختار في ليبيا وعبد الكريم الخطابي في المغرب الأقصى، وكل ذلك الفعل الجهادي ضد المستعمرين ومن ارتبط بهم، وترافق مع حركة فكرية مرتبطة بمحيطها العربي ـ الإسلامي وهي بمجملها كانت مؤثرة بنسب متفاوتة في المناخ العربي العام، ولم تكن تلك الأفكار والتوجهات القومية النضالية بمجملها غائبة عن ساحة وعي العرب العاملين في هذه المجالات ولكنها لم تكن من النضج والقوة حيث تشكل تياراً أو تنظيماً واحداً قوياً، وقد كان التداخل عضوياً بين العروبة والإسلام في الرؤية والممارسة المغاربية العامة على الخصوص، ولم يكن الأمر كذلك في بعض دول المشرق العربي وتنظيماته.

وفي اليمن كان هناك حكم لا يخضع للباب العالي بصورة تامة، ومملكة الحجاز وسلطنة نجد ومحميات الخليج العربي وإماراته كانت على أبوب مخاض داخلي، ولم يكن هناك توجهات قومية بالمعنى السياسي الناضج ولا تنظيمات قومية كذلك.

ويوم تمكَّن "الماسون" من استقطاب "طورانيين" متعصبين للطورانية، خلقتهم حملات استشراق أوروبي ويهودي - صهيوني كانت تعمل لمصلحة الاستعمار الأوربي ووظفتهم في خدمة مشاريعها، يوم ذاك تمكَّن اليهود من أمثال رئيس المحفل الماسوني في سالونيك "إيمانويل كراسو"، من أن يصبحوا أعضاء في مجلس "المبعوثان" العثماني بعد عام 1908 وأن يتوصلوا إلى المساهمة في إسقاط أعلى سلطة في الخلافة العثمانية "السلطان عبد الحميد الثاني 1842 ـ 1918"، حيث سلمه إيمانوئيل كراسو وأسعد باشا توتاني قرار خلعه عن العرش عام 1909؛ وكان ذلك بالدرجة الأولى ثمناً دفعه السلطان "الجائر" لرفضه تقديم فلسطين وطناً قومياً لليهود مقابل قيام الحركة الصهيونية بتسديد جميع ديون الدولة العثمانية بالليرات الذهبية.

وفي مواجهة هذا المد الطوراني- الماسوني الذي يغذيه اليهود الدونما "المهتدون" من داخل مفاصل الحكم في الخفاء ويدعمه الاستعمار الغربي في السر والعلن ويغذي به القوميات الأخرى ويستثمره من أجل تمزيق الخلافة أو الدولة العثمانية، "الإمبراطورية كما سموها"، والسيطرة على تَرِكَة الرجل المريض، نادى رجالات العرب بالقومية العربية تأثراً بالمناخ العالمي السائد وبتأثير من كان يدفع في هذا الاتجاه من جهة وتعبيراً عن الانتماء والأصالة والتمسك بالهوية وسعياً للتخلص من الظلم والقهر والتهميش من جهة أخرى، وذكّروا "الأمة العربية" بمفهوم سياسي محدد واضح وموظف لهذا الاستعمال وتلك الغاية.

وكان المبعوثون العرب الذين يناضلون مع ممثلي القوميات الأخرى التي تتعرض للاضطهاد الطوراني في الدولة العثمانية، يرفعون أصواتهم في مجلس المبعوثان باسم "الأمة العربية" ليدافعوا عن حقوق العرب وهويتهم وحرية وطنهم ووحدة هذا الوطن أرضاً وشعباً، لا يفرِّقون بين مغرب عربي ومشرق عربي، أو بين قطر عربي وآخر، أو بين دين وآخر.. ومذهب وآخر.

وكان أهل الشام والعراق، من بين أولئك العرب، سباقين إلى هذه الرؤية القومية وإلى تأكيد ذلك الانتماء وتلك النظرة الشاملة، ففي 21/7/1912 قال خالد البرازي مبعوث حماة في مجلس المبعوثان حين كانت قضية طرابلس الغرب مطروحة في الساحة السياسية:

"أيها الإخوان شاع في المحافل أن الصلح سيعقد، ومع أنني واثق بالحكومة وأمين من وجدان رجالها، فلنفرض أنها استحصلت على فرمان بالاعتراف بإلحاق طرابلس الغرب بإيطاليا، فإنني أقول باسم "الأمة العربية" إننا نمسح هذا الفرمان بدمنا ولا نرضى بذلك ولو لم يبقَ عربي على وجه الأرض.".

وتواصل نضال العرب في الإطار القومي لتحقيق الأهداف العربية وكانت لذلك تجليات ومراحل، وكل منها كانت تُنضِج الوعي وتجدد العزيمة، " فالثورة العربية الكبرى" 1916 التي انطلقت مع الرصاصة الأولى من شبه الجزيرة العربية لم تكن إلا تعبيراً صريحاً وعميقاً عن درجة من الوعي القومي الوحدوي وفعلاً عربياً شبه شامل من أجل التحرر واستعادة المكانة وصنع النهضة لقي دعماً أوربياً ظاهراً بصورة عامة، وأخفي التوظيف الغربي لهذا التوجه والمخطط الاستعماري الصهيوني الذي تضمنته اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916 إلى أن ظهر لاحقاً، بكشف ثورة 1917 في روسيا للاتفاق، ولكن بعد أن جاءت النتائج والمواقف والممارسات مخيبة لآمال العرب ومؤكدة لنوع من الاستغلال الاستعماري البشع للنزوع القومي العربي النظيف. وقد دفع العرب من أجل التحرر تضحيات كثيرة ولكنهم وقعوا في شراك الغدر والتآمر التي نصبها الاستعمار الأوربي الذي أراد منذ البداية أن يوظف ثورتهم للمساهمة في إضعاف "الإمبراطورية" العثمانية وتدميرها من جهة، وتمزيق الرابطة الإسلامية والخلافة العثمانية والوطن العربي واحتلاله وإطلاق وعد بلفور، والبدء بتنفيذ مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين من جهة أخرى. وقد واجه أعضاء المؤتمر السوري العام هذه الأوضاع وجاء في قرارات المؤتمر الأول ما نصه:

" قرر المؤتمر السوري الذي عقد في دمشق بتاريخ 2 تموز 1919

 1 ـ إننا نطلب الاستقلال السياسي التام الناجز للبلاد السورية التي تحدها من الشمال جبال طوروس وجنوباً رفح فالخط المار من جنوب الجوف إلى جنوب العقبة الشامية والعقبة الحجازية، وشرقاً نهر الفرات فالخابور والخط الممتد شرقي أبي كمال إلى شرقي الجوف، وغرباً البحر المتوسط، بدون حماية ولا وصاية.

7 ـ إننا نرفض مطالب الصهيونيين بجعل القسم الجنوبي من البلاد السورية أي فلسطين وطناً قومياً للإسرائيليين، ونرفض هجرتهم إلى قسم من بلادنا لأنه ليس لهم منها أدنى حق ولأنهم خطر شديد جداً على شعبنا من حيث الاقتصاد والقومية والكيان السياسي. أما سكان البلاد الأصليون من إخواننا الموسويين فلهم ما لنا وعليهم ما علينا.". وفي المؤتمر الأخير جاء نص قوي ضد تجزئة سورية وتأكيد على الاستقلال " إن المؤتمر السوري العام الذي يمثل الأمة السورية العربية بمناطقها الثلاث الداخلية والساحلية والجنوبية " فلسطين" تمثيلاً تاماً يضع في جلسته العامة المنعقدة نهار الأحد الواقع 16 جمادى الثانية سنة 1338 وليلة الاثنين التالي له الموافق لتاريخ 7 آذار 1919 القرار التاريخي الآتي:" إن الأمة العربية ذات المجد القديم والمدنية الزاهرة لم تقم جمعياتها وأحزابها السياسية في زمن الترك لمواصلة الجهاد السياسي، ولم ترق دم شهدائها الأحرار وتثر على حكومة الأتراك إلا طلباً للاستقلال التام والحياة الحرة بصفتها أمة ذات وجود مستقل وقومية خاصة. لها الحق في أن تحكم نفسها بنفسها أسوة بالشعوب الأخرى التي لا تزيد عنها مدنية ورقياً."

  وقد أدت الأوضاع والظروف المتداخلة إلى ضياع الثورة العربية، بصرف النظر عما حاق بالشريف حسين من غدر وما شاب مسيرته من شوائب وتفسيره للأمور وكشفه للخطط المعادية من قصور، كما أدت إلى احتلال مباشر وغير مباشر للأراضي العربية التي كانت في إطار الخلافة العثمانية. ولم يُمِتْ ذلك فكرة الثورة ولا أهدافها ولم يقتل الوعي القومي وأهدافه، بل أخذ يصهر ذلك كله في أتون المقاومة وحروب التحرير والتصدي للاحتلال ولمخططات الاستعمار والصهيونية، والتنبه لمسلسلات التآمر البعيدة المدى ومقاومتها مثل حلف بغداد، وحالات الاستلاب وفرض التبعية والاستغلال والتسلل إلى التكوين الثقافي العربي بهدف التخريب بأشكال مختلفة.

وأصبحت شعارات العروبة والوحدة والحرية والتحرير زاد السالكين في طريق الوعي والمعرفة والسياسة والفكر والعمل على الصعيد القومي ولدى طالبي التحرر من الاستعمار في وطن العرب. وعلى الرغم من ولادة تنظيمات وأحزاب اتخذت من الدعوة "الوطنية" في ظل الاستعمار وبمواجهته أهدافاً لها، إلا أن ذلك لم يمنع بقاء الفكر القومي مهيمناً ونموه في أوساط اجتماعية واسعة قوياً. ولم تلبث تلك التنظيمات أن تنبهت إلى ضرورة العمل على مشروعها العربي القديم- الجديد بعد أن سلخ الاستعمار الفرنسي لواء اسكندرون عن سورية عام 1939 و"منحه" لتركيا، وكان قد "منحها" في العشرينات من القرن العشرين ديار بكر وكيليكيا ومناطق شاسعة أخرى تمتد من الحدود الحالية لسورية السياسية حتى جبال طوروس، متجاوزاً القوانين الدولية واعتراضات السوريين والعرب، ليرضي تركيا ويكسب ودَّها من جهة وليشغل سورية بمطلب وطني- قومي في الوقت الذي كان ينفذ فيه مع شركائه الاستعماريين في ظل عصبة الأمم وبتكليف منها ـ كلفت عصبة الأمم بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور ـ مشروع إقامة دولة "إسرائيل" تنفيذاً لوعد بلفور المشؤوم عام 1917 الذي صدر إثر اتفاقية "سايكس ـ بيكو" 1916 وفي نطاقها.

وبعد معركة ميسلون 1920 ودخول الفرنسيين إلى دمشق وانتقال الملك فيصل الأول إلى العراق وتأسيس مملكة هاشمية هناك في 18 ذي الحجة 1340هـ، 23 أغسطس 1921م إثر ثورة العشرين في العراق التي دامت ستة أشهر، والقضاء على حكومته في سورية وعلى حلم بعض السوريين ـ " الشوام كما يقول العرب الآخرون " ـ بإقامة دولة واحدة في بلاد الشام والعراق، وهي الدعوة التي تشربوها بتأثيرات داخلية وخارجية كثيرة  بدا العرب متراجعين عن الرؤية القومية الأوسع التي نمت في ظل ثورة 1916 وخضعت بلاد الشام والعراق وأقطار عربية أخرى لاستعمار مباشر، وبدأت مرحلة النضال من أجل تحرير الأوطان "الأقطار" التي حددتها جغرافية سياسية يتطلع أهل كل قطر من الأقطار المعنية إلى مجاوزتها والتخلص من تلك الخرائط التي رسّخها الاستعمار ومن حرصوا على ما أقامه من كيانات، فقامت ثورة العشرين في العراق وتلتهما ثورات على الاستعمار، وصراعات لم تهدأ بين تيارات قومية وأخرى " ليبرالية" موالية له، فقامت الثورة السورية الكبرى في سورية عام 1925 وثورات وإضرابات في فلسطين، وبدأت بالظهور أفكار وتنظيمات قطرية وقومية على مستوى سورية السياسية وسورية الطبيعية وأخرى عربية أشمل، وبقيت الرؤى القومية تراود كثيرين وتضمهم في أطر تنظيمية هشة.. وكان لتكتلات الضباط والمفكرين والسياسيين القوميين الذين بدأ نضالهم القومي في العهد العثماني تأثير وتواصل، وحملوا التوجهات المناهضة للاستعمار والداعية للوحدة عندما انتقلوا إلى العمل ضمن الجغرافية السياسية التي نتجت عن تمزق الدولة العثمانية ومعاهدة سايكس ـ بيكو ورسمتها الدول الاستعمارية بالدرجة الأولى تلك التي بدأت تقرر مصير الكثير من البلدان العربية بعد انتصارها في الحرب العالمية الأولى. 

لم يخب الأمل والتحرك القوميان ولكنهما في بداية الأربعينيات من القرن العشرين استعادا حيوية وأخذت الشعارات القومية وهجها النسبي، وبدأ الحديث عن الإحياء والنهضة والبعث في ظلال وعي ثقافي تاريخي وما شاع من صورة زاهية لثورة 1916 وما أضيف إلى أفكارها ومشروعها من عمق ووعي في إطار نضال تحرري ضد الاستعمار والمشروع الصهيوني في فلسطين، وشمول قومي عام ساهم في إنضاجه ما واجه ذلك الحلم من تحديات وما لحق به من دمار وما حل بالوطن العربي من كوارث وما تكشف ضده من تآمر تواطؤ يستهدف الأمة العربية وثقافتها وعقيدتها وأرضها بل ووجودها ذاته من خلال المشروع الصهيوني على الخصوص ومن يقف وراءه من الدول الاستعمارية. وكان لحركات ثورية عديدة في مناطق من الوطن العربي تأثير عربي عام باتجاه ترسيخ الفكر القومي وحضور التوجه الوحدوي ومناهضة الاستعمار والمشروع الصهيوني، ومثّل ذلك بدرجة ملحوظة ثورة عز الدين القسام في فلسطين، ورشيد عالي الكيلاني " شباط/فبرايرـ 2 مايس / أيار 1941/ التي غيرت الكثير في مسار تاريخ العراق وأشاعت روح الوطنية وروح الوحدة مع الدول العربية، ورسخت مفهوم التخلص من معاهدة 1930 التي تمثل نفوذاً بريطانياً وتبعية للتاج البريطاني. كما كان لثورة عزيز المصري " القاهرلي"، ومقاومة حلف بغداد وإسقاطه بعد قيام ثورة 23 يولو/ تموز 1952 في مصر بقيادة جمال عبد الناصر دور مؤثر في التوهج القومي لا سيما بعد حرب السويس وقيام الوحدة بين سورية مصر.

بين عامي 1939ـ 1943 كانت تراود بعض الطلائع العربية أحلام قومية- تحررية وحدوية تدفعها إلى تلمس طريق ما.. إلى تنظيم ما، لتحقيق: الخلاص من الاستعمار، وما تتطلع إليه من تحرر وعدالة اجتماعية وتقدم وامتلاك قوة تدفع بها العدوان والتآمر المستمرين عليها.

وأخذت الأحداث تُنضج ذلك الفكر وتدفعه إلى الوجود الفاعل في أطر وصيغ تنظيمية تكفل لـه التطور والاستقطاب الجماهيري، ولم يكن ذلك الذي قالت به طلائع مناضلة على طريق الوحدة والحرية من أهداف وأفكار مجلوباً إلى أرض العرب، ولا تنظيراً أقحم على حياتهم "فاستهوى" مناضليهم، ولا نزوات عابرة لثلة من الناس عاشت حالة من حالات الوهم أو الحلم أو التأثر الشديد بما كان في أوربا من أفكار وتيارات ومد قومي، وإنما كان استلهاماً فعلياً لما يعتلِج في النفوس وتلهج به ألسنة الناس ويعتمل في الوجدان العربي ويستدعيه الواقع والظروف وتتطلبه حاجات النهضة والتحرر والبقاء والتوق إلى العدالة والتقدم والتخلص من الظلم والقهر.