خبر « بيْت ليــد ».. تاريـــخ وإشْراقــــة

الساعة 12:43 م|22 يناير 2012

الاعلام الحربي

عنْدما كانت فلسْطين تتّشح بالسّواد.. وتعيش أصْعب أوقاتها، حيْث كان السّاسة المارقون على هذه القضيّة المقدّسة يتخلّون عنْها ويعرضونها بثمن بخس في ساحات وأروقة التفريط الكبْرى مقابل كراسيٍّ مفخّخة؟!.. والشعب الفلسطيني يعيش التّيه الذي صنعه هؤلاء السّاسة المُتخبّطون بأفكارهم وآرائهم وحلولهم.. وكان العدوّ يُمعن في قتل كلّ شيء جميل في حياتنا.. والأمّة في سبات عميق.. تعيش أحلام الماضي المنْسيّ والحاضر القاتم..

كانت فلسطين بكلّ مُكوّناتها تذرف دموعها وتشتكي لله وجعها.. وفي هذه اللحظات الحرجة في تاريخ القضيّة المباركة، وعنْدما كانت فلسطين ترقب قدوم العاشقين الصّارخين بالحقّ والحقيقة.. خرج مَنْ يُصلح الحال ويُنير العتمة الحالكة بالسّواد والتي عمّت كلّ فلسطين.. ليُزرع الأمل منْ جديد في نفوس مَنْ أحبطتهم الأيّام.. ولكي تُشرق نشوة الانتصار الذي حققته المعجزة المباركة والأجْمل في تاريخ قضيّتنا المباركة والمنكوبة..

صلاح شاكر وأنور سكر.. أصحاب بيْت ليد الثائرة والجميلة.. جاء صلاح ليُصلح ما أفسدته الأيدي التي امتدت للغاصب لتُبارك له بتراب الطّاهرة البتول.. وجاء أنور ليُنير لكلّ الحيارى والتائهين طريقهم الذي ضلّوه وضلّت معهم نُخبٌ وعقول.. فهو نور الثورة ونور الانفجار..

صلاح وأنور.. ثنائيٌّ لمْ نقرأ عنْهم في التاريخ.. صنعوا مجْداً للأمّة كلّ الأمّة وهمْ يصرخون بدمهم وعظامهم وأرواحهم أنّ فلسطين ليست ملكاً لأحد لكي يسْرقها ويبيعها كيفما شاء.. فلسطين تاريخ وشعب وقضيّة مقدّسة.. فمنْ فرّط فيها فهو نجْس ويجب أنْ يُطهّر نفسه ويعود حيْث جاء.. فلسطين آية فمنْ حفظها حفظ الأمانة ومنْ خانها خان رسالة السّماء..

بيْت ليد.. لمْ تكنْ مُعجزة فحسب.. وإنّما كانت النّموذج الأوّل في تاريخ القضيّة المقدّسة.. وتحوّلاً نوعيّاً وفريداً في طبيعة الصّراع مع كيانهم.. كانت تاريخاً يُصنع لتتدارسه الأجْيال القادمة ولتنقشها في وجْدانها لتكون لهم الملهم نحْو المجْد والعشق والحريّة.. فهي تاريخ مُشرق أضاءت حلكة الظّلام التي اتّشحت به كلّ فلسطين.. فكانت تَصنع توازناً حقيقيّاً مع كيانهم.. فكان الدّم بالدّم.. والوجع بالوجع.. وكانت الدّموع بالدّموع.. ولكنْ شتّان بين دموعنا ودموعهم.. فدموعنا منْ نور يكسوها الطّهارة المُنبعثة منْ مسْك الشهداء الذين أبكوا جنودهم.. ودموعهم منْ نار نجسة مُنبعثة منْ سواد حقْدهم وشرّهم وطغيانهم..

بيْت ليد.. ميلاد جديد للأمّة ولفلسطين.. كانت انْطلاق الأجْمل نحْو الأجْمل، حيْث صعود العشاق الذين انْبعثت أرواحهم الطّاهرة نحْو الخلود.. وتحديداً لخارطة الحدود التي رسمتها دماء الشهداء.. فهي كانت بوابة الثائرين ليُعيدوا صياغة المرحلة منْ جديد..

انْطلق الثائران الجميلان ليقولا لكلّ العالم بأنّ فلسطين في قلوبنا وعقولنا ووجداننا.. وأنّنا غير آبهين بمنْ فرّط ومنْ خان.. فنحْن أصْحاب الحقّ، ونحْن أصْحاب القضيّة، ونحْن الذين نمتلك مفاتيح العشق لهذه المحْبوبة وهذه المعشوقة، ونحْن الذين سنُدافع عنْها وعنْ حرّيتنا وكرامتنا.. 

فمنْ منّا ينْسى هذا التاريخ المبارك.. تاريخ مشرق كُتب بالدّم والانفجار.. منْ منّا ينْسى صلاح وأنور.. منْ منّا ينْسى عنْفوانهم وهم يثورون على كيان باطل وقاتل وغاصب.. منْ منّا ينْسى هذا الفارس محمود.. صاحب الفكرة وحامل مفاتيح الحدود.. وسيّد الموقف والسّدود والرّدود.. فكان محمّدياً وَرَدَّاً مُدوِّياً في زمنٍ عزّت فيه الرّدود.. محمود مِنْ ذاك الزّمن الجميل، قائداً فريداً لمْ تلد فلسطين الكثير منْ أمثاله، فهْو صورة فلسطين الثائرة في وجْه بني يهود.. فكان عاشقاً للثورة.. ملائكياً متسرْبلاً بالجمال تحفّه أنْوار الكوْن والوجود..

بيْت ليد.. كانت حُلم المعلّم الثائر الْوَدُود.. صاحب الرّؤية السّديدة والطّلقة الأصيلة وَنَجْم ترْسيم خارطة الحدود.. فجاءته بُشرى العشّاق والانفجار رغْم كلّ القيود.. فنادى الفارس منْ بعيد، نعمٌ نعم، هذه بيْت ليد الكبْرى قدْ هلّت بُشراها، فهي منْ صُنْع الثائر محمود..

كانت كلّ فلسطين بأشجارها وأنْهارها وبحارها تبكي آلامها وجراحها وما حلّ بها، ولا أحد يشعر بهذه المعاناة التي تُعانيها محبوبتنا.. ولكنْ أنّا للعاشق أنْ يختبئ في بيته يُولول كما الرّاكدات فيما معشوقته مغتصبة تئنّ أوجاعها.. فكانت بيْت ليد بأصْحابها العظام يمتشقون سيف الحقّ في وجْه شرّ الباطل ليرسموا البسْمة والفرحة على كلّ تراب الوطن المنكوب.. وليزرعوا روح الثورة منْ جديد في نفوس الصّادقين المتوّجة قلوبهم بالحبّ والعشق والانتماء..

جاءت بيْت ليد بصنّاعها الباقين في وجْدان كلّ ضمير حيّ، يمتطون خيول العزّة ليقولا لكلّ الحيارى والتّائهين بأنّ هذا هو الطّريق فاسْلكوه.. هذا هو الطّريق فاتّبعوه.. وليقولا للذين تركوا جبال الثورة وسكنوا سهول التفريط بأنّ التحرير والعزّة لا يأتيان إلاّ إذا عشق الثائر هذه الخيول التّي يجب أنْ تمتطوها، وإذا تمترس فوق الجبال الشّامخة حارساً للوطن لكي تعيشوا الكرامة في وقت ضاعت فيه الكرامة.. 

ففـي زمـن التّرحال اليوميّ نحْـو المجْد والحريّـة نستنشق ورودكِ يا بيْت ليدٍ مـنْ قصّة الإسراء الجميلة لتُعيننا علــى المُضيّ قُدماً نحْـو عشقنـا الأبـديّ والذي يُحـاول البعْض أنْ يُفسد علينـا رائحة المسْك المُنْبعثة مـنْ سرّ رحْلـة المعْـراج الطّويلة، والتـي كانت انْبعاث الرّوح نحـْو الأجْمل والأطْيب.. ولنْ يكون ترحالنا إلاّ نحْو الطُّهر الذي يقودنا للحريّة المفقودة والمأْسورة في سيـاط الجلاد.. ولنْ نعشق إلاّ محبوبتنا –فلسطيـن- التاريخ والحاضر والمستقبل.. ولنْ نتطلع إلاّ إلى نور السّماء ففيه البوْصلة الحقيقيّة، وفيه الخلاص والمجْد والحريّة..

 

بيْت ليد.. إليكِ نُغنِّ بلحْنِ النّاي لنعزف بحروفكِ الثائرة قصّة شعب يعشق وطنه الجريح ليُداوي بأغنيته تلك الليالي التي عاشها دون ملْح الثوار الذين لمْلموا آلامهم وداووا جراح الشعب والوطن..

 

بيْت ليد.. ذكريات عشقنا حروفها الممْزوجة بآهات الأيّام وآلام الليالي السّاكنة.. لنكْتب بحروف منْ نور على جدْران قلوبنا حبّ صلاح وأنور.. ولنرْسم بقلم الزّعفران تاريخاً لا يُمكن أنْ يُنْسى.. ففيه معارك المجْد والعزّة والكرامة..